بالأمس كان موعدنا مع الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، وهي الثورة التي أطاحت بنظام استمر 59 عاما منذ عام 1952 وحتى يناير 2011... نظام قام على الديكتاتورية وحكم الفرد وسيادة نظام الحزب الواحد بشكل علني وصريح سواء في زمن الاتحاد القومي ثم الاشتراكي. أو في زمن التعددية الحزبية الشكلية التي تسيدها حزب مصر ثم الحزب الوطني. الأن أختلف الوضع وظهرت التعددية الحزبية والسياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبينهما تيار الإسلام السياسي بأطيافه المختلفة، وهو التيار الذي كان محظورا منذ قيام ثورة يوليو حتى ثورة يناير رغم ظهوره على إستحياء وبمقاومة عنيفة من السلطة منذ انتخابات مجلس الشعب عام 2000 ثم انتخابات 2005 حتى كانت الإنتكاسة الخطيرة في انتخابات 2010 حينما أصر النظام بغباء شديد على الإطاحة بكل الرموز من كافة الأطياف بدءا من الاخوان المسلمين ومرورا بالأحزاب الشرعية والمستقلين وانتهاء بالإصلاحيين في الحزب الوطني ذاته لتجتمع كل هذه الفصائل في خانة المعارضة للنظام والرافضة لاستمراره فكانت نهايته الحتمية في يناير2010. الأن وبعد مرور عام على ثورة يناير هناك حالة من الإنقسام حول حصاد العام فهناك من يرى أن هناك أشياء كثيرة تحققت خلال هذا العام ويكفي ما حدث من إجراء لإنتخابات مجلس الشعب بنزاهة مشهود لها في الداخل والخارج وهي الخطوة الأولى في سلم تسليم السلطة إلى المدنيين بعد أن كانت هناك تخوفات من طمع العسكر في السلطة ليضيف الجيش إلى رصيده رصيدا إضافيا آخر بعد أن أوفى بوعده في إجراء انتخابات نزيهة، وأعلن خريطة واضحة لتسليم السلطة طبقا لتوقيتات زمنية محددة تنتهي بنهاية يونيه المقبل باجراء الانتخابات الرئاسية التي لا يعرف أحد من سيفوز فيها لأنها الانتخابات الأولى في تاريخ مصر على الإطلاق التي تجري فيها انتخابات رئاسية حرة وشفافة وليس فيها مرشح موجود بالسلطة كما في الانتخابات الرئاسية الماضية أو كتلك التي كانت تجرى من قبل على شكل إستفتاء حول شخص واحد مفروض على الجميع لا فكاك منه ولا خلاص. على الجانب الآخر هناك من يرى أن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، وأن ما تحقق لا يكفي، وهذا حقهم فهم يرون ضرورة الإسراع بالمزيد من الانجازات في كافة المجالات ورأيي يتفق مع هؤلاء فيما يقولون لان الطريق مازال طويلا لتحقيق آمال الشعب المصري في إقامة دولة ديمقراطية حقيقية تضمن للمواطن حياة آدمية كريمة، وخدمات أساسية لأئقة من تعليم وصحة وإنتقالات غير أنه من الضروري التفرقة بين الرغبة في تحقيق المزيد من الإنجازت وبين إنكار كل ما حدث لأن الديمقراطية الكاملة لا تتحقق بلمسة زر وإنما تحتاج إلى سنوات من التراكم والخبرة وإصلاح الأخطاء، كما أن التقدم الإقتصادي والإجتماعي يحتاج إلى وقت أيضا خاصة بعدما حدث من تخبط وسلب ونهب لسنوات طويلة. المشكلة أن البعض يقع في خطيئة الديكتاتورية وهو لا يعلم حينما يطالب بتعليق المشانق بالحق والباطل دون تمييز، أو تلك الأصوات التي تطالب بعودة عصر التأميم والمصادرة معتقدين أن هذه هي الطريقة المثلى لإقامة العدالة الإجتماعية، ونسوا أن تلك الإجراءات ولى عهدها إلى غير رجعة في العالم كله وأن الدول التي تلجأ إلى مثل تلك الأساليب تفقد إحترام العالم لها، وتظل منبوذة وحيدة حتى تنهار كما حدث في زيمبابوي وغيرها من الدول المتخلفة. يحسب للقوات المسلحة المصرية أنها لم تلجأ إلى القوانين الإستثنائية إلا في أضيق الحدود كما في قانون الطوارىء وتطبيقه على البلطجية فقط، ولو أستمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الأصوات التي كانت تطالبه بالبقاء على الأقل عامين أو ثلاثة وإصدار القوانين الإستثنائية لأنهارت الثورة ووقعت في الفخ كما وقعت كل ثورات الخمسينيات والستينيات في العالم العربي، والغريب أن بعض هؤلاء الذين كانوا يدفعون المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى ذلك الفخ هم الذين أنقلبوا عليه الآن بعد إجراء الانتخابات وخسارتهم لها. أتمنى أن تمر إحتفالات الثورة بسلام وأن تكون احتفالا.. لا صداما لتنتقل الثورة من الميدان إلى البرلمان تمهيدا لإستكمال حلقات الإنتقال السلمي للسلطة سواء بإجراء إنتخابات الشورى ثم اعداد الدستور وأخيرا الانتخابات الرئاسية والرهان الآن على الشعب المصري لإستكمال مسيرته ونجاح ثورته، والأمر المؤكد أن النجاح مضمون رغم أنف الكارهين. نقلا عن جريدة الأهرام