حظي توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق، بفضل دعمه العاطفي والصريح لقرار الرئيس الأميركي جورج بوش بغزو العراق واحتلاله، بامتنان كبير من مؤيدي الحرب الأميركيين، وأثار استنكارات مدوية من منتقديه البريطانيين. وقد برهن بلير على أنه حليف بوش الذي لا غنى له عنه. ويتساءل مؤيدو سياسة بوش وخصومها الآن عما إذا غوردون براون، رئيس الوزراء البريطاني الجديد، سيبدأ من حيث انتهى بلير، أم أن رغبة ما في النأي بنفسه عن بوش ربما تنهي «العلاقات الخاصة» التي تربط البلدين. وحقيقة أن براون منجذب إلى روح المغامرة في ميدان الأعمال والجد الأميركيين، وأنه يحب قضاء عطلته في كيب كود بالولاياتالمتحدة، تم توثيقها جيداً. ولكن من غير المحتمل أن يقوم براون بدور بلير كشريك بوش الذي يعتمد عليه دائماً، والسبب لا تربطه إلا صلة محدودة على نحو ملحوظ بالرئيس الأميركي أو الانتقاد الذي عانى منه بلير من جراء ارتباطه الوثيق به. والأهم من ذلك هو أن بلير كان أكثر اهتماماً مما يبدو عليه براون بترك بصمته كرجل دولة على المستوى الدولي. ونجاحات السياسة الخارجية المبكرة في يوغسلافيا السابقة وايرلندا الشمالية فتحت شهية بلير لدور أكبر لبريطانيا (ولنفسه) على الساحة العالمية. وقد أدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى أن يهرع بلير للوقوف إلى جانب بوش فيما أعلن الرئيس الأميركي حربه العالمية على الإرهاب. ومع إبراز بلير صورته الدولية بصورة منتظمة، فإن براون، العضو الأكثر بروزاً في حكومته، قاوم أي حافز ربما كان يشعر به للتعليق على السياسة الخارجية على نطاق واسع. وذلك أمر لا يدعو إلى الدهشة في ضوء أن براون عمل وزيراً للمالية، ولكنه لم يعط أي إشارة إلى أنه باعتباره رئيساً للوزراء يعتزم التركيز على سياسة خارجية ناشطة، وتعهد علناً بمنح البرلمان فرصة أكبر لإبداء رأيه في القرارات المتعلقة بإرسال القوات البريطانية إلى الحرب. و يعتزم براون بدلاً من ذلك تكريس معظم وقته الشخصي واهتمامه للتحديات المحلية البريطانية، وعهد بمعظم مهام السياسة الخارجية إلى وزرائه. في هذه العملية، فوض عدة مسؤولين ممن أثار الصراع عدة مرات في واشنطن. ومن المحتمل أن يسحب ديفيد ميليباند وزير الخارجية الذي تم تعيينه حديثاً، بريطانيا بعيداً عن الدعم الوثيق للسياسة الخارجية الأميركية فيما يتعلق بعدد من القضايا الرئيسية، وخصوصاً إدارة الصراعات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد قام مارك مالوك براون وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، الذي تتضمن حقيبته آسيا، وإفريقيا والأمم المتحدة، بإثارة عداء البعض في إدارة بوش العام الماضي بانتقاد عام حاد للحرب في العراق. وقد أجبر تعليقه خلال مقابلة أجريت معه مؤخراً والقائل إن بريطانيا وأميركا لن تعودا (مرتبطتين ارتباطاً وثيقاً) فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أجبر مليباند على أن ينكر علناً أي فتور في العلاقات بين الحكومتين. ولكن براون لم يعط هؤلاء الرجال حقائبهم ليشيروا إلى بعض الاغتراب عن واشنطن. فهو قد فوض مسؤوليات السياسة الخارجية إلى رجال يثق بهم، ليركز اهتمامه الشخصي على القضايا الأقرب إلى الداخل. ومع ذلك، هناك مجالات عديدة ستصبح في إطارها العلاقات البريطانية الأميركية في ديناميكية جديدة أكثر وضوحاً. أولاً، الهوة بين أميركا وبريطانيا فيما يتعلق بتغير المناخ ستتسع بالتأكيد. استخدم ميليباند، باعتباره وزيراً للبيئة في حكومة بلير، خطاباً في واشنطن مؤخراً ليشير بلباقة إلى أن قبول بوش الحاجة إلى وضع أهداف لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لم يذهب بعيداً بما يكفي لمواجهة تهديد التغير المناخي. ويمكن للبيت الأبيض في ظل رئاسة بوش أن يتوقع المزيد من مثل هذا الضغط، أياً كان مدى الحذر في التعبير عنه. ثانياً، فإنه من غير المحتمل أن يشجع براون على دخول تركيا الاتحاد الأوروبي، وهي سياسة يحبذها البيت الأبيض، بقوة سلفه الكبيرة. فقد كان بلير مؤيداً مخلصاً لانضمام تركيا ويرجع ذلك في جانب كبير منه لأنه كان ينظر إلى التبني الأوروبي لتركيا ديمقراطية حرة على أنه حصن ضد التشدد وعلى أنه زيادة للنفوذ البريطاني في الشرق الأوسط. ربما يوافق براون على هذا، ولكنه من غير المحتمل أن يسمح لهذا التفضيل بإيجاد توترات مع نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي الجديد، والخصم العنيد لمحاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فإقرار علاقات أفضل مع فرنسا هو الأولوية القصوى. ثالثاً، يحرص رئيس وزراء بريطانيا الجديد على الترويج للندن باعتبارها مركزاً عالمياً لأنشطة الأعمال، وهي دفعة للندن إلى الأمام تهدد بأن تكون على حساب نيويورك. ومن المؤكد أن المنافسة بين المدينتين على اجتذاب قواعد للتمويل والاستثمار سوف تحتدم. والخطوط العريضة لسياسة براون الجديدة تظل بعيدة عن الوضوح. وفي إطار حكومة بلير فإنه لم يقل إلا القليل للغاية حول أبرز قضايا السياسة الخارجية، ولم يقل شيئاً بالفعل عن الصين أو صراعات الشرق الأوسط المختلفة، وهو معروف في الدوائر السياسية بأنه «من القائلين بالحتمية الاقتصادية»، وبأنه ممن يؤمنون بالالتزام بالتعليم الشامل والرعاية الصحية الأفضل وتوفير المزيد من فرص العمل، باعتبار أن ذلك يشكل الدفاعات الأفضل في مواجهة الصراعات المستقبلية. وفي السنوات العشر التي أمضاها وزيراً للمالية في حكومة بلير، أشرف على زيادة تبلغ نسبتها 140% في المساعدة الخارجية. ولكن باعتباره رئيساً للوزراء فإنه سيتعين عليه تعلم إدارة مصالح بريطانيا الدفاعية في الصراعات الراهنة والصراعات التي قد تنشب خلال مدة حكمه. ودور بريطانيا في العراق لا يحتمل أن يتغير كثيرا، ولم يشر براون إلى أنه سيبتعد عن خطة بلير وسينسحب على مهل وبعناية من العراق، وبحلول نهاية العام الحالي ينبغي أن يكون في العراق ما لا يزيد على خمسة آلاف جندي بريطاني على أية حال. لكن موقفه حيال الضربات العسكرية الأميركية المحتمل توجيهها إلى مواقع إيران النووية يعد أقل وضوحاً. وفي إطار حرصه على الحفاظ على العلاقات مع واشنطن ربما يعلق الآمال على أنه لن يتم إجباره أبداً على تقديم رأي محدد فيما يتعلق بهذه الضربات. قد تجبره الأحداث على ذلك. وستواصل حكومة براون الحديث عن العلاقات مع أميركا باعتبارها شديدة الأهمية لمصالح بريطانيا، وستسود الابتسامات واللقاءات بين براون وبوش. ولكن أياً كان الدفء الذي سيستشعره غوردون براون تجاه أميركا، فإنه سيكون أقل صراحة من سلفه في التعبير عنه من خلال الدعم العلني القوي للسياسية الخارجية الأميركية، فهو ليس مهتماً كثيراً بالمخاطرة برئاسته للوزراء في غمار التأثير في سياسات الصين أو إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وسيركز طاقاته بدلاً من ذلك على تحسين نظم الرعاية الصحية والتعليم في بريطانيا. وهذا الخيار السياسي، وهو ليس رغبة شخصية في إبعاد حكومته عن إدارة بوش، هو الذي سيجعل علاقات بريطانيا مع الولاياتالمتحدة أقل «خصوصية» بقليل.