' انه يوم حزين في تاريخ الديمقراطية في هذا البلد, إنه انقلاب' بهذه الكلمات لخص رئيس إحدي الهيئات المستقلة لمراقبة الانتخابات الوضع المتدهور في كينيا منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي. فالدولة التي طالما عرفت بأنها واحة سلام واستقرار في شرق إفريقيا تشهد الآن منذ إعلان فوز الرئيس' مواي كيباكي' بفترة رئاسة ثانية أسوأ أزماتها علي الإطلاق منذ حصولها علي استقلالها عن بريطانيا عام1963. وتعيش واقعا معقدا لا يستطيع أحد أن يتنبأ بالمدي الذي سيصل إليه خاصة بعد أن انتشرت الاحتجاجات وأعمال العنف والسلب في شتي أنحاء البلاد من معاقل المعارضة بغرب كينيا قرب الحدود مع أوغندا إلي أحياء نيروبي العشوائية وميناء مومباسا المطل علي المحيط الهندي. فقد تحول غضب مؤيدي زعيم المعارضة' رايلا أودينجا' بسبب عدم فوزه رغم ترجيح كفته منذ البداية لمواجهات عرقية بين أبناء قبيلة' لو' التي ينتمي لها وقبيلة' كيكو' التي ينتمي إليها الرئيس وهي المواجهات التي سقط فيها مئات الضحايا حتي الأن بسبب التضارب حول أحقية كل منهما بالمنصب. والاتهامات المتبادلة بين الجانبين حول مسئولية كل طرف عن تفجر العنف القبلي. ورغم خطورة هذه الاتهامات الا أنها لم تثن الرئيس كيباكي عن الإسراع بإجراء حفل تنصيبه داخل القصر الرئاسي والي توجيه رسالة للمواطنين يصف فيها الانتخابات بأنها كانت حرة وعادلة ويدعو فيها الجميع لرأب الصدع والمصا لحة وهي الرسالة التي لم تجد آذانا صاغية لدي أودينجا وأنصاره العازمين علي الاستمرار في الاحتجاج حتي النهاية. ليصبح التضارب والشعور بالإحباط هو المسيطر علي الجميع في مفارقة توضح التباين الشديد بين ما تشهده البلاد حاليا وما شهدته منذ خمس سنوات تقريبا عندما انتخب كيباكي كثالث رئيس للبلاد بعد الفوز الساحق الذي حققه حزبه وتمكن علي أثره من إنهاء حكم الرئيس دانيال أراب موي الذي استمر24 عاما. وقد بدا وقتها من مناخ التفاؤل الذي ساد والاستقبال الحافل للرئيس والوعود البراقة التي قطعها علي نفسه بالقضاء علي الفساد وإنعاش الاقتصاد وإقرار دستور جديد أن البلاد مقبلة علي مرحلة جديدة بعد أن ارتفعت توقعات المواطنين إلي حدها الأقصي وهو الوضع الذي لم يستمر طويلا. حيث بدا أن هذه الوعود ليست في سبيلها للتنفيذ بعد أن تسببت الانقسامات الداخلية بين حلفاء المعارضة السابقين والطموحات الشخصية للبعض الأخر في فشل التوصل لاتفاقية حول تقاسم السلطة الأمر الذي أدي في النهاية لأن تتحول فرحة المواطنين بالحلم المنتظر إلي كابوس يزداد قتامة خاصة بعد أن تولد لدي الغالبية قناعة بأنه عقب خمس سنوات من انتخابه لم يحقق كيباكي أيا من الوعود التي قطعها علي نفسه. ومن هنا كانت نتائج الاستفتاء الذي تم منذ سنتين تقريبا حول الدستور الجديد ورفض المواطنين له مؤشرا علي تراجع شعبيته حتي جاءت نتيجة هذه الانتخابات لتعمق من أبعاد الأزمة الحالية خاصة مع إضافة البعد العرقي لها. فقبيلة' لو' التي ينتمي إليها أودينجا تعاني منذ الاستقلال التهميش و هيمنة قبيلة كيباكي علي الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد. ومن ثم كانت هذه الانتخابات هي أفضل فرصهم وربما أخرها للحصول علي نصيبهم من السلطة. وربما كان ذلك سببا للشعور القوي بالغضب مما حدث. وحول هذا الوضع يشير بعض المراقبين إلي أنه مع الاعتراف بأن الرئيس فقد الكثير من التأييد الذي حظي به عند توليه فترة الرئاسة الأولي إلا أن الإنصاف يقتضي القول أنه سمح بوجود صحافة حرة واحترم نتيجة الاستفتاء الذي جري عام2005 رغم أنها جاءت ضد رغبته. ومن ثم كان لدي البعض أمل أنه سيحترم نتيجة هذه الانتخابات حتي لو لم تتفق مع طموحاته الأمر الذي لم يتحقق حيث اختار أن يتبع النموذج الافريقي المعروف في التمسك بالسلطة بدلا من أن يضرب مثلا ويصبح نموذجا يحتذي. وهو هنا لا يقامر باستقرار بلاده وانسجامها العرقي الهش فحسب ولكنه يضيف مأساة جديدة لقارة تعاني مآسي عديدة بعد أن أصبح واقع البلاد معلقا بإرادة خصمين يبدو اتفاقهما في الوقت الحالي مستحيلا.