الاهرام 6/1/2007 سقط حزب الشعب الباكستاني الذي تزعمته بينظير بوتو قبل اغتيالها فيما تسقط فيه الاحزاب السياسية في العالم الثالث عادة من اخطاء قاتلة.. وذلك حين جري انتخاب بيلاوال ابنها الأوحد الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره ليخلف والدته في زعامة الحزب, تحت وصاية والده آصف علي زارداري ليضع الديمقراطية بذلك في باكستان علي شفا انهيار تام ولا تبدو له بارقة أمل. وكان الكثيرون يتوقعون ان تذهب زعامة الحزب الي واحد من قياداته التاريخية وعلي رأسهم نائب بوتو مخدوم امين فهيم الذي ادار نشاط الحزب طوال سنوات غياب بينظير بوتو في المنفي ولكن يبدو ان نظام التوريث السياسي في شبه القارة الهندية الذي يتحكم فيه عدد محدود من الاسر السياسية الكبيرة هو السمة الغالبة في هذه المنطقة وقد ظلت اسرة انديرا غاندي لفترة طويلة هي التي تقود حزب المؤتمر في الهند وتدفع ثمن احتكار السلطة باغتيالات وانتكاسات تعرضت لها ولم تتوقف إلا بظهور قيادات سياسية من حزب المؤتمر لا تنتمي الي اسرة غاندي فاتخذت الديمقراطية فيها مسارا اكثر استقرارا واستمرارا يسمح بتداول السلطة مع احزاب المعارضة لتصبح الهند أكبر ديمقراطية في آسيا والعالم. مثل هذه التجارب تبرهن علي ان النخب السياسية الحاكمة في العالم الثالث قدتكون سببا في تكريس مبادئ الديمقراطية او في انسداد الطريق اليها والتي تنتهي عادة بانتكاسة تعود بها إلي الحكم العسكري او لسيطرة الحزب الواحد او لحالة من الفوضي وإذا كان اغتيال بينظير قد عرقل مسيرة التحول الديمقراطي في المدي القريب فإن توريث زعامة الحزب لابنها وزوجها لا يمكن إلا ان يضع نهاية لدور حزب الشعب ولمشروعه الفكري الذي ارسي دعائمه بوتو الأب وراهن فيه علي الخيار الديمقراطي ذي المرجعية الاسلامية التي وسمت باكستان منذ شأنها. غير ان خطورة الاختيار الذي وضع زارداري الأب في قيادة حزب الشعب, مطمئنا الي حداثة سن ابنه, هو أن تاريخ الزوج في الفساد الذي اتهم به في ولايتيها كرئيسة للوزراء حتي اطلق عليه مستر10 % لأنه كان يتقاضي عمولات علي التعاقدات للمشاريع الحكومية ويفتح الباب لانشقاقات تعطل قدرة الحزب علي انجاز تحول ديمقراطي يقضي علي الديكتاتورية والفقر والأمية, وهي الظروف التي سمحت بتفشي التيارات المتطرفة والمدارس الدينية في باكستان. لقد دخلت الأزمة التي اعقبت اغتيال بينظير مرحلة جديدة بموافقة الأحزاب الباكستانية علي خوض الانتخابات في موعدها الجديد ولكن لابد ان يكتشف العالم والشعب الباكستاني ان البريق الذي احاط بالحياة السياسية لبينظير لم يكن كله خالصا من اجل الحفاظ علي قيم الديمقراطية, بقدر ما كان صراعا من اجل الابقاء علي الاسطورة السياسية لأسرة بوتو بأي ثمن, حتي ولو اتخذ شكل توريث السلطة لشاب لم يكمل تعليمه, أو لزوج مثقل باتهامات الفساد, ويبدو انه لا فرق بين الرجل والمرأة في تقديس السلطة!! المزيد من اقلام واراء