دخلت بريطانيا منذ أمس في عهد غوردون براون، الذي تولى رسميا رئاسة الحكومة من سلفه توني بلير، بعد عشر سنوات قضاها في ظل رئيس الوزراء السابق، متعهدا بحقبة جديدة من «التغيير». وقدم بلير رسميا استقالته أمس للملكة اليزابيث الثانية في قصر باكنغهام، وخرج من القصر ليعود مواطنا عاديا مع زوجته شيري، بعد حوالي 25 دقيقة من مقابلته للملكة. ولكن بعد ساعات من استقالته، تم تعيينه مبعوثا خاصا للجنة الرباعية الدولية للشرق الاوسط، فقام بتقديم استقالة أخرى من عضويته في البرلمان للتفرغ للمهمة الجديدة. وإثر مغادرة بلير لقصر باكنغهام، وصل وزير المالية البريطاني غوردون براون، حيث التقى الملكة اليزابيث الثانية، التي كلفته بتشكيل حكومة جديدة. وفي اول تصريح له شدد براون على تصميمه على ترك بصماته الخاصة في السلطة، وتعهد بترؤس «حكومة جديدة مع اولويات جديدة». وقال انه يريد «بناء الثقة» في الحكومة، رافضا «السياسات القديمة»، فيما ابدى تصميمه على أخذ مسافة من سنوات حكم بلير. وصرح امام مكتبه في داوننغ ستريت، «فلندع عمل التغيير يبدأ الان». وظهر بلير أمس للمرة الاخيرة في مجلس العموم، قبل توجهه الى قصر باكنغهام لتقديم استقالته للملكة، حيث وجه النواب تحية اخيرة له ووقفوا وصفقوا له. وخلال جلسة المساءلة الاخيرة في مجلس العموم تطرق بلير الذي بدا عليه التأثر، الى الوضع في الشرق الاوسط، وقال ان «الاولوية المطلقة تكمن في محاولة تطبيق ما يشكل الان توافقا لدى المجموعة الدولية، على ان الطريقة الوحيدة لإحلال الاستقرار والسلام في الشرق الاوسط، هي حل يقوم على اساس دولتين لاسرائيل والاراضي الفلسطينية. كما دافع حتى النهاية عن قراره ارسال قوات بريطانية الى العراق، لكنه عبر عن أسفه للمخاطر التي يواجهها الجنود في العراق وافغانستان. ورفض الانتقادات القائلة بأن القوات البريطانية تقاتل من اجل لا شيء. وقال «اؤمن بانهم يقاتلون من اجل أمن هذا البلد والعالم ضد اشخاص يريدون تدمير طريقة عيشنا». وتابع «لكن ايا تكن الطريقة التي ينظر فيها الناس الى قراري، اعتقد انه لا يوجد سوى طريقة واحدة للنظر اليهم، انهم الاكثر شجاعة والافضل». واضاف «اني لم التق مطلقا اناسا يبذلون هذا القدر من التفاني وهذه الشجاعة وهذا العزم». وقد رفض بلير على الدوام تقديم اعتذاراته لادخال بلاده في الحرب في العراق ولدعمه السياسة الاميركية في هذا البلد. علما بأن شعبيته تأثرت كثيرا بهذا الموقف. واكد بلير مجددا ان القوات البريطانية لن تنسحب من العراق الا في الوقت المناسب، واوضح ان خفض عديد الجنود البريطانيين المنتشرين في المكان سيتواصل في الاسابيع المقبلة. وفي نيويورك اعلنت ميشيل مونتا المتحدثة باسم الاممالمتحدة ان رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عين مبعوثا للجنة الرباعية الدولية الى الشرق الاوسط. واوضحت المتحدثة ان بلير «اظهر منذ زمن بعيد التزامه» تجاه القضية الفلسطينية. وبوصفه مبعوثا «سيحشد الدعم الدولي للفلسطينيين، من خلال العمل بشكل وثيق مع الدول المانحة واجهزة التنسيق القائمة». وسجل براون اولى نقاطه السياسية، حين انشق عضو برلماني من حزب المحافظين المعارض لينضم الى الحزب. واشارت تقارير ايضا الى ان حزب العمال الغارق في الديون، تلقى هبات مالية كبرى. وتولى بلير رئاسة الوزراء في 1997 بعد 18 عاما من حكم المحافظين، بعدما فاز حزب العمال بأكبر غالبية برلمانية خلال نصف قرن، مع تأييد شعبي للتغيير. لكن شعبيته تراجعت الى حد كبير، خصوصا بسبب قراره الانضمام الى التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة لاجتياح العراق في 2003 ودعمه ل«الحرب على الارهاب». وبدأ غوردون براون الاستعداد لاختيار الشخصيات التي ستتولى المناصب الوزارية الرئيسية في الحكومة، ويتوقع ان يعيد براون تشكيل الحكومة اليوم، كما يتوقع ان يعين مناصريه المخلصين في المناصب الرئيسية. الا ان اعلانه الاحد تعيين منسق للانتخابات العامة اطلق التكهنات بشأن احتمال عزمه اجراء انتخابات في وقت مبكر اسرع مما كان متوقعا. ويتوقع ان يسعى الى الحصول على تأييد احزاب اخرى بشأن قضايا تشمل البيئة واصلاح العمليات البرلمانية، لكي تسمح للحكومة باعلان الحرب. وسيتعين على براون ان يعمل على تصوير نفسه على انه شخص متفائل لديه القدرة على ان ينصت وان يتعلم من اخطاء بلير. واجرى عدد من زعماء العالم اتصالات مع براون للتهنئة، من بينهم الرئيس الاميركي جورج بوش، الذي اكد رغبة البيت الابيض للتعاون القوي بين البلدين. وذكر المتحدث باسم البيت الابيض غوردن جوندرو ان «الرئيس بوش اتصل برئيس الوزراء براون لتهنئته على توليه منصب رئيس الوزراء». وقال ان «الرئيس اعرب عن سروره بفكرة التعاون الوثيق معه». واضاف المتحدث «اكد المسؤولان مجددا العلاقة الوثيقة بين الولاياتالمتحدة وبريطانيا، واتفقا على مواصلة تعاون قوي». من ناحية اخرى، قدمت عائلات جنود بريطانيين قتلوا في العراق أمس الى مقر توني بلير لتوديعه على طريقتهم ومحاسبته على سياسته في العراق. وقالت دونا ماهوني، وهي ترفع صورة زوجها بيتر، الذي قتل في 2004 «اريد فقط التأكد من انه راحل. اعتقد انه يتعين علينا غلق هذا الفصل ورؤيته يغادر بشحمه ولحمه». وتحملت ماهوني (44 عاما) عناء السفر طوال الليل بحافلة من كارليسلي في شمال بريطانيا الى لندن، من اجل ان تفتح زجاجة شمبانيا لدى مغادرة بلير مقره في داوننغ ستريت لتقديم استقالته الى الملكة. واضافت «آمل في ان يكون غوردن براون (خليفة بلير) اقوى، وألا يترك (الرئيس الاميركي جورج) بوش يملي عليه كل شيء». وغير بعيد عنها تجمعت مجموعة من النساء من أسر فقدت ابنا او زوجا في العراق، وقمن بمظاهرة صاخبة وتحدين بلير ان يأتي لمناقشة النزاع في العراق معهن. وقالت احدى السيدات مخاطبة بلير، قبل ان تأتي الشرطة لدعوتهن للتفرق، «لا يمكنك حتى الخروج (لملاقاتنا) فكيف أمكنك ادارة بلد». وقالت متظاهرة اخرى «طلب منا المغادرة لان بلير لا يملك بالتأكيد الشجاعة لاقامة ديمقراطية في بلده». وقتل 152 جنديا بريطانيا في العراق منذ غزوه في مارس (اذار) 2003. وينتشر 7100 جندي بريطاني في العراق، خصوصا في البصرة ثاني اكبر المدن العراقية، التي تبعد 550 كلم جنوب بغداد. ومن المقرر ان يتم تقليص عددهم الى 1600 جندي بحلول نهاية العام الحالي.