فى لقاء يبدو مختلف شكلا وموضوعا بين الرئيس الفلسطينى محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت فى اريحا ، كثف الفلسطينيون والاسرائيليون خطواتهم نحو إعادة الحياة لعملية السلام . فمن حيث الشكل، فان اللقاء الثنائي تم عقده في اريحا، اي في اراضي السلطة الوطنية بعد ان عقدت اللقاءات السابقة في القدسالغربية، في بادرة تدلل على مبدأ التبادلية الذي بات يتمتع بها الجانبان باعتبار ان اريحا هي اول مدينة فلسطينية تسلمتها السلطة الفلسطينية وفقا لاتفاق غزة - أريحا المنبثق عن اتفاق أوسلو. وربما ينطوي ذلك على بدء ادراك الجانب الاسرائيلي ضرورة التعامل بندية وتكافؤ في المسائل السيادية والبروتوكولية، وهذا ايضا ينطوي على تغيير ايجابي قد يسهم في تحسين الاجواء ، وهي المرة الأولى التي يصل فيها رئيس حكومة اسرائيل الى أراضي السلطة الفلسطينية منذ 7 سنوات . اما من حيث المضمون فانه يأتى بعد ان تعهد رئيس الوزراء الاسرائيلي لوزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس خلال جولتها في المنطقة قبل اسبوع بانه على استعداد لمناقشة القضايا الاساسية الخاصة بالقضية الفلسطينية،وبعد أشهر من المعارضة وافق أولمرت على توسيع مجال المباحثات مع عباس كي تشمل قضايا جوهرية تعد أساسية لإنشاء الدولة وإنهاء الصراع. كما يأتى هذا اللقاء بعد ان دعا الرئيس جورج بوش الى عقد مؤتمر دولي في نيويورك سبتمبر القادم وهو المؤتمر الذي رحب به الجانب الفلسطيني والاطراف العربية والدولية بهدف اطلاق عملية السلام مجددا والتوصل الى حل للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي خاصة، والعربي - الاسرائيلي عموما. وضمن هذا الاطار، وعلى خلفية ردود الفعل الايجابية الفلسطينية والاسرائيلية والعربية والدولية ازاء فكرة عقد المؤتمر، فان اللقاء الذي عقد في اريحا يشكل خطوة مهمة باتجاه التمهيد لعقد المؤتمر الدولي خاصة على الصعيد السياسي. على جانب آخر جاء توقيت اللقاء وسط اجواء من انعدام الثقة والخوف من المستقبل الذي يحمل تغييرات جذرية في مسار عملية السلام بعد سيطرة حركة المقاومة الاسلامية حماس على قطاع غزة. ويرى المراقبون أن الجانبين (عباس واولمرت) لديهما الرغبة للمضي قدما ويتلمسان طريقهما لتحديد ما يمكن تحقيقه قبل انعقاد المؤتمر الدولي.
وبعيدا عن الدخول مجددا في دوامات المفاوضات الاجرائية او بدء المفاوضات من نقطة الصفر ركز الرئيس الفلسطينى محمود عباس على القضايا السياسية العامة حيث ان الامور اصبحت واضحة تماما، فالحديث يدور عن انهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل والتوصل الى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وبالتالي ارساء اسس سلام عادل وشامل في المنطقة. وفي الجلسة العامة قال أبو مازن إن وقتا طويلا ضاع في السنين الأخيرة بسبب غياب مفاوضات جدية بين الطرفين، تسببت في عناء شديد للشعبين، وخصوصا للشعب الفلسطيني، وأن الوقت قد حان لأن يعمل قادة البلدين على انهاء الصراع وتحقيق السلام ووقف المعاناة. وطلب أبو مازن من أولمرت أن يحدث انعطافا في التعامل مع المناطق الفلسطينية وازالة الحواجز العسكرية ووقف الاستيطان وسحب قواته من المدن الفلسطينية. وأفرد أبو مازن حيزا خاصا للأسرى، قائلا إن قيام أولمرت باطلاق سراح 250 أسيرا فلسطينيا في الشهر الماضي ترك أثرا ايجابيا كبيرا على الفلسطينيين، وان هناك حاجة ماسة لاطلاق سراح مجموعة أكبر.
من جانبه قال أولمرت انه جاء الى أريحا للتباحث مع أبو مازن في قضايا حاسمة تفرق بين البلدين، مشيرا الى ان انجازها سيؤدي الى اقامة الدولة الفلسطينية، مؤكدا انه بدأ في سلسلة اجراءات للتسهيل على حياة الفلسطينيين وانه سيواصل هذا النهج، ولكن بشكل تدريجي. ووعد بالبحث في طلبات أبو مازن بشكل ايجابي، بما في ذلك قضية الأسرى. وفي اللقاء الثنائي المغلق بين أولمرت وأبو مازن، تكلم الطرفان بتوسع وبمزيد من التفاصيل حول القضايا المختلفة ، وحاول أولمرت أن يعرف حقيقة موقف أبو مازن من موضوع الوساطات الجارية لاعادة الوحدة الفلسطينية . واكد أبو مازن على ان الوحدة هي هدف كل فلسطيني، ولكن لا يمكن العودة الى الصيغة السابقة من الحكم المزدوج إلا إذا تراجعت حماس بشكل واضح عن ماأسماه "انقلابها" في قطاع غزة وقبلت بصيغة برنامج السلام الفلسطيني. وتطرق الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي الى مؤتمر واشنطن وسبل انجاحه، بواسطة التوصل الى تفاهمات مسبقة . واتفق الجانبان ، على تكثيف اللقاءات بينهما في الأشهر الثلاثة المقبلة واستئناف المفاوضات الرسمية حول اقامة الدولة الفلسطينية . مصادر اسرائيلية وفلسطينية اكدت ان اللقاء جرى في اجواء ايجابية جدية وحققت تقدما في عدد من القضايا المهمة في مقدمتها اتخاذ اجراءات اسرائيلية عملية لتسهيل حياة المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وتقوية سلطة أبو مازن، مثل إطلاق سراح المزيد من الأسرى وإزالة عدد من الحواجز العسكرية وإزالة النقاط الاستيطانية "غير المشروعة" التي أقيمت من دون تصريح من الحكومة الاسرائيلية، والسماح لمزيد من التجار والعمال الفلسطينيين بالعبور الى اسرائيل لأغراض العمل واستئناف التنسيق والتعاون في المجالين الأمني والاقتصادي. وأكد رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات ان الاجتماع تعامل بالفعل مع قضايا "الوضع النهائي". وقال د.سلام فياض رئيس الوزراء ان عباس واولمرت ناقشا كيفية التوصل لاتفاق بشأن قيام دولة فلسطينية مستقلة في أسرع وقت ممكن.
جدير بالذكر ان هذا اللقاء هو الرابع بين عباس واولمرت منذ نهاية مارس الماضى ،واقتصرت المباحثات السابقة إلى حد كبير على المسائل المالية والأمنية، وظل أولمرت يرفض خلال لقاءاته السابقة مع عباس تناول المسائل الأساسية بشأن الدولة الفلسطينية المقبلة، مثل الحدود واللاجئين ووضع القدس، مشترطا مسبقا الحصول على ضمانات من الفلسطينيين عن وقف "العنف".
على جانب آخر اعتبر إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، أن لقاء عباس وأولمرت هو بمثابة إعادة إنتاج لمسار طويل لم يكن له أي نتيجة للشعب الفلسطيني وهو بمثابة تحصيل حاصل. ووصف رئيس الوزراء الفلسطيني المقال اجتماع أريحا بأنه "لعبة علاقات عامة لن تمنح الفلسطينيين شيئا".،مشيرا الى إن هذه اللقاءات تهدف -على حد قوله- الى تغطية السياسة الأميركية القاضية بتحشيد المنطقة العربية وتسكين الملف الفلسطيني وذلك لصالح شن حروب جديدة على دول إسلامية ودول أخرى في المنطقة. واعتبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة أنه لا ثمار سياسية من وراء هذه الاجتماعات وأن الخطوط الحمراء الإسرائيلية مازالت ماثلة.
ومما لا شك فيه ان التقدم في حل القضية الفلسطينية يشكل الاساس في حل الصراع العربي - الاسرائيلي ،الا انه من الضروري ان يلمس المواطن الفلسطيني نتائج محددة تنعكس ايجابيا على حياته اليومية مثل ازالة الحواجز ورفع مختلف اشكال الحصار واطلاق سراح الاسرى وغيره من القضايا. ولهذا نأمل ان يسفر اللقاء ايضا عن خطوات ملموسة بهذا الاتجاه تسهم ايضا في تحسين الاجواء وبناء الثقة المطلوبة لصنع السلام. 7/8/2007