بعد قرابة ثلاثة عقود من التوتر بينهما وفي ظل إدراك الطرفين لعواقب أي تدخل عسكري, تعيش الولاياتالمتحدةوايران اليوم مواجهة من نوع آخر, حيث يشهد العالم اليوم أجواء حرب باردة جديدة, حرب بين أمريكا وايران تجري احداثها في منطقة الشرق الأوسط وتعد أبرز ثمار الغزو الأمريكي للعراق, فإدارة بوش تسعي الي تقسيم المنطقة الي معسكرين, معسكر معاد لايران ومدعوم من أمريكا والعكس بالعكس. والواقع ان امريكا لا تتحرك وحدها في هذه الحرب وانما تلعب معها إيران نفس اللعبة, فأمام كل تحرك أمريكي هناك تحرك ايراني مواز له. وكان آخر دلائل هذه الحرب صفقة الاسلحة التي تبلغ قيمتها63 مليار دولار واعلنت امريكا عن عزمها بيعها للدول الحليفة في المنطقة. وترجع بدايات الحرب الباردة الجديدة الي عام2001 حين قررت ادارة بوش اسقاط الانظمة التي وصفتها بأنها محور الشر وكان أول أهدافها أفغانستان والعراق, وكلاهما عدو لايران. وكان هذا خطأ فادحا فلقد أكدت دراسة أعدها المعهد الملكي للشئون الدولية أن ايران كانت الفائز الأكبر من هذه الحرب حيث خلصها الجيش الأمريكي من نظام طالبان وحكومة صدام المعاديين فأصبحت المنافس الرئيسي لأمريكا في المنطقة. وهكذا أصبح الشرق الأوسط مركزا لثاني حرب باردة يشهدها التاريخ, هي في ظاهرها حرب طائفية بين الشيعة والسنة ولكن حقيقتها صراع مسكوت عنه بين امريكا وايران فقد أكدت دراسة اعدتها معهد بروكنجز الأمريكي ان إيران نجحت في مد نفوذها من العراق الي لبنان مرورا بسوريا. وأوضحت ان القتال الطائفي في العراق أوجد معسكرين يتنازعان السلطة في الشرق الأوسط وكلاهما يحمل رؤية مختلفة للمنطقة. المعسكر الأول شيعي بقيادة ايران ويسعي لتحويل المنطقة الي جبهة مقاومة ضد إسرائيل وأمريكا, والثاني سني بقيادة عدد من الدول العربية الحليفة لأمريكا التي ترفض ان يمتد نفوذ إيران خارج منطقة الخليج, لتصبح وسيطا في قضايا مثل العراق وفلسطين ولبنان. وهكذا بدأت ادارة بوش في تطبيق تكتيكات الحرب الباردة, ففي بادرة غير مسبوقة قام وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان بجولة في الشرق الأوسط والهدف من زيارة رايس وجيتس معا ابلاغ زعماء المنطقة رسالة محددة هي ادعموا العراق كحزام ضد ايران أو واجهوا العيش تحت ظل النفوذ الايراني اضافة الي بحث اجراءات صفقة السلاح التي يرجح الهدف منها إضافة إلي تعويض الخسائر المالية الأمريكية في غزو العراق, ارغام ايران علي الدخول في سباق التسلح لضمان تفوقها النوعي علي دول المنطقة, مما يعني إجبارها علي زيادة الانفاق علي برامج التسلح لديها وهذا من شأنه ان يزيد من الازمة المالية التي تشكو منها طهران هذه الأيام. تزامن هذا الضغط مع التحرك الدبلوماسي لفرض عقوبات اقتصادية علي ايران. اضافة الي ذلك ارسلت أمريكا خلال الأشهر ال18 السابقة مجموعة ثانية من السفن الحربية الي المنطقة المواجهة للساحل الايراني. في الوقت نفسه خصصت واشنطن75 مليون دولار للعام الحالي و108 ملايين دولار للعام المقبل للترويج للديمقراطية في ايران. وفي مقابل التحركات الأمريكية في الشرق الأوسط, بدأت ايران في تحريك قطع الشطرنج الخاصة بها بشكل أكثر اتساعا عالميا, فزار الرئيس الايراني نيكارجوا حيث تعهد بالمساعدة في تمويل بناء ميناء جديد علي الكاريبي بتكلفة350 مليون دولار وانشاء مشروع لتوليد الكهرباء بتكلفة120 مليون دولار لمساعدة حكومة الرئيس دانييل اورتيجا اليسارية. أما عسكريا, فكشفت ايران عن طائرتها الحربية الجديدة البرق التي انتجت محليا بالكامل علي نموذج طائرة اف 5 الأمريكية وقال المسئولون الايرانيون في الوقت الذي تبيع فيه أمريكا اسلحة لحلفائها في المنطقة يحرز خبراؤنا تقدما للتوصل الي الاكتفاء الذاتي في المجال العسكري وكانت ايران قد طورت في وقت سابق طائرة حربية اخري الرعد علي نموذج الطائرة اف 18 الأمريكية. فضلا عن الدعم الايراني لحركة حماس التي تدرجها أمريكا علي قائمة المنظمات الارهابية بعشرات الملايين من الدولارات بعد توقف المساعدات الدولية عقب فوز الحركة في الانتخابات الفلسطينية كما أكد مسئولون امريكيون وأوروبيون ان ايران تزود كلا من المسلحين الشيعة في العراق ومقاتلي حركة طالبان في افغانستان بالاسلحة مما يزيد من تعقيد المأزق الأمريكي. ان الشرق الأوسط يعيش اليوم علي صفيح ساخن, والحرب الباردة بين امريكا وايران ستضطر المنطقة الي دفع ثمنها من امنها واستقرارها وأموال مواطنيها.