عندما خرج محمد الدارسي من السجن في ليبيا العام الماضي بعد أن قضى فترة فيه بسبب نشاطاته الارهابية، كان لديه هدف واحد: قتل الأميركيين في العراق. ونظم ناشط تجنيد وجده على الانترنت اللقاء به على جسر في العاصمة السورية دمشق. ولكن عندما وصل الى هناك قال الدارسي (24 عاما) ان المجنِّد ابلغه بأنه لا حاجة اليه في العراق. وبدلا من ذلك دفع الى الحرب التي تندلع خارج العراق. وكان فريق من المقاتلين من العراق قد سافروا الى الأردن حيث كانوا يعدون لهجمات ضد الأميركيين واليهود وفقا لما قاله المجند للدارسي. فقد طلب من الدارسي ان ينضم اليهم ويفجر نفسه في حشد من السياح في مطار الملكة عالية بعمان. وفي اعتراف من تسع صفحات امام السلطات الأردنية بعد أن جرى احباط الخطة قال الدارسي «وافقت على ذلك». وبدأت الحرب العراقية، التي اجتذبت خلال سنوات مقاتلين متطرفين من مختلف انحاء العالم، بتصدير المقاتلين والتكتيكات التي استخدموها في التمرد الى الدول المجاورة وابعد منها، وفقا لمسؤولين حكوميين أميركيين وأوروبيين وشرق أوسطيين، ومقابلات اجريت مع زعماء متطرفين في لبنان والأردن ولندن. ويبدو ان بعض المقاتلين يغادرون كجزء من موجات اللاجئين العراقيين الذين يعبرون الحدود التي يعترف مسؤولون حكوميون بأنهم يصارعون من اجل السيطرة عليها. ولكن آخرين يرسلون من العراق لمهمات محددة. وفي خطة المطار الأردني قالت السلطات انها تعتقد ان صانع القنبلة طار من بغداد لإعداد المتفجرات للدارسي. ويعتبر تقدير عدد المقاتلين الذين يغادرون العراق صعبا كما هو شأن تقدير عدد المقاتلين الأجانب المشاركين في التمرد. ولكن العلامات المبكرة على الهجرة واضحة، ويقول مسؤولون في الولاياتالمتحدة والشرق الأوسط ان احتمال انتشار المحاربين في التمرد الى ما هو ابعد من العراق احتمال كبير. وقال الجنرال اشرف ريفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي في لبنان في مقابلة معه اجريت مؤخرا انه «اذا ما قال أي بلد انه يشعر بالأمان من هذا الوضع فإنهم يخفون رؤوسهم في الرمال». وفي الأسبوع الماضي وجد الجيش اللبناني نفسه في معركة حامية ضد جماعة «فتح الاسلام» المتطرفة، التي تضم ما يصل الى 50 مقاتلا من الحرب في العراق، وفقا لما قاله الجنرال ريفي. وقتل ما يزيد على 30 جنديا لبنانيا وهم يقاتلون الجماعة في مخيم للاجئين قرب طرابلس. وزعيم الجماعة هو شاكر العبسي، الذي كان مساعدا لأبي مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي قتل الصيف الماضي. وفي مقابلة مع «نيويورك تايمز» أوائل الشهر الحالي أكد العبسي تقارير تشير الى ان قوات الحكومة السورية قتلت صهره وهو يحاول العبور الى العراق للتعاون مع المتمردين. ويحذر زعماء المقاتلين من ان الوضع في لبنان مؤشر على انتشار المقاتلين. وهناك دلائل على ذلك الانتقال من والى العراق في أماكن اخرى. ففي المملكة العربية السعودية الشهر الماضي قال مسؤولون حكوميون انهم اعتقلوا 172 رجلا كانوا قد خططوا للهجوم على منشآت النفط والموظفين الحكوميين والمراكز العسكرية، وبدا أن بعض الرجال تدربوا في العراق. وقال مسؤولون في اوروبا في مقابلات اجريت معهم انهم يحاولون مراقبة أعداد صغيرة من الرجال المسلمين ممن عادوا الى بلدانهم بعد سفر لفترات قصيرة الى العراق، حيث من المحتمل ان يكونوا قد شاركوا في القتال الى جانب المتمردين. واتهم احدهم، وهو الهولندي العراقي المولد وسام الدليمي، من جانب مدعين اميركيين بالقيام برحلات متكررة الى العراق من هولندا لإعداد اشرطة فيديو توجيهية حول صناعة العبوات الناسفة على جوانب الطرق، وهي اتهامات ينفيها. وقد رحل الى الولاياتالمتحدة في يناير الماضي واتهم بالتآمر لقتل مواطنين أميركيين، وامتلاك أجهزة تدمير وتعليم آخرين صناعة أو استخدام المتفجرات. وفي تقرير كتب يوم 17 ابريل (نيسان) الماضي الى الحكومة الأميركية قال دينيس بلوتشينسكي، المحلل الاستخباراتي السابق في وزارة الخارجية، ان المقاتلين المتطرفين من العراق يشكلون خطرا للغرب اعظم من اولئك المتطرفين الذين تدربوا في أفغانستان لان العراق اصبح مختبرا لتكتيكات حرب العصابات في المدن. وقال بلوتشينسكي «توجد تماثلات عملياتية بين النشاط الارهابي المديني في العراق والبيئات المدينية في اوروبا والولاياتالمتحدة. وهناك مزيد من المهارات الارهابية ذات العراقة تنقل من العراق الى اوروبا أكثر مما من افغانستان الى اوروبا»، مشيرا الى استخدام البيوت الآمنة والاستطلاع وصناعة القنابل والمورتر. وقال مسؤول اميركي كبير يتابع الارهاب في العراق والمنطقة المجاورة، وقد تحدث مشترطا عدم الاشارة الى اسمه بسبب الطبيعة الحساسة للموضوع «هل اعتقد انه في المستقبل سيغذى الجهاد من ميدان القتال في العراق؟ أجل. أكثر من الميدان في أفغانستان». ويبث المقاتلون في العراق اشرطة فيديو توجيهية ورسائل اخبارية ألكترونية على الانترنت تقدم طائفة من التقنيات التي يستخدمونها من الشيفرات الإلكترونية الى تفجير القنابل واطلاق صواريخ أرض جو، وتوزع تلك الكراسات التوجيهية مجانا على الانترنت. وتظهر التكتيكات الشائعة في العراق في مناطق اخرى من العالم. ففي الصومال والجزائر، على سبيل المثال، ترافقت التفجيرات الانتحارية الأخيرة ببث اشرطة تصور المفجرين الانتحاريين، وهي ممارسة ارهابية يؤديها المتمردون في العراق. قد لا يكون غريبا أن يكون الأردن إحدى الدول الأولى التي تعاني من توسع الإرهاب إلى خارج العراق. فللبلدين حدود مشتركة والأردن حليف للولايات المتحدة. ويسود اعتقاد أن الزرقاوي الأردني الأصل وراء الهجوم الفاشل بالصواريخ ضد سفن البحرية الأميركية الراسية في ساحل الأردن عام 2005 والهجمات الانتحارية التي أعقبتها في ثلاثة فنادق بعمان والتي أدت إلى مقتل 60 شخصا. وفي الأسبوع الماضي كشف الرئيس بوش صدور أوامر من أسامة بن لادن عام 2005 للزرقاوي زعيم القاعدة السابق في العراق الذي قتل العام الماضي بصاروخ اميركي، كي يقوم بهجمات ارهابية ضد الولاياتالمتحدة وبلدان أخرى. وبغض النظر عن كون الخطة ضد مطار عمان التي كان مقررا تنفيذها العام الماضي ذات علاقة مع القاعدة أم لا فإن المتواطئين الذين أدينوا في عمان في أبريل الماضي قالوا للمحققين إن تنظيم بن لادن كان يشرف على العملية، على الرغم من ان المحققين لم يؤكدوا أي صلة حسب وثائق التحقيق التي تم الحصول عليها من قبل صحيفة نيويورك تايمز. لكن التحقيق وجد علاقة بين الأشخاص الذين خططوا للهجوم والمتطرفين الإسلاميين في العراق. وفي وثيقة قدمت لمحكمة أمنية سرية في الأردن تم توضيح الخطة عبرها إضافة إلى تحقيقات جرت مع مسؤولي استخبارات ومحامي المتهمين، وكلها تظهر السبب وراء قلق مسؤولي الاستخبارات حول تأثير ما يجري في العراق على الأردن. ويتضمن الفريق اللوجستي على منظم واحد للهجوم هو يوسف العبيدي الذي ظل يتحرك بحرية ما بين العراق وسورية والأردن حيث ينقل معه نقودا ومتفجرات للمتآمرين حسب وثائق المحكمة. وعبر حدودا وطنية لا يستطيعون السيطرة عليها على الرغم من أنه أدين غيابيا وما زال هاربا. ويتضمن الفريق اللوجستيكي على لاجئ واحد على الأقل من العراق وهو عسكري سابق ويبلغ من العمر 34 سنة واسمه محسن الويسي وهو من بين 1.5 إلى 2 مليون عراقي يعيشون حاليا في الأردن وسورية. أما العراقي صانع القنابل سعد فخري النعيمي، 40 سنة، فوصل بطائرة تجارية من بغداد لتهيئة حقيبة متفجرات انتحارية لدارسي باستخدام 8 أرطال من المتفجرات البلاستيكية مخفية في لعبة طفل. ووضعت خطة الهجوم في الزرقاء التي أصبحت أكثر فأكثر واقعة تحت نفوذ الإسلاميين المتطرفين. وحينما داهمت الشرطة في الزرقاء بيتا كان يقيم فيه عراقيان مشتركان في الخطة وجدت كومبيوترا و375 قرصا مضغوطا مملوءة بدعايات مضادة للشيعة. لكن حسب وكلاء النيابة الأردنيين كان العبيدي يريد التركيز على فنادق المنتجعات في الأردن بسبب «أن هذه الفنادق يرتادها أميركيون ويهود». ولهذا السبب اختار الإرهابيون حسبما ذكر وكلاء النيابة فندق الملكة عالية في عمان هدفا لهم. وخلال أحد اللقاءات قدم العبيدي لصانع القنابل النعيمي حقيبة رياضية تحتوي على متفجرات من نوع بي أي 4 أيه والتي يستخدمها المتمردون في العراق. وحسب سجلات المحكمة أخبر النعيمي أنه سيكسب 20 ألف دولار من شد القنبلة التي ستوضع في الحقيبة الرياضية. وكانا بحاجة إلى شخص يضع القنبلة في المطار وآخر مستعد للانتحار. وكان هذا السبب وراء العثور على محمد الدارسي الذي أطلق سراحه حديثا في ليبيا. في اعترافه قال الدارسي إنه سجن في ليبيا لمدة ست سنوات لتعاونه مع تنظيم اسلامي متطرف هناك وحينما خرج من السجن أراد أن يشارك في القتال. ووجد مجنِّدا مع تعليمات حركته عبر الرسائل الالكترونية. وقال الدارسي إنه سافر جوا إلى اسطنبول ثم سافر إلى دمشق. وحسب التعليمات ارتدى سروالا أسود وكنزة سوداء والتقى بمجنده على جسر بعد صلاة العشاء. وقال الدارسي: «قلت إنني أريد أن اشارك المجاهدين في العراق. لكنه قال إنه لن يرسلني إلى العراق وإنه سيضعني لتنفيذ عملية عسكرية داخل الأردن». وخلال الأيام القليلة اللاحقة قال الدارسي إن عينيه عصبتا ثم نقل إلى بيت آمن في سورية حيث بدأت تهيئته للعملية. ولزيادة عدد القتلى قيل له إن عليه أن يراقب الطائرات القادمة ثم يفجر قنبلته بعد أن ينضم إلى ركب من السياح عند ركوبهم حافلة خارج المحطة. وفي شهادته قال الدارسي إنه أخبر بوجود أزرار في حقيبته «وعند الضغط على الأزرار سيحدث الانفجار». وحصل المسؤولون في قسم المخابرات العامة بالأردن على معلومات عمومية حول الهجوم المخطط له من مصادر في سورية. لكن التحقيق كان معقدا بسبب أن المتآمرين يتحركون ما بين الأردن وسورية اللذين تربطهما علاقة متوترة. وظل المسؤولون الأميركيون يتهمون السوريين بعدم المبالاة لاستخدام المتطرفين الإسلاميين إلى بلدهم كمعبر إلى العراق.