مجدداً تقف افغانستان على عتبة أزمة جديدة لم تكن لتحسب ان فصولها ستترجم على أرض الواقع بهذه السرعة وخصوصاً أن لديها ما يكفي من المتاعب ويزيد. ففي قرار يبدو أن لا عودة عنه، أعلن كل من إيرانوباكستان انها ستبدأ بطرد اللاجئين الأفغانيين الذين استقبلتاهم منذ عام 1979، وهي خطوة تشكل ضربة قاصمة للحكومة الأفغانية التي تفتقد المقوّمات الضرورية لاحتواء العدد الهائل من اللاجئين الأفغان الذين قرر البلدان إرجاعهم إلى بلدهم. وبالفعل، بدأت ايران بسحب سجادها العجمي من تحت أقدام اللاجئين الأفغان، ومنذ أواخر ابريل من العام الحالي حتى الآن ردّت بشكل عشوائي ما يزيد على 85 ألف لاجئ أفغاني. ما سبب هذه الخطوة المفاجئة وما هي خلفياتها؟ هذا ما تناقشه «أورينت برس« في التقرير التالي: تسبب غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في عام 1979 وما لحقه من سنوات طويلة من الاحتراب الداخلي فيما بين المجموعات الأفغانية المسلحة، في لجوء أكثر من خمسة ملايين أفغاني إلى الدول المجاورة ينشدون القليل من السلام والدفء، وكان على رأس الدول المضيفة ايرانوباكستان اللتان تسببت موجات اللاجئين الوافدة إليهما في أعباء ثقيلة رتبها وجودهم عليهما. وفي تحرّك مفاجئ، هددت طهران واسلام اباد بطرد هؤلاء اللاجئين من أراضيهما، متذرعتين بأن الوجود الأفغاني يؤدي إلى تفاقم العنف والتوتر الأمني في البلدين، خصوصا أن هناك أعداداً هائلة من اللاجئين الذين دخلوا بطرائق غير شرعية إلى هاتين الدولتين. من جهة أخرى، يرى بعض المراقبين ان القرار الايراني قرار سياسي بامتياز ولا علاقة له بالوضعين الاجتماعي أو الأمني الداخليين، وانه يأتي على خلفية المواجهات القائمة بين إيران والغرب. وأبرز مثال على ذلك الاتهامات التي ساقتها واشنطن ضد طهران باعتبارها الجهة المسؤولة عن توفير الأسلحة إلى المقاتلين الأفغان والعراقيين وبالتالي المسؤولة عن زعزعة الاستقرار الأمني في كل من كابول وبغداد. خيم مؤقتة استناداً إلى الاحصاءات التي قدمتها المفوضية العليا للاجئين (صخبز) فإن قرابة مليون لاجئ أفغاني يعيشون في إيران، فيما يتضاعف العدد في باكستان، مع تسجيل وجود عدد كبير من اللاجئين الذين دخلوا بطرائق غير قانونية إلى البلدين وبالتالي فإنّ أسماءهم غير مدرجة على لوائح الإحصاءات. والملاحظ أن قسماً قليلاً من هؤلاء اللاجئين تمكن من الانصهار في مجتمعات الدول المضيفة ووجد لنفسه نمطاً معيشياً مستقراً، فيما الأغلبية الساحقة منهم ترغب فعلاً في العودة إلى البلاد، وهو أمر صعب خصوصاً أن الحكومة الافغانية تفتقر إلى أبسط المقوّمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وبالتالي فإنها لا تملك القدرات على تأمين أبسط حاجات اللاجئين العائدين بهذه الأعداد الضخمة ومنها حاجتهم إلى المسكن والمأكل والمشرب والرعاية الصحية. وأصدق مثال على ذلك، هو ان قسماً كبيراً من اللاجئين الذين عادوا إلى أفغانستان لايزالون ومنذ سنوات ست يقطنون في خيم مؤقتة نصبت لهم ويفتقرون إلى أبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء والصرف الصحي وفرص العمل التي بالكاد يجدها سائر المواطنين. وكان من تداعيات رجوع هذا العدد الضخم ان معظم العائدين يسكنون في المدن الافغانية الكبرى مثل كابول التي ارتفع عدد سكانها خلال السنوات الست الأخيرة من مليونين إلى أربعة ملايين نسمة، وهو أمر أدى إلى كثافة سكانية هائلة، والأمر عينه ينطبق على أكبر المدن الأخرى، ولاسيما انه إلى جانب عودة اللاجئين تم نزوح عشرات المزارعين من قراهم إلى المدن آملين أن يتمكنوا من تأمين حياة جيدة لأبنائهم. يرمونهم على الحدود تحاول الحكومة الافغانية بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين ان تفاوض السلطات الايرانيةوالباكستانية لاستقدام اللاجئين إليها ولكن على دفعات تستطيع أن توفر لها الحد الأدنى من الحياة اللائقة، ببساطة لأن افغانستان لا تملك القدرات لاستيعابهم دفعة واحدة. ولكن يبدو أن المفاوضات لا تسير على ما يرام، فمنذ أواخر ابريل الماضي عمدت طهران إلى طرد 85 ألف لاجئ افغاني رامية بهم جنوب حدودها في الجهة الافغانية، في حين ان اسلام اباد أعلنت على الملأ أنها ستستخدم القوة والضغوط الاقتصادية كحل أخير لحمل الآلاف من اللاجئين الأفغان على مغادرة أراضيها. إضافة إلى ما تقدم، فإنّ هناك أربعة مخيّمات للاجئين الأفغان قرّرت باكستان إغلاقها بشكل كلي في عام 2009، ولتحقيق ذلك ستعمد الحكومة إلى تخيير اللاجئين بين العودة إلى ديارهم أو الانتقال إلى مخيمات أخرى أقل رفاهية، على أن يتم إغلاقها هي الأخرى في أوقات لاحقة. وأما من الطرف الايراني، فيتم طرد اللاجئين الافغان يومياً خارج الحدود إذ يقولون: انه يتم أخذهم بشكل تعسفي من منازلهم أو السوق مباشرة إلى الحدود من دون أن يتمكنوا من توضيب أغراضهم أو حتى من مرافقة عائلاتهم، بحيث يتم التفريق بينهم وبين عائلاتهم، وهو أمر أثار اعتراضات في صفوف الأفغانيين ولدى المنظمات الإنسانية التي تشير إلى أنه من حق طهران المطالبة بإخراج اللاجئين من أراضيها ولكن من مسؤوليتها الأخلاقية أيضاً عدم الإضرار بهم وبعائلاتهم. وتلفت هذه المنظمات الانتباه إلى أن من شأن هذا الطرد التعسفي أن يولد حقداً لدى الأفغانيين الذين سيعودون إلى ديارهم حيث لا تتوافر لهم أي من مقومات الحياة اللائقة، وبالتالي سيصبحون عرضة للانحراف أو للاستغلال وخصوصاً ان 82 % من اللاجئين الافغان في باكستان معظمهم تحت سن ال 28 يرفضون العودة إلى بلادهم التي تعصف بها الحرب. افغانستان تطالب بيأس الدول الغربية بمساعدتها لأنها بالفعل غير قادرة على فتح أبوابها لأبنائها اللاجئين في باكستانوايران.. فإلى جانب الاضطراب الأمني الذي تعانيه فإن أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية متردّية جداً ولاسيما في ظل تجارة الأفيون التي تسيطر عائداتها على مجمل معدل الدخل القومي والتي تتزايد عاماً بعد عام. فتجارة وزراعة الأفيون تمثلان القطاع الأكبر في الاقتصاد الأفغاني بحيث ان عائداتها السنوية مرتفعة جداً. لذلك فإن توفير بديل عنها يحتاج إلى وقت طويل، من هنا كانت أفغانستان تطالب ببعض الوقت لكي ترتب أوراقها الداخلية قبل استقبال العائدين من أبنائها، خصوصاً أن الاضطراب الأمني يعزز تجارة الأفيون ويفتح لها أبواباً واسعة للتمدّد. وللمثال، فإنّ افغانستان تورد نحو 87 % من الأفيون العالمي الذي يتحوّل إلى هيروين، وان معظم هذه التجارة اللاشرعية تسيطر عليها المجموعات الاثنية وتستفيد من عائداتها لتمويل مقاتليها ولتأمين الأسلحة والذخائر. وفي هذا السياق، أعربت افغانستان عن تخوّفها من لجوء أبنائها العائدين إلى الانخراط في حركة طالبان التي ستغريهم للتجنّد في صفوفها بواسطة المال وبالتالي ستدفعهم إلى دائرة العنف، ولاسيما أنّ ليس لديهم بدائل أخرى يتجهون نحوها، فلا يوجد فرص عمل متوافرة أو مساعدات اجتماعية تساعدهم على تخطي فقرهم المدقع أو أي جهة يستندون إليها، وبالتالي فإنّ الكثيرين سيجدون الملاذ لدى «طالبان« وسينضمون إلى أفرادها وذلك أمام ناظري الحكومة الأفغانية التي ليس بيدها حيلة. الجدير ذكره، ان باكستان تعاني على حدودها زعماء حركة طالبان الذين يتخذون من شمال وزيرستان ومن بلوشستان مركزاً آمناً لهم ولتجارتهم اللاشرعية. ومن هنا، فإنّ باكستان تتخوّف من ازدياد معدل الجريمة والإدمان في أراضيها بسبب هؤلاء وهي لذلك تحاول التخلص من أكبر عدد ممكن من الأفغانيين على أراضيها. الأزمة تشتد، وأفغانستان وحيدة تريد استقبال أبنائها لكنها لا تملك المقومات لذلك، فهل من مجيب لنداء المساعدة؟