فى 13 أغسطس الماضى ، استنفذت البشرية خلال عشرة اشهر كامل ميزانية موارد الطبيعة المخصصة لهذه السنة، متجاوزة القدرة الإيكولوجية للأرض ، و ذلك وفقا لتقرير "شبكة البصمة العالمية Global Footprint Network" وهي منظمة دولية تعنى بأبحاث الاستدامة و البيئة و تقوم سنويا برصد حجم طلب البشرية على موارد الكوكب مقابل القدرة البيولوجية للطبيعة اى قدرتها على تجديد الموارد واستيعاب النفايات، بما في ذلك ثاني أوكسيد الكربون . المنظمة حددت هذا اليوم واطلقت عليه اسم "يوم تجاوز موارد الطبيعة Earth Overshoot Day " وهو اليوم الذى يستنفذ فيه البشر الموارد الطبيعية السنوية ، و قد تحقق هذا مبكرا فى يوم 13 اغسطس بدلا من مطلع أكتوبر (كما كان في عام 2000) اى قبل شهرين من الموعد المحدد ، فى اشارة الى أن الأنشطة البشرية اصبحت تضع مزيدا من الضغوط على الموارد الطبيعية للارض أكثر من أي وقت مضى .. ويقول "ماتيس واكرناجل" رئيس شبكة "البصمة البيئية العالمية" وأحد واضعي المعيار الحسابي للموارد في احتساب البصمة البيئية : " أصبح التجاوز العالمي لرصيد الموارد الطبيعية تحديا حاسما في القرن الحادي والعشرين فهو مشكلة إيكولوجية واقتصادية في آن واحد ". ففى الستينيات من القرن الماضى كانت البشرية تستعمل فقط نحو ثلاثة أرباع القدرة المتوافرة للأرض في لانتاج الغذاء والألياف والأخشاب والأسماك وامتصاص غاازت الدفيئة .وكانت لدى غالبية البلدان قدارت بيولوجية تفوق بصماتها البيئية.. ومع أوائل السبعينات أدى النمو الاقتصادي والديموغرفي العالمي إلى ازدياد البصمة البيئية للبشرية أكثر مما يستطيع الكوكب إنتاجه بشكل متجدد .ودخلنا في ازمة "تجاوز إيكولوجي". وتقول شبكة (GFN) ان انبعاثات الكربون هي أعظم ما خلفته البشرية على الطبيعة، ويمثل أكثر من نصف البصمة البيئية للبشرية.. وتكاليف هذا الاسراف في الاستهلاك و الانفاق البيئي أصبح أكثر وضوحا يوما بعد يوم، في اشكال عدة كإزالة الغابات والجفاف وندرة المياه وتآكل التربة، وفقدان التنوع البيولوجي و تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. البصمة البيئية: البصمة البيئية ،هي مساحة الأرض والماء التي يحتاجها السكان لتوليد الموارد المتجددة التى يستهلكونها، واستيعاب النفايات المقابلة التى يتم انتاجها ، وذلك باستخدام التكنولوجيا السائدة. وبعبارة أخرى، فإنه مصطلح يقيس "كمية الطبيعة" التي نستخدمها ويقارن ذلك مع كم ‘الطبيعة' الذى لدينا في الواقع. ومن ناحية أخرى، القدرة البيولوجية هي قدرة الغلاف الجوي على التجدد وتوفير الحياة، متماشيا مع اتجاهات الطلب. . وهو مصطلح يقارن بين المواد المستخدمة فى اقتصادات الإنسان ، وما يمكن للطبيعة ان تعيد انتاجه وتجدده .. ويستخدم تقرير منظمة (GFN) وحدة ‘الهكتار العالمية' لقياس البصمة البيئية والطاقة البيولوجية، والهكتار، هو المنتج البيولوجي مع المتوسط العالمي للإنتاجية.. افريقيا .. على حد السكين وفي ظل هذه التدابير، تعد قارة أفريقيا الوحيدة التى تحقق التوازن و لكنها على حافة السكين، فوفقا لأحدث البيانات، نجد ان البصمة البيئية للإنسان هناك تتساوي تقريبا مع القدرة البيولوجية للقارة، وتقاس من حيث نصيب الفرد. وإذا استخدم العالم كله موارد الأراضي والمياه والطاقة على طريقة المتوسط الأفريقي ، فان 70 % فقط من موارد الأرض الحالية ستكون كافيه لنا جميعا – وهذا يعني أنه سيكون هناك فائضا خلفها.. وعلى النقيض من ذلك، إذا استخدم العالم كله موارده على طريقة المتوسط في أمريكا الشمالية ، فسنحتاج من الموارد ما تدره الأرض بزيادة 3.9 مرة لتكون كافيه لاحتياجاتنا جميعا . وتظهر بيانات GFN علامة ‘جيدة ‘ لمتوسط الاستهلاك البيئى الافريقى يعكس فوارق ضخمة بين البلدان بعضها البعض . . فدول شمال أفريقيا والدول الجزرية لديها آثار بيئية كبيرة بشكل خاص، نتيجة الدخل المرتفع نسبيا للفرد – و هو ما يترجم إلى مزيد من استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون أكبر – مع ما يقرب من الصفر من الغابات، مما يعني أنه ليس هناك أي فرصة لإعادة تدوير الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي في النباتات والأشجار.. وبدلا من ذلك، هذه الدول هي من الدول المساهمة الكبرى تراكم ثاني أكسيد الكربون العالمي ، والتدهور البيئي. موريشيوس، على سبيل المثال، لديها مزيد من الطلب على الموارد اكبر مما يمكن ان توفره ارض المتاحة ، فيتم تستنفذ موارد الطبيعة بمعدلات عالية اكبر من القدرة على تجددها ، و عادات الاستهلاك الحالية تتطلب في الواقع ما يعادل 4.4 مرة ما توفره البيئة هناك . وهو الامر الذى ينطبق ايضا على بلاد مثل مصر والجزائر وليبيا، حيث الضغوط البشرية كبيرة على البيئة – إلى حد كبير من انبعاثات الكربون والطلب على الأراضي الزراعية – و هو ما يتجاوز ما يمكن لهذه البلدان أن تدعمه من حيث القيمة الحقيقية، فعلى سبيل المثال : عادات استهلاك الليبيين تتطلب ما يعادل 3.3 مرة ما توفره البيئة هناك ، وبالنسبة لمصر 3.2 مرة ، والجزائر 3.1 مرة . ويقول التقرير ان الدول ذات الضغوط البشرية الاقل فى العالم اغلبها تقع فى وسط افريقيا وذلك بفضل الغابات الكثيفة في المنطقة، و تفرق السكان بين المناطق . وتعد "الجابون" من أعلى الدول من حيث ‘الفائض الإيكولوجي' نسبة إلى عدد سكانها والطلب البشري على البيئة. مع فقط 1.6 مليون شخص وتغطية واسعة من الغابات، وهى بلد لا تستخدم حاليا سوى عشرة بالمئة من الطاقة البيولوجية لها. وهو ما ينطبق ايضا على جمهورية أفريقيا الوسطىوالكونغو برازافيل، وكلاهما يبلغ عدد سكانها الصغير نسبيا نحو 4 ملايين نسمة ، معظمهم بالريف إلى حد كبير، وهو ما يعني أن لديهم استهلاك متواضع للكربون بشكل كبير .. وعلى الرغم من أن جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا) لديها أيضا غطاء واسع من الغابات، الا ان عدد سكانها يبلغ 63 مليون نسمة ، و هو ما يضع المزيد من الضغوط على الاحتياطيات البيئية في البلاد ، و مع ذلك و باتجاهات الاستهلاك الحالية ، نجد ان البلاد تستخدم 20 % فقط من القدرة البيولوجية لها . وهكذا نجد ان وضع افريقيا الجيد – و كما وصف بانه على حد السكين – نظرا لوجود الفوارق الكبيرة بين البلدان التي لديها التجاوز البيئي الضخم مثل موريشيوس والرأس الأخضر وكل شمال أفريقيا ، وتلك التي لديها احتياطيات كبيرة ومعظمها في وسط أفريقيا .. مما يعادل الكفة نسبيا لصالح التعادل الايكولجى ، ويعطي افريقيا صورة شاملة مواتية بشكل عام . من بين 52 بلدا في أفريقيا ، هناك 30 دولة هي في حالة عجز بيئى ومعظمها تجاوزت بالفعل القدرة البيولوجية الإيكولوجية، و تعد كلا من بوروندي وجيبوتي وجنوب أفريقيا وسوازيلاند وتونس وكينيا وأوغندا في مكان سيئ بشكل خاص، إما بسبب انبعاثات الكربون العالية للفرد، أو ضغط السكان وبسب الطلب على المحاصيل والمراعي .. وهذه البلدان تستخدم بالفعل ما لا يقل عن مرتين ضعف الموارد الطبيعية المتاحة و القادرة على التجدد فى بلادهم كل عام .. وإذا عات أفريقيا الانهيار البيئي فى اي وقت ، فإنه من المرجح أن يحدث اولا في هذه الدول – وخاصة تلك ذات الدخل المنخفض التي لديها قدرة مالية أقل للتكيف مع الواقع الاقتصادي القاسي الجديد- . اليوم، يوجد بالعالم 22 دولة فقط هى التى يمكن ان يقال ان لديها ‘فائض بيئي'، وأنها قد تكون بلدان اللجوء في العقود القليلة القادمة. و لن تمر فترة طويلة، حتى تجد نفسها مستضيفة للاجئين البيئة .. وبصرف النظر عن بلدان أفريقيا الوسطى المذكورة سابقا ، هناك البلدان التي تستخدم أقل من نصف قدرتها الحيوية ، وهكذا، من الناحية النظرية، تكون قادرة على دعم تدفق المهاجرين اليها بسبب الظروف البيئية وهي: أنجولا وإريتريا وناميبيا (تستخدم حاليا 30 % فقط من القدرة البيولوجية)، وكذلك ليبيريا، مدغشقر وموزمبيق وزامبيا (تستخدم حاليا 40 %من القدرة البيولوجية). ويختتم التقرير بالاشارة الى ان نحو 86% من سكان العالم يعيشون في بلدان تطلب من الطبيعة أكثر مما تستطيع نظمها الإيكولوجية تجديده، ووفقا لحسابات شبكة البصمة البيئية العالمية، نحتاج إلى أرض ونصف أرض لإنتاج الموارد الإيكولوجية الضرورية لدعم البصمة البيئية الحالية للبشرية. وتوحي التوقعات السكانية المعتدلة وما تتطلبه من الطاقة والغذاء بأن البشرية ستحتاج إلى القدرة البيولوجية لثلاثة كواكب قبل منتصف هذا القرن وهو ما سيكون مستحيلا ماديا .