منذ أن بدأ غزو المنتجات الصينية للأسواق المصرية والتساؤلات تثار حول السر في أسعارها المتدنية مقارنة بمثيلاتها المحلية. كانت الإجابة دائما تتعلق برخص الأيدي العاملة في الصين. وهي وإن كانت إجابة صحيحة إلا أنها جزئية. فالإجابة الكاملة لابد وأن تشمل كلمة السر الصينية التي بدأت تتكشف مؤخرا وهي «الخامات البالغة الرداءة»! عفواً فكلمة رديئة فقط لا تكفي لوصف الخامات المستخدمة في كثير من المنتجات الصينية. فمؤخرا تم اكتشاف أن الصينيين يجمعون مخلفات البلاستيك من جامعي القمامة في مصر ويصدرونها لبلادهم، ثم نستوردها في شكل أدوات منزلية ولعب أطفال وملابس والطامة الكبري أدوات طبية مثل دعامات القلب وفلاتر الغسيل الكلوي. هذا الأمر يأتي متزامنًا مع ما طالعتنا به وكالة الأسوشيتدبرس في يناير الماضي، وهو فضيحة من نوع آخر للمنتجات الصينية في أمريكا. الأمر هذه المرة يتعلق باستخدام الصينيين معدن الكادميوم في تصنيع الحلي. قد يكون هذا المعدن مجهول لغير المتخصصين، لذا من الضروري تقديم نُبذة عنه حتي يمكن فهم لماذا استخدم في أمريكا لفظ «فضيحة» لوصف ما حدث. فالكادميوم معدن رخيص لونه فضي لامع، لين وسهل التشكيل كما أنه ينصهر عند درجة حرارة قليلة بالنسبة للمعادن وهي 321 درجة مئوية. لكنه معدن سام جدا ومسرطن. تلك الخصائص تجعله من الناحية الفنية معدن مثالي لتصنيع العديد من المنتجات وليس الحلي فقط، ولكنها منتجات يمثل استخدامها كارثة حقيقية من الناحية الصحية. جدير بالذكر أنها ليست المرة الأولي التي يستخدم فيها الصينيون معادن سامة في تصنيع الحلي. ففي عام 2006 تم الكشف عن استخدام معدن الرصاص في الحلي علي أثر وفاة طفل صغير في أمريكا بتسمم الرصاص عندما ابتلع قطعة حلي صغيرة. منذ ذلك الحين تم وضع ضوابط صارمة لنسب الرصاص في البضائع الاستهلاكية، وهذا ما دفع الصينيين لاستخدام بديل آخر رخيص للرصاص. لسوء الحظ كان البديل الجهنمي هو الكادميوم، فهو أرخص وأخف من الرصاص. غير أنه يفوق الرصاص خطورة. لكن هذا أمر لا يعبأ به الصينيون، فلقد أعلنوها صريحة لوكالة الأسوشيتدبرس، فالربح والربح فقط هو ما يسعون إليه بصرف النظر عن صحة المستهلكين. قد يقول البعض وما شأننا بما تصدره الصين لأمريكا، وما الخطورة أصلاً في استخدام الكادميوم في منتجات ثانوية كالحلي؟ أليس أمر هذا المعدن أو غيره تافه بالنسبة لنا مقارنة بالمبيدات المسرطنة ومياه الشرب الملوثة والهواء المشبع بالعوادم... إلي آخر تلك القائمة؟ بداية ًًما يخصنا في تقرير الأسوشيتدبرس، والذي أعده خمسة مراسلين للوكالة في مناطق متفرقة في الصين، هو ما ذكره عدد من مصنعي الحلي في تلك المناطق من أن معظم المنتجات الرخيصة التي يُستخدم الكادميوم أساسا في تصنيعها إما تباع في الصين أو تصدر لدبي وأسواق الشرق الأوسط. السبب في ذلك حسب التقرير هو أن ضوابط الاستيراد في تلك البلدان أقل من أمريكا والاتحاد الأوروبي. إذًا بصفتنا المستورد الرئيسي لمنتجات الصين في الشرق الأوسط، فعلي الأرجح أننا أيضا المستهلك الأكبر لمنتجات الكادميوم الصينية. وعلي الرغم من أن تقرير الأسوشيتدبرس كان خاصًا بالحلي فقط، فإنه يسهل التنبؤ بأن الكادميوم قد شق طريقه لبقية الاكسسوارات المصنوعة في الصين ومن قبله الرصاص. فغالبا ما تكون المعادن والسبائك المستخدمة في تصنيع الحلي، هي نفسها المستخدمة في مكملات الأناقة الأخري. بالطبع بعض تلك المنتجات تظل ملامسة لجلد الإنسان مدة طويلة مثل الساعات وإطارات النظارات بالإضافة لقطع الحلي. الخطورة في ذلك أن احتكاك المعادن بسطح الجلد لفترات طويلة يُمكن جزيئات المعدن من الوصول لمجري الدم عبر العديد من العمليات الحيوية. في حين أن الطعام أو الشراب مثلاً يتعامل أولاً مع إنزيمات اللعاب ثم العصارات المعوية قبل أن ينتقل لمجري الدم. بمعني آخر فالمعادن الضارة لا تقل خطورة عن المبيدات المسرطنة أو الماء الملوث. وللعلم فإن طلاء تلك المنتجات لن يخفف الضرر كما قد يخطر للبعض. فالمعدن الأساسي المستخدم في طلاء تلك المنتجات هو النيكل. بالطبع لسنوات طويلة تربع النيكل علي عرش المعادن الآمنة والتي تُستخدم داخل جسم الإنسان مثل شرائح العظام وتركيبات تقويم الأسنان. غير أن الاتجاه العالمي حالياً هو تجنب استخدامه في أي منتج يلامسه الإنسان. فمعدن النيكل وبعض مركباته تم إدراجها في قائمة المسرطنات المحتملة منذ عام 1980، وتمت إعادة تقييم النيكل في عام 2000 وما زال في قائمة المسرطنات حسب التقرير السنوي للمسرطنات في أمريكا. لكن يبدو أن كل هذا الجدل حول النيكل لا يقلق الصينيين، فغير متوقع أن يتوقفوا عن استخدام النيكل في عمليات طلاء المعادن الأخري قريبا. هل معني هذا أن الصين ليس بها مواصفات قياسية للمنتجات؟ بالطبع توجد مواصفات، فوفقا لتقرير الأسوشيتدبرس فإن المواصفات القياسية في الصين تشترط ألا تتعدي نسبة الكاديوم مثلا 0.1% في الحلي. غير أن التحاليل التي أجريت في جامعة أشلاند بولاية أوهايو علي بعض قطع الحلي الصينية أثبتت وجود الكادميوم بنسب تصل إلي 90% ! أي أن المواصفات القياسية النظرية في الصين شيء، والواقع شيء آخر تماما. ما العمل إذًا مع المنتجات الصينية؟ بالطبع من نافلة القول مطالبة الجهات المختصة بتشديد الرقابة علي الأسواق ووضع ضوابط للواردات... إلخ. لكن الأهم بالفعل أن نتعامل علي المستوي الفردي مع واردات الصين بمنتهي الحذر، وألا نغرق في طوفان البضائع الاستهلاكية والتي يمكن الاستغناء عنها. فرخص أسعار تلك المنتجات يغري حقا بشرائها، غير أن العلم بمكوناتها يستدعي الفرار منها. وختاماً؛ فإننا قد لا نملك حيلة إزاء الماء والهواء الملوث أو الغذاء، لكننا بالتأكيد نتحكم في اختيار ما نرتديه ونحدد ما يمكننا الاستغناء عنه. فعلي الأقل دعونا نحسن تحديد واختيار ما نستطيعه.