حين تختلط الأوراق وتتداخل الرؤى وتتغلب لغة المصالح تفقد الأشياء معناها.. يفقد الحلم براءته.. ويفقد الموقف قدسيته.. وتفقد الأحداث غايتها.. هناك فرق كبير بين شعب ثار وامامه حلم كبير في التغيير فتوحدت كلمته نحو هدف واحد.. وشعب آخر انقسم على نفسه بين فريق يبحث عن غنائم وفريق آخر يدبر المؤامرات وفريق ثالث يملك الحلم ولا يملك الخبرة والارادة.. راودتني هذه الأفكار وانا اتابع على شاشات الفضائيات مليونية الثورة في الاسبوع الماضي، حيث عادت كل القوى السياسية تسترجع ذكريات ثورة يناير بعد فترة غياب طالت وقلت لنفسي المكان هو المكان ميدان التحرير.. والناس هم الناس.. مئات الآلاف من المصريين.. والمشاعر ربما كانت نفس المشاعر انتماء وولاء وغضبا.. لكن هناك شيئا خطيرا تغير ان النفوس لم تعد كما كانت في صفاء الضمائر ووضوح الهدف وصدق الغاية ومنذ انقسمنا ضاعت براءة الحلم. هناك أشياء كثيرة غابت عن المشهد وهناك شعارات كثيرة اختفت وسط الزحام.. ما عادت الهتافات "الجيش والشعب ايد واحدة".. وما عاد الثوار يعانقون جنود جيش مصر على الدبابات والعربات المصفحة.. حتى منصات الخطب تغيرت كانت هناك منصة واحدة يلتف حولها الجميع تجمعهم لحظة تاريخية نادرة توحدت فيها إرادتهم.. في الأسبوع الماضي كانت هناك اعداد من المنصات واعداد من الكلمات وكانت هناك اكثر من صلاة واكثر من إمام وأكثر من خطبة للجمعة.. حتى الصلاة لم نعد نجتمع عليها هل هناك إنقسام أكثر من ذلك. كانت مليونيات الثورة في أيامها الاولى احلام شعب بالتغيير.. وجاءت مليونية الاسبوع الماضي تعكس حالة من التحدي والإنقسام والتشتت بين ابناء الشعب الواحد.. ووجدنا انفسنا امام اكثر من تيار سياسي.. واكثر من فصيل ديني واكثر من ساحة سياسية.. ما الذي وصل بنا إلى هذه الحاله من الانقسام.. ولماذا لم تنجح مليونية الاسبوع الماضي في جمع الشمل بين القوى السياسية وما نهاية كل تلك الصراعات.. ولماذا إختلطت الاوراق بهذه الصورة التي تعكس حالة من حالات التشرذم التي تهدد كل شئ.. هناك ثلاث اوراق اختلطت في بعضها منذ فترة بعيدة لتقدم لنا هذه الصورة الغريبة في إدارة شئون وطن.. أولا: لابد ان نعترف بأن المجلس العسكري تأرجح كثيرا في القيام بمسئولياته بالوجه والصورة المطلوبة منه كسلطة حاكمة وقد ترك ذلك ثغرات كثيرة في إدارة شئون الدولة.. كانت هناك مواقف كثيرة تتطلب الحسم ولم يكن المجلس حاسما فيها.. ما أكثر القضايا التي تأجلت والأزمات التي لم نجد لها حلا.. ان المجلس يتمتع بكل صلاحيات رئيس الدولة طبقا للبيان الدستوري ولا يمارس إلا القليل من هذه الصلاحيات.. فمازال يتصرف علي اساس انه مسئول عن القوات المسلحة ويدير شئون الدولة على هامش الأحداث.. كان ينبغي ان يكون المجلس اكثر تفاعلا ابتداء بالشأن الخارجي في علاقات مصر الخارجية وانتهاء بالشأن الداخلي وهو ما يتعلق بمشاكل المجتمع وازماته، لقد فوض المجلس العسكري الحكومة في سلطات كثيرة لم تمارسها وقد ترك ذلك فراغا كبيرا في سلطة القرار. لقد نجحت القوى السياسية في إيجاد حالة ارتباك وفوضى في سلطة القرار خاصة فيما يتعلق بالمطالب والمظاهرات والاحتجاجات.. تأجلت قضايا كثيرة لم يحسمها المجلس في مقدمتها اموالنا الهاربة في الخارج.. والتحقيقات المؤجلة في عشرات القضايا وبقدرما كانت السرعة في محاكمة شباب الثوار بقدر ما كان التباطؤ في القضايا الأخرى.. وعلى سبيل المثال كان ينبغي ان يتحرك المجلس العسكري في هذه المرحلة الحرجة بصورة افضل على المستوى العربي والمستوى الدولي ولكنه ترك جميع الملفات وهي من اختصاصه إلى اطراف لم تفعل شيئا.. لم يمارس المجلس العسكري سلطات الدولة في تحديد السياسات والاولويات إبتداء بالموقف الإقتصادي وما فيه من ازمات وانتهاء بما حدث في الإعلام وما فيه من تجاوزات ويدخل في ذلك قضايا كثيرة بقيت معلقة.. قد يرى البعض ان المجلس العسكري لا يملك بحكم التكوين القدرات البشرية القادرة على ذلك وهنا يكون الرد: ولماذا لم يلجأ إلى اصحاب الخبرات ويستعين بهم كما تفعل كل السلطات في المراحل الانتقالية في تاريخ الأمم والشعوب؟.. ورغم ان المجلس العسكري سلطة حاكمة حتى وإن كانت مؤقتة فإنه لم يتجاوز حدود مسئولياته العسكرية وترك سلطة القرار في إدارة شئون الدولة لأجهزة ومؤسسات مرتبكة من بقايا العهد البائد وقد فتح ذلك المجال لجهات كثيرة لكي تمارس وتتدخل بقوة وسط فراغ سياسي وإداري وتنظيمي كبير. ثانيا: هناك فصيل أخر حاول ان يدخل اللعبة السياسية رغم انه غير مهيأ لها ولا يملك من الخبرات والعقول ما يساعده علي ذلك.. اقصد التيار الديني، فهذا التيار لم تتوافر له يوما جوانب التجربة الواسعة التي يمكن من خلالها ان يتحمل مسئولية إدارة شئون دولة ومن اين له هذه التجارب والخبرات وقد ظل سنوات طويلة مابين السجون والمعتقلات.. لقد نجح الإخوان المسلمون والسلفيون في تقديم مشروعات صغيرة للخدمات في المناطق الفقيرة أوتجارة التجزئة أو توفير السلع بأسعار رخيصة ولكن هذه التيارات لم تكن يوما مؤهلة لإعداد ميزانية دولة أو إدارة مؤسسات كبرى في الصحة أو التعليم أو المواصلات وامام تقاعس مؤسسات الدولة عن اداء دورها اعتقد اصحاب التيارات الإسلامية انهم قادرون علي إدارة شئون الدولة ومن هنا كانت بداية الصراع مع المجلس العسكري حول تشكيل الحكومة بعد الحصول على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى.. وزادت درجة الطموح لديهم لتصل إلي منصب رئيس الدولة.. وهذا يعكس حالة التداخل في الأدوار والمفاهيم التي سيطرت على هذه التيارات التي لم تختبر يوما في إدارة شئون دولة لكي تطمع في الوصول إلى السلطة بكامل مؤسساتها بما في ذلك البرلمان والحكومة والرئاسة. هذه الصورة كانت تؤكد وجود خلل ما في حسابات التيارات الإسلامية ورغبتها في احتكار السلطة ولا شك ان غياب المجلس العسكري في حسم أشياء كثيرة كان من الأسباب الرئيسية لذلك وإن كان تنازع الاختصاصات والمسئوليات بهذه الصورة قد ادى إلى ارتباك جميع الأطراف.. هنا وجدنا مجلس الشعب ممثلا للتيار الإسلامي يشتبك مع الحكومة حول سياسات ومواقف كثيرة وشهد جلسات متعددة لم تخل من هجوم ضار على الوزراء واتهامهم بالتقصير في أداء دورهم ومسئولياتهم تجاه الشعب.ورغبة من المجلس في ان يكون صاحب دور في السلطة التنفيذية رغم ان في ذلك خروجا على قواعد وثوابت العلاقة بين السلطات. كان من الطبيعي ان نجد انفسنا امام مؤسسات لا تؤدي دورها كاملا في الحكم ومؤسسات اخرى تريد ان تحتكر كل شئ وهي لا تملك الخبرة. ثالثا: في ظل هذه الفوضى كانت القوى السياسية الأخرى تحاول تصفية حسابات مع المجلس العسكري امام اعتقاد أنه سلم البلد للتيار الإسلامي وامام القوى الإسلامية التي هبطت على الشارع بشعارات دينية واستطاعت ان تخلط كل الأوراق لمصلحتها غابت عن الساحة خبرات وتجارب الأحزاب السياسية مثل الوفد والتجمع والعمل والأحرار والناصري وتحولت إلى قوىمهمشة امام التيار الإسلامي الذي اجتاح كل شئ.. وهنا ظهرت امامنا جوانب الخلل في المنظومة السياسية مع تراجع دور شباب الثورة امام المحاكمات والاتهامات وعمليات التشويه التي افسدت العلاقة بين الشباب والمجلس العسكري. رابعا: امام غياب الحسم من المجلس العسكري، والسعي إلى السلطة من التيارات الدينية وتهميش وسلبية القوى الأخرى وتشويه شباب الثورة.. كانت هناك مساحات واسعة من الفراغ في المرحلة الانتقالية ساعدت على بقاء وترسيخ وجود قوى الثورة المضادة من فلول النظام السابق.. وقد تمسكت هذه القوى بقواعدها ودخلت في حالة كمون مؤقت ثم عادت للظهور بقوة امام إنقسامات قوى الثورة والصراعات بين التيارات الدينية والخلاف مع المجلس العسكري وكانت فرصة نادرة للفلول في نشر الفوضى وتشويه الثوار وظهور البلطجية واللهو الخفي والبحث عن منقذ يعيد الأمن والاستقرار للمواطن المصري.. ولاشك ان عودة هذه الفلول للساحة وبقاءها في مؤسسات لم يتغير فيها شئ كان على حساب إنجازات الثورة رغم سقوط رأس النظام. نحن امام مجلس عسكري لم يمارس دوره كاملا خلال 15 شهرا لأنه وعد بتسليم السلطة للمدنيين رغم ان الواجب كان يلزمه بالقيام بمسئوليات رئيس الدولة كاملة حتى آخر دقيقة له في السلطة.. نحن امام مجلس يملك سلطة القرار ولا يمارسها اعتقادا منه بأن ذلك يتعارض مع عهد قطعه على نفسه بتسليم السلطة. نحن امام تيار ديني يفتقد الخبرة تماما في إدارة شئون دولة ورغم هذا ركب قاطرة السياسة تاركا قاطرة الدين رافضا التعاون مع التيارات الأخرى رغم ان خلافات الفكر لا تعني ابدا إهدار قيمة الخبرات والتجارب لدى الآخرين وهنا وجدنا أنفسنا امام سلطة تريد ان تحكم وهي لا تملك الخبرة ولم تملك بعد سلطة القرار.. يجب ان يدرك التيار الإسلامي انه لا يستطيع ان يتحمل مسئولية إدارة شئون وطن في حجم مصر ويسعى لإحتكار السلطة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والرئاسية.. من هنا ينبغي ان يفتح صفحة جديدة مع كل القوى السياسية الأخرى بعيدا عن الصراعات الفكرية والأيديولوجية والتخويف بالمليونيات وان ينظر الجميع إلى مستقبل هذا الوطن بكل ما يحمله من تحديات وازمات ومشاكل.. حين يقوم المجلس العسكري بمسئولياته في إدارة شئون الدولة والاستعانة بكل ما في مصر من خبرات قد لا تتوافر في المؤسسة العسكرية فإن ذلك قد يوفر على المواطنين الكثير من المتاعب والمعاناة ويضع إدارة الدولة في مسارها الصحيح. حين يدرك التيار الإسلامي انه فصيل مشارك في إدارة شئون هذا الوطن فسوف يفتح آفاقا جديدة للتعاون مع كل القوى السياسية الأخرى دون رغبة في الهيمنة على كل مؤسسات الدولة. من هنا نحن امام ثلاثية غريبة تعكس فراغا في السلطة وإدارة شئون الدولة.. المجلس العسكري له كامل السلطات ولا يمارسها.. والتيار الإسلامي يريد احتكار سلطة ليست من حقه.. وتيارات أخرى عجزت عن إيجاد صيغة للتعاون والتفاهم والحوار وبعد ذلك كله وجدنا انفسنا امام دولة تعيش زمان ثورة ومازالت تحكمها مؤسسات من بقايا فلول العهد البائد. ليس هذا وقت الخلافات والصراعات لأن الوقت يضيع والأعباء تزيد والشعب لن ينتظر كثيرا. .. ويبقى الشعر آمنت بالإنسان عمري كله ورسمته تاجا علي أبياتي هو سيد الدنيا وفجر زمانها سر الإله وأقدس الغايات هو إن سما يغدو كنجم مبهر وإذا هوي ينحط كالحشرات هل يستوي يوم بكيت لفقده وعذاب يوم جاء بالحسرات ؟! هل يستوي صبح أضاء طريقنا وظلام ليل مر باللعنات ؟! هل يستوي نهر بخيل جاحد وعطاء نهر فاض بالخيرات ؟! أيقنت أن الشعر شاطئ رحلتي وبأنه عند الهلاك نجاتي فزهدت في ذهب المعز وسيفه وكرهت بطش المستبد العاتي وكرهت في ذهب المعز ضلاله وخشيت من سيف المعز مماتي ورفضت أن أحيا خيالا صامتا أو صفحة تطوي مع الصفحات واخترت من صخب المزاد قصائدي ورفضت سوق البيع والصفقات قد لا يكون الشعر حصنا آمنا لكنه مجد.. بلا شبهات والآن أشعر أن آخر رحلتي ستكون في شعري وفي صرخاتي تحت التراب ستختفي ألقابنا لا شئ يبقي غير طيف رفات تتشابك الأيدي.. وتنسحب الروي ويتوه ضوء الفجر في الظلمات وتري الوجوه علي التراب كأنها وشم يصافح كل وشم آت ماذا سيبقي من بريق عيوننا ؟ لا شئ غير الصمت والعبرات ماذا سيبقي من جواد جامح غير البكاء المر.. والضحكات؟ أنا زاهد في كل شيء بعدما.. اخترت شعري واحتميت بذاتي زينت أيامي بغنوة عاشق وأضعت في عشق الجمال حياتي وحلمت يوما أن أراك مدينتي فوق السحاب عزيزة الرايات ورسمت أسراب الجمال كأنها بين القلوب مواكب الصلوات قد قلت ما عندي ويكفي أنني واجهت عصر الزيف بالكلمات من قصيدة "لكل عمر مرايا" سنة 2003 نقلا عن جريدة الأهرام