قبل أسبوع استيقظ المصريون على حادث أثيم وأليم بعد أن استهدف إرهابيون مجرمون، لا دين لهم ولا ضمير ولا أخلاق، عدداً من المواقع والمعسكرات والمقرات الأمنية في شمال سيناء، هادفين منها أن ينهوا حضور الدولة هناك، ليرفعوا علم "داعش" معلنين انضمام سيناء بالفعل إلى دولة "داعش" الإرهابية، ولكن لم يصلوا إلى ما أرادوا، ولن يصلوا، وإن كان الثمن مكلفاً والمصاب عظيماً. في كل الأحوال، يجب ألا يدفعنا الغرق في تفاصيل هذا الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته ما يربو على أربعين من الجيش والشرطة والمدنيين، إلى تجاهل عدة أمور يجب أن نمعن النظر فيها، بغية الفهم الدقيق لهذا الحادث البشع وغيره. ويمكن توضيح هذه الأمور على النحو التالي: 1- تقوم جميع النظريات العسكرية والتقنيات الحربية على ضرورة حماية الفرد المقاتل، ولذا فإن مقاتلي العدو سيكونون أيضاً حريصين على أرواحهم أثناء الاشتباك، ولكن يرتبك كل شيء، وتتبدد النظريات والتقنيات، حين يكون العدو راغباً في الانتحار، أو يوظفه كعملية قتالية لا يعرف ولا يجيد غيرها. 2- لا يمكن للجيوش النظامية أن تحقق انتصاراً واضحاً على من يشنون ضدها "حرب عصابات" أو "عمليات إرهابية"، فمفهوم النصر هنا قد يبدو هلامياً ومشوشاً، على العكس من القتال ضد جيش نظامي معادٍ، فإن استسلم هذا الجيش أو أعلن هزيمته أو ترك الأرض وهرب، وقتها يمكن بكل ثقة الحديث عن الانتصار العسكري. أما بالنسبة للإرهابيين فقتالهم أشبه بمواجهة أشباح، يكرون ويفرون، لا يدافعون عن أرض، ولا أي شيء عليها، حتى يمكن أن تكون مواجهتهم محددة المعالم. وبالتالي يمكن للجيوش النظامية أن تشكل مجموعات مقاتلة مدربة تطارد عصابات الإرهابيين، وتقاتلهم بالطريقة التي يسلكونها هم، بدلًا من استخدام طاقة وقدرات الجيش النظامي التي يمكن أن تكون لها أعراض جانبية بالغة التأثير على السكان المدنيين. 3- لا توجد دولة في العالم استهدفها الإرهاب بكثافة وإصرار واستطاعت أن تبرأ منه سريعاً، أو تعلن أنها قد وصلت معه إلى درجة الصفر، أي أنها قد وفرت كل العوامل التي تجعلها تتفادي أو تتجنب أي عملية إرهابية في المستقبل، محدودة كانت أو واسعة. ولكن يمكن شن ضربات استباقية ناجحة ضد الإرهابيين بعد جمع معلومات كافية عن عددهم وأماكن تواجدهم وتحركاتهم وأهدافهم والتدريبات التي يتلقونها ومن يقف وراءهم، وبناء تصور يقوم على جمع كل التكتيكات المحتملة التي سينفذها الإرهابيون في المستقبل عبر استخدام نظرية المباريات والمحاكاة ومعرفة معلومات كافية عن العمليات التي قام بها الإرهابيون في بلدان أخرى. 4- يمكن التغلب على الإرهابيين بشكل ملموس ولافت حال قيام البيئة الاجتماعية التي يتواجدون فيها باستهجانهم ولفظهم ومساعدة القوات النظامية للدولة، جيش وشرطة، على تعقبهم، بإمدادها بالمعلومات اللازمة عن كل ما يتعلق بالتنظيمات الإرهابية. وحتى يتم هذا يجب تفادي أن يكون للحملة ضد الإرهاب تأثير سلبي على السكان المدنيين. 5- الإرهاب صار ظاهرة "متعولمة" و"عابرة للحدود" ولذا تحتاج أي دولة تواجه الإرهابيين إلى بناء أنماط متينة من التنسيق الإقليمي والدولي، ابتداءً من تبادل المعلومات، وصولًا إلى المواجهة على الأرض. 6- من الضروري ألا يقف الشعب على الحياد في هذه المعركة، فدوره أصيل وحاسم، وحتى يتم هذا بشكل دائم وعميق لابد للسلطة الحاكمة من أن تفعل دوماً ما يرضي الناس عنها، فالناس هم الأساس. 7- على رغم الثمن الفادح الذي يدفعه الجيش والشرطة في سيناء بين حين وآخر فإن الإرهابيين لم يحققوا هدفهم الأصلي والمعلن، وهو إنهاء وجود الدولة في سيناء، رمزاً ومؤسسات وقوانين وشبكات اجتماعية وحضوراً ثقافياً، لإعلانها ولاية ضمن "خلافة داعش" الإرهابية. وفي يقيني فإن مصر، شعباً وجيشاً، لديها استعداد لتدفع أثماناً أكثر، في سبيل الحفاظ على سيناء، التي سبق أن خاضت من أجلها حروباً حتى تبقى جزءاً عزيزاً من الوطن. وليس لديّ أدنى شك في أن مصر ستنتصر على الإرهاب في موجته الخامسة التي نعيشها مثلما سبق أن انتصرت في الموجات الأربع السابقة، التي ضربتها منذ الأربعينيات وحتى الآن. نقلا عن جريدة الإتحاد الإماراتية