مازالت منظمة المافيا الايطالية محل دراسة علماء وخبراء مكافحة الجريمة المنظمة ليس في ايطاليا فحسب بل في جميع انحاء العالم بعد ان تشعبت اكبر منظمة اجرامية منذ اكثر من قرن في جميع قطاعات الدول واجهزتها الامنية والاقتصادية والسياسية حتي اصبحت الآن تمثل خطرا كبيرا علي اقتصاد اوروبا. فقد كشفت اخر احصائية قامت بها جمعية التجارة الايطالية عن مدي النفوذ والقوة التي وصلت إليها المنظمة الاجرامية بعد ان اصبحت تسيطر علي عشرين بالمائة من اقتصاد القطاع الخاص الايطالي. ووصل حجم ايراداتها إلي اكثر من مائة وثلاثة وثلاثين مليار دولار سنويا، اي ما يعادل خمسة عشر بالمائة من الناتج القومي الاجمالي ويري خبراء مكافحة الجريمة ان ثروات المافيا تكفي لسداد الديون العامة لجميع بلدان اوروبا. حيث وصل حجم الاصول التي تملكها عصابات المافيا إلي حوالي 800 مليار دولار وعلي الرغم من ذلك لم تسفر جهود أجهزة الأمن إلا عن تجميد سبعة بالمائة من تلك الاصول ومصادرة ثلاثة بالمائة منها فقط. ويري رجال الاعمال الايطاليون أن انشطة تزوير العلامات التجارية المميزة التي تمثل الآن احد انشطة عصابات الكامورا 'مافيا نابولي' اصبحت تشكل جانبا كبيرا من الناتج الصناعي في ايطاليا، حيث اصبحت ايطاليا تحتل الآن المرتبة الخامسة بين اكثر دول العالم انتاجا للسلع ذات العلامات التجارية المزورة بعد تايوان وكوريا الجنوبية وتايلاند والصين. وتستثمر منظمة المافيا ارباح انشطتها في شراء العقارات والمستشفيات الخاصة ودور التقاعد ومتاجر السوبر ماركت والفنادق والمطاعم ويري سرجيو بيلي، رئيس جمعية التجارة الايطالية ان فشل الجهود الدولية في الحد من عمليات الجريمة المنظمة ساعد علي تضخم نفوذ وثروات عصابات المافيا. وتعمل المافيا الايطالية الآن في التجارة بالمخدرات والاسلحة والمتفجرات، وتكمن خطورتها في انها تسيطر علي جانب كبير من قطاع الصناعة الايطالية وحيث ان ايطاليا دولة مؤسسة للاتحاد الاوروبي الذي يبلغ مجموع ناتجه القومي 7 تريليونات دولار في السنة وتعتبر ثاني اكبر اقتصاد في العالم بعد الولاياتالمتحدة فإن المحققين لا يخفون قلقهم من حجم التهديد الذي تمثله المافيا الايطالية علي اقتصاد اوروبا. وقد تحولت المافيا علي مدار اكثر من مائة عام من حركة تحرير وطني إلي اكبر منظمة اجرامية عرفها العالم حتي الآن. وما يتردد الآن بان هناك 23 نائبا بالبرلمان الايطالي متهمين أو متورطين في قضايا فساد لها علاقة بعالم المافياامر مثير للدهشة، إلا انه امر يكاد يكون عاديا في ايطاليا التي مازالت بعض شوارعها حتي الآن خاضعة كليا لسيطرة المافيا، ولا تجرؤ قوات الشرطة المحلية علي دخولها فليس غريبا علي البعض اذا تبين ان المافيا كان اسمها يتردد قبل تأسيس الدولة الايطالية وقبل قيام الجنرال جالييد بتوحيد ايطاليا في القرن الثامن عشر. فقد ظهرت المافيا في عام 1282 بعد استيلاء الفرنسيين علي صقلية. وظهرت في بدايتها كحركة وطنية تسعي إلي مقاومة الغزاة الفرنسيين وحملت وقتها شعار 'الموت لفرنسا هو نداء ايطاليا' وقد تحول هذا الشعار في حروفه الاولي إلي اسم المافيا. وقد تحولت المافيا من حركة وطنية تهدف إلي طرد المحتل الفرنسي أو منع جمع الاموال من الفلاحين الفقراء، إلي دولة داخل الدولة تفرض الاتاوات وتقوم بالانشطة الاجرامية، وتزرع اعضاءها في مؤسسات الدول الحساسة. وبعد اقامة الوحدة الايطالية عام 1870 تحولت المافيا إلي منظمة سرية ركزت انشطتها في عملية التجارة الممنوعة وانتهزت فرصة ضعف الدولة والحكومات عن مواجهة مطالب المواطنين في توفير فرص العمل فقامت هي في ذلك الوقت بهذا الدور وانتشر صيتها في قدرتها علي حماية وتوفير فرص العمل لاهالي جزيرة صقلية. ثم عملت المافيا الايطالية في ذرع جذور لها في مختلف انحاء العالم حيث انتقل جزء منها إلي الولاياتالمتحدةالامريكية عام 1931 مع هجرة الايطاليين إلي امريكا هربا من ملاحقاتهم في بلدهم، كما توجد افرع للمافيا في غالبية البلدان الاوروبية ومن الروايات التي لا تنسي عن المافيا انها ساعدت علي إنزال القوات الامريكية في نهاية الحرب العالمية الثانية في جزيرة صقلية للاطاحة بنظام موسوليني، كما طلبت المافيا من السكان عدم التصدي للقوات الامريكية رغم اوامر موسوليني وكانت هذه هي بداية النفوذ الامريكي في اوروبا.