تهتم الحكومة في الإمارات بمعالجة خلل التركيبة السكانية التي تنمو فيها أعداد العمالة الأجنبية بنسبة عالية تفوق80% من مجموع السكان, ولمواجهة تداعيات هذا الخلل وتأثيره السلبي علي المجتمع الإماراتي قرر مجلس الوزراء منح العمالة المخالفة مهلة مدتها ثلاثة أشهر تنتهي في الثاني من سبتمبر المقبل لتسوية أوضاعهم, أو للمغادرة قبل هذا التاريخ دون مساءلة, وذلك حتي تستقيم إقامة هؤلاء ومزاولة عملهم طبقا للنظم القانونية بالدولة. ويترقب حاليا نحو400 ألف عامل أجنبي تقريبا هذا التاريخ باهتمام لا يخلو من قلق يتعلق بمستقبل وجودهم هنا, ونظرا لأن العمالة المصرية تعد الأكبر عددا مقارنة بعمالة الدول العربية, فإن عدد العمال المخالفين منهم يقترب من8 آلاف عامل مصري, والتساؤل هو: كيف يتواءم هؤلاء مع ظروف العمل هنا؟ وما هي السبل المتاحة أمامهم لتعديل أوضاعهم؟ ومن منهم سيستمر في العمل؟ ومن سيعود؟ وهل تكفي المهلة لتوفيق أوضاع هؤلاء؟ وما هي التجارب والدروس التي يمكن أن يستعين بها الباحثون عن عمل في الإمارات؟. وطبقا لتقديرات الخبراء فإن العمالة المصرية تشكل الرقم الأكبر مقارنة بالعمالة العربية, ويقدر عددهم بنحو117 ألف عامل مصري مسجلين ويعملون في الإمارات, والمخالفون بينهم يتراوح عددهم ما بين6 و8 آلاف مخالف, بنسبة6% تقريبا من إجمالي العمالة المصرية في الإمارات, وهؤلاء هم المطالبون بتوفيق أوضاعهم والاستمرار في العمل بالإمارات, أو المغادرة طبقا للمهلة التي أصدرها مجلس الوزراء والتي منحت العمالة المخالفة الفرصة لتعديل أوضاعها بلا عقوبات أو غرامات. مساهمون في المخالفة: في استقراء سريع للعمالة المخالفة هناك عدة حقائق تفرض نفسها, وهي أن المخالف لقوانين الإقامة أو العمل لا يقدم علي المخالفة إلا بدعم من البعض داخل الدولة, وغالبا ما يقدم هذا البعض العون والمساعدة بدءا بتوفير فرصة عمل, أو السكن, وهؤلاء الذين يقدمون العون للمخالفين هم مساهمون في المخالفات لأنهم يستغلون حاجة هؤلاء إلي أي عمل وأي مكان يلجأون إليه, لأنهم لن يجدوا من يتيح لهم العمل. إن من يشجع أو يتستر علي المخالفين هم أيضا مخالفو الداخل, حيث يبخسون تلك العمالة أجرها وحقها في حياة كريمة, مستغلين ظروف هؤلاء ويسمحون لهم بالعمل مقابل أجر ومستحقات متدنية, وأحيانا دون إعطائها مستحقاتها لأنها مهددة في الأساس. إن هذا الواقع السلبي ينعكس بدوره علي تدني مستوي العمل وهبوط جودته, لأن غالبية المخالفين يسعون لمزاولة مهن لا يتقنونها, وبالتالي ينعكس علي مستوي سوق العمل في الدولة. أيضا هناك100 ألف شركة تشكل الباب الخلفي للعمالة المخالفة, تجني نحو10 آلاف درهم( ثلاثة آلاف وخمسمائة دولار) عن العامل الواحد, وتعلم أنهم مخالفون لكنها لا تهتم, بل ترحب بالعامل المخالف لأنه لن يحصل علي الأجر المناسب, كما أن هناك عروضا تقدمها بعض شركات الطيران تسهم في تفاقم أعداد المخالفين, حيث وصل سعر بطاقة السفر من مصر إلي الإمارات إلي نحو200 درهم( نحو300 جنيه). والتساؤل هو: لماذا تعد سوق الإمارات الأكثر جذبا للعمالة؟ يجيب المستشار العمالي في البعثة الدبلوماسية المصرية بأبوظبي المستشار محمد عطية, موضحا أن سوق العمل في الإمارات تتسم بالمرونة والحيوية التي يتمتع بها النشاط الاقتصادي المزدهر, فضلا عن تطبيق مفاهيم الأسواق المفتوحة التي تهتم بالتسويق والترويج, وتسمح بدخول المواطنين العرب بشروط هي الأيسر مقارنة بدول مجلس التعاون, بل مقارنة بجميع الدول العربية, وأيضا دول العالم. والالتزام بقوانين الإقامة والعمل ووضع ضوابط ليست موجهة للعامل المصري فقط, لأن تلك الإجراءات والضوابط يضعها المشرع في الإمارات لضبط سوق العمل في الدولة, نظرا لأن هناك عشرات الآلاف من عدد من الجنسيات مخالفون ويقيمون بصورة غير شرعية, مما ينعكس سلبا علي الجوانب الإنسانية لدي الدولة, وهو ما يوضحه السفير محمد سعد عبيد سفير مصر في الإمارات, ويؤكد أن من بين أسباب جاذبية سوق العمل الإماراتية إلي العامل المصري يرجع إلي العلاقات المتميزة علي المستوي الشعبي, وبالطبع علي مستوي المسئولين, ويوضح أن المسئولين في الإمارات يهتمون بشكل خاص بالعامل المصري والتحرك الفوري لبحث مشكلة أي عامل في الكثير من تجمعات العمالة المصرية, سواء في أبو ظبي أو في دبي أو بقية الإمارات الشمالية من رأس الخيمة, إلي الشارقة, إلي الفجيرة, إلي أم القوين. ضبط سوق العمل: ويشير السفير إلي أن العمالة المصرية تحظي بالتقدير والاحترام في كل الإمارات, ومشهود لها بالانضباط, وبدورها المتميز في تحقيق التنمية التي تشهدها الإمارات في جميع المجالات. ويضيف أن هناك اتفاقية لتنظيم العمالة بين مصر والإمارات, وهي علي الجانب الرسمي تتم طبقا لاتفاقيات تنظيم العمالة, وتسير وفق نظم مستقرة تضمن تدفق الخبراء والفنيين والمستشارين إلي مختلف القطاعات. ويضيف أن سوق العمل بعد انتهاء المهلة ستصبح محكومة بقواعد قانونية وتنظيمية, والخروج عن إطار القواعد سيترجم بغرامة لصاحب العمل, بالإضافة إلي أن الإمارات تلبي الاستحقاقات الدولية, مثل تطبيق مظلة التأمين الصحي علي العمال الأجانب, وغيرها من الضمانات الجديدة. وتتزايد أعداد الجالية المصرية في الإمارات, كما يشير السفير ابراهيم حافظ قنصل مصر العام, بدبيوالإمارات الشمالية, ويري أن الجالية في نمو مستمر نظرا للاهتمامات الثقافية المشتركة, والتشابه الكبير بين المصري والإماراتي في الكثير من العادات والسلوكيات والتقاليد العربية, بالإضافة إلي سهولة الحركة التي تسمح بها الدولة هنا, وهذا أدي بغالبية الباحثين عن فرص عمل من مصر أن يتجهوا إلي سوق الإمارات. ويشرح المستشار العمالي بأبوظبي حال العمالة المصرية هنا بأن غالبية المخالفات تتركز في عدم الالتزام بقوانين الإمارات التي تحظر علي كل من يدخل إليها بتأشيرة زيارة العمل, سواء بأجر أو حتي دون أجر, وأيضا هناك بعض المخالفين الذين دخلوا الإمارات بتأشيرات عمل صحيحة لكنهم انتقلوا إلي أعمال أخري دون الالتزام بالقواعد المنظمة لذلك. هل ستعود تلك الآلاف إلي مصر بعد انتهاء المهلة؟ أجاب المستشار محمد عطية: ليس بالضرورة أن يعود جميع هؤلاء, نظرا لأن بعضهم تمكن من توفيق وضعه, سواء بالاتفاق مع أصحاب العمل أو الحصول علي عقود عمل جديدة, أو اتفقوا مع بعض أصحاب الشركات علي السفر والعودة في إطار تعاقد للعمل, وتوقع أن يعود غالبية المخالفين من العمال المصريين إلي مصر, وقدر من سيتمكن من توفيق أوضاعه بنحو ألف عامل فقط. ويناشد المستشار العمالي المسئولين في الإمارات مد المهلة إلي3 أشهر أخري حتي يمكن للمخالفين توفيق أوضاعهم, نظرا لأن هناك مشكلات مازالت معلقة ترتبط بفقدان بعضهم جوازات سفرهم, وإجراءات استخراج وثائق سفر, المشكلات المالية والفنية. وحول موقف السفارة من هؤلاء قال المستشار العمالي: لدي توجيهات دائمة من وزيرة القوي العاملة والهجرة عائشة عبدالهادي برعاية العمالة المصرية وحل المشكلات التي تواجهها, وتمكينها من الحصول علي حقوقها كاملة, والجهود لا تتوقف في مقابلة هؤلاء المخالفين ومساعدتهم بكل السبل في كل الإمارات, ونقوم بأداء ما بين2 و3 زيارات للعمالة في دبيوالإمارات الشمالية, واستطعنا توفيق أوضاع العديد من هؤلاء, والمسألة تتوقف في المقام الأول علي أصحاب العمل هنا. إرشادات عمالية: وتشير إحصائية تقديرية أعدها المكتب العمالي بأبوظبي إلي أن فرص العمل التي أتيحت للعمالة المصرية في أربعة قطاعات تشكل أهم أضلاع سوق العمل في الإمارات, مثل قطاع البناء والتشييد(8000 فرصة عمل), يليه قطاع الحراسات وأعمال الأمن(2176), ثم قطاع السياحة(600), وتأتي المهن العليا والوظائف الإدارية لتشكل الضلع الرابع لتلك القطاعات(8469 فرصة عمل), ويوضح أن هذه الإحصائيات أعدت عام2006, ويشير إلي أن هناك زيادة حتي نهاية النصف الأول من العام الحالي2007 بلغت5% عن الفترة نفسها من العام الماضي. ويقترح فولي ربيع( سباك من المنيا) ويسعي إلي توفيق أوضاعه هنا, تبادل زيارات للمسئولين بين مصر والإمارات لنشر الوعي والتعريف بكل ما يحيط بسوق العمل بالإمارات حتي لا يفاجأ العامل بمفاجآت قاسية, وأضاف أن المسئولين عن البعثة هنا يقومون بدور رئيسي في إقناع أصحاب الشركات والمسئولين عن التعاقد. وحول كيفية الحد من العمالة المخالفة نبه المستشار العمالي بضرورة مساهمة كل أجهزة الدولة في محاربة بعض شركات إلحاق العمالة في مصر التي تبيع الوهم للشباب وتقوم بتسفيرهم للإمارات بتأشيرات زيارة وإقناعهم بسهولة تحويلها إلي تأشيرة عمل, ويفاجأ هؤلاء بصعوبة الحصول علي عمل, ويكتشف كل منهم بأن عليه أن يدفع مائة درهم عن كل يوم يتخلف فيه عن موعد سفره بعد انتهاء مدة الزيارة. ويتوجه المستشار العمالي المصري في الإمارات إلي المصريين الباحثين عن عمل في دولة الإمارات قائلا: لا تخرجوا من مصر قبل أن تحصلوا علي تأشيرة عمل وعقد عمل محدد الأجر, محدد الالتزامات, لأنه يحدث كثيرا ما توضح شركة إلحاق العمالة للشباب أن هذا الراتب الحالي هو راتب مؤقت, وأن هذا الراتب هو مسألة مؤقتة سيتغير قريبا جدا, وسيتضاعف هذا الراتب, وأقول لهم: هذه وعود لا تصدقوها. ويضيف المستشار العمالي: قابلني هناك عمال طلبوا إنهاء عقودهم والعودة إلي مصر بعد أسبوع واحد من وصولهم, وعندما سألت عن السبب فوجئت بالشكوي من ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة المرتفعة! وينبه إلي أن مستوي المعيشة في الإمارات مرتفع, هذا يعني أن علي كل من يحصل علي عقد أن يراجع الراتب المعروض عليه, وهل سيكفي احتياجاته, وهل يمكنه من الادخار أم لا, حتي لا يترك العمل ويبحث عن عمل براتب أكبر, وبالتالي يصبح مخالفا أيضا. ويؤكد ضرورة الاهتمام بإجادة اللغات خاصة اللغة الإنجليزية للعمالة المصرية المتخصصة, لأن أي موقع أو شركة أو حتي ورشة تعمل بها جنسيات متعددة, واللغة الإنجليزية هي القاسم المشترك بينها. أيضا يوصي بضرورة الاهتمام بإجادة الكمبيوتر, مؤكدا أن العمالة المصرية المزودة باللغة الإنجليزية والكمبيوتر تنافس باقتدار وكفاءة العمالة من جميع أنحاء العالم الموجودة في الإمارات, ويؤكد مجددا أنه أصبح من المستحيل علي من يأتي بتأشيرة زيارة العمل في الإمارات لأن القوانين التي صدرت أخيرا تفرض عقوبات تصل إلي السجن علي كل من يأوي أو يشغل العمالة المخالفة, ويشير إلي أننا نسعي بكل السبل الودية لدي أصحاب الأعمال هنا لضمان حصول العامل المصري المخالف علي حقوقه كاملة إذا ما كانت له حقوق, وإذا فشلت المساعي الودية ننصح العامل بالشكوي إلي وزارة العمل الإماراتية التي تستمع إليه وتحقق في شكواه وتمكنه من حقوقه, وفي بعض المشكلات يتم اللجوء للقضاء الإماراتي وأقوم بالمتابعة لحين حل المشكلة, وقد ساعدنا الكثيرين منهم في الوصول إلي مصالحات مرضية مع أصحاب الأعمال بما يمكنهم من الحصول علي حقوقهم والاستمرار في أعمالهم أو الانتقال إلي أعمال جديدة, أما الذين وصلوا إلي طريق مسدود فنساعدهم في إنهاء إجراءاتهم والحصول علي حقوقهم قبل مغادرة البلاد بتسويات تمكنهم من العودة ثانية للإمارات بتأثشرات للعمل.