الأهرام 30/03/07 لاعجب أن تتصدر مسألة الأمن القومي العربي جدول أعمال القمة العربية في الرياض, فالتحديات الحالية تفوق بمراحل تحديات أية مرحلة زمنية أخري في تاريخ العرب الحديث والمعاصر, فهناك مخططات لشرذمة كياناته السياسية بإعادة تقطيع وترسيم حدوده في كيانات قزمية مشوهة, ومواصلة استنزاف موارده اقتصاديا, ومسخ ثقافته, وتقطيع أوصاله اجتماعيا, والترويج لنسيان وتهميش عروبته عقيدة وفكرا, حتي جاء الدستور الجديد لكل من السودان( يوليو2005), والعراق( أكتوبر2005) خاليا من النص علي دائرة الانتماء العربي, بينما جاءت تعديلات الدستور المصري هذا الأسبوع مؤكدة كلا من المواطنة من ناحية ومبدأ الانتماء العربي من ناحية أخري. ولايعني هذا أن مسألة الأمن القومي العربي تدرج في قمة الرياض للمرة الأولي في أجندة القمم العربية, لأن الأمن القومي العربي كان الدافع الرئيسي لتقنين وتدشين آلية القمة في أجندة الجامعة العربية وحدث هذا ابتداء من أول قمة عربية في إنشاص( مايو1946) لمواجهة خطر زحف الهجرة اليهودية إلي فلسطين, إلي أول قمة عربية دعا إليها الرئيس عبدالناصر في يناير1964 عندما شرعت اسرائيل في تحويل مياه نهر الأردن برمته مخالفة بذلك اتفاقات هدنة1949. وبعدها توالي انعقاد القمة العربية حتي انتظمت في آلية دورية منذ عام2000, ورغم بيانات القمم وقراراتها فإنها كانت تفتقر إلي مرجعية ملزمة للأمن القومي العربي, وكانت الدول العربية قد وقعت معاهدة للدفاع العربي المشترك عام1950, وكانت المعاهدة أول لبنة في بلورة مفهوم الأمن القومي العربي, إلا أنها ظلت حبرا علي ورق حتي جاء الغزو العراقي للكويت عام1990 ليثير من جديد أهمية استحداث وصياغة رؤية جديدة للأمن العربي. وهنا طرحت الجامعة العربية مبادرة جديدة للأمن القوي العربي في بداية التسعينيات, موضحة مفهوم الأمن بأنه قدرة الأمة العربية في الدفاع عن أمنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها علي أراضيها, وتنمية القدرات والامكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مستندة إلي القدرة العسكرية والدبلوماسية, وبهدف وضع استراتيجية قومية عربية إلي مواجهة جميع أشكال التهديد ضد أمن الأمة العربية وسلامتها وممارسة الأمة العربية دورا فاعلا علي الساحة الدولية وايجاد مجتمعات عربية قوية, ويمتلك الوطن العربي في هذا السياق مقومات وامكانيات وقدرات مختلفة يمكن أن يستند عليها تأسيس الاستراتيجية الأمنية العربية حسبما تشير إليه وثيقة مبادرة الجامعة العربية. ويرصد مشروع مبادرة الجامعة العربية التحديات الداخلية العربية مقررا انها تتمثل في عدة أمور منها الفجوة التكنولوجية بين العرب والعالم وتعثر التكامل الاقتصادي العربي ومشاكل الغذاء والمياه والبيئة واختلال التوازن العسكري بين الدول العربية ومصادر تهديد أمنها بفعل عوامل مختلفة, اضافة إلي عدم الاستجابة الثقافية للتحديات المطروحة, ويرصد كذلك تحديات اقليمية تتمثل في السياسات الاسرائيلية وامتلاك اسرائيل للأسلحة النووية.. إلخ. كما تطرح المبادرة التحديات الدولية المختلفة التي ترتبط بمحاولات الهيمنة والأطماع الخارجية واحتمالات التدخل في الشئون العربية وزرع الفرقة بين دول الجامعة... إلخ. *** هكذا رصدت مبادرة الجامعة العربية في أوائل التسعينيات مفهوم الأمن القومي العربي وتحدياته الداخلية والخارجية, وهي تحديات ظلت ماثلة حتي بداية الألفية الثالثة, مما دفع مصر في أغسطس2003 إلي إحياء صياغة مشروع أمن قومي عربي جديد, وقدمت هذا المشروع في إطار مبادرة لتطوير الجامعة العربية, حيث اقترحت المبادرة قيام مجلس أمن عربي أو منتدي للأمن القومي العربي أو الجمع بينهما في إطار صيغة تحظي بالموافقة العربية, علي أن توكل لمجلس الأمن العربي المهام الرئيسية في نظام الأمن العربي وبما يمكنه من سرعة التحرك والقدرة علي اتخاذ القرار الحاسم. أما منتدي الأمن القومي العربي فيتعامل كإطار مؤسسي علي القضايا الأمنية, ويشارك فيه ممثلو الدول من مسئولين دفاعيين وأمنيين وخبراء استراتيجيين, فضلا عن المتخصصين من الجامعات ومراكز البحوث, ويعقد المنتدي لقاءات وحوارات وليس اجتماعات يتم خلالها النقاش الحر والمفتوح دون مقود حول القضايا التي تحددها أمانته ويكون هذا مقدمة أو مرحلة تمهيدية لاقامة نظام أمني عربي جديد, وعلي أسس واقعية تحقق المصالح العربية وتدعم أمن كل دولة في إطار عربي عام. *** وبعد مرور نحو4 سنوات تجدد مصر مبادرتها بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية أمام قمةالرياض في وقت عصيب تعاظمت فيه التحديات الداخلية والخارجية, هذا فضلا عن الطرح المصري الكويتي المدعوم سعوديا لعقد قمة اقتصادية عربية لدفع خطوات التكامل والسوق العربية المشتركة.. هذا إلي جانب قيام مجلس الأمن والسلم العربي وانعقاد القمم التشاورية بين حين وآخر ودعم وحدة الصف الفلسطيني.. إلخ.. بهذا وغيره تصدر قرارات قمة الرياض, متوجة بمظلة مشروع الأمن القومي العربي, ونخطئ كثيرا لو اعتقدنا أن لحظة الميلاد سهلة بلا تحديات, يكفي الاشارة إلي تصريحات كوندوليزا رايس عشية انعقاد القمة, عندما طالبت الدول العربية بأن تمد أياديها بالسلام إلي اسرائيل, بينما لم تطالب رايس اسرائيل برفع أيديها عن زناد الرشاشات والصواريخ أو فتح أبواب السجون المليئة بالفلسطينيين أو التوقف عن تدنيس الحرم القدسي الشريف... عجبي!