كيف يزن الأمريكيون الصين؟ صديقة هي أو دولة معادية؟! كبار المسئولين في واشنطن يرون انها بدأت تشكل لهم عنصر قلق.. تتلاعب بسعر "اليوان" عملتها لتحافظ علي اسعار منتجاتها في حد الرخص المنافس تدمر فرص العمل داخل الولاياتالمتحدة تسطو علي الملكية الفكرية للشركات الامريكية تتبني برنامجا تصادميا مكثفا لتحديث تسليح قواتها المحاربة! السبت 4 يونيه كان دونالد رامسفيلد يحضر مؤتمرا في سنغافورة.. انتهز الفرصة وراح يصلي الصين بنيرانه الكثيفة.. قال "ان البنتاجون في تقويمه السنوي لقدرات الصين يؤكد ان ميزانيتها العسكرية تحتل المرتبة الثالثة بعد الولاياتالمتحدة وروسيا" ويؤكد احد مراكز الابحاث في واشنطن ان رقم الميزانية العسكرية الصينية سنة 2001 تخطي 78 مليار دولار. وقال رامسفيلد: "ان القدرات الصاروخية للقوات الجوية والبحرية الصينية تخل بالتوازن العسكري ليس فقط بين الصين وتايوان، وانما بالتوازن العسكري الاستراتيجي العام في جنوب آسيا وهي منطقة تتعاظم فيها المصالح الامريكية". .. واضاف وزير الدفاع الامريكي بلغة تعكس مخاوفه: "من الواضح ان الصين تتوسع في قدراتها الصاروخية لتصل بها الي اهداف حول العالم وليس فقط في منطقة الباسيفيكي.. ولما كانت الصين لا تتعرض لتهديد من اية دولة.. علينا ان نتساءل: لماذا كل هذه الاستثمارات الصاروخية الهائلة؟ وإلي من توجه وما تأثيرها علي ميزان القوي الدولي؟" .. انبري له بالرد سوي تيانكاي مدير مكتب آسيا بالخارجية الصينية وأرفع الحاضرين الصينيين مستوي.. تساءل بنبرة حادة: "هل تعتقد أن الصين لا تتعرض لأي تهديد كان مصدره أي جزء في هذا العالم؟ وهل تعتقد حقا ان الولاياتالمتحدة تشعر بالتهديد مما تسميه: بزوغ الصين emergence of china؟!. ... عاجله رامسفيلد برد مراوغ: مبلغ علمي انه لا دولة في العالم وجهت تهديدا للصين.. كذلك فان الولاياتالمتحدة لا تحس باي تهديد من قوة الصين العسكرية المتنامية". ولم يصدق احد من الحضور الجزء الاخير من اجابة رامسفيلد.. وإلا لكانت نبراته الكثيفة منذ البدء سفسطة بلا معني ولا سند! احتلت هجمة رامسفيلد علي الصين ما نشتات الصحف في آسيا والعالم.. وبادرت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية في النهار التالي بتهدئة ألسنة اللهب: "ان الانفاق العسكري الصيني المتعاظم، وانتشار القوات النشيط في الاراضي الصينية حيث لا عدو يلوح.. أمر صحيح! لكن علينا أن نعترف بان علاقاتنا مع الصين لم تكن اروع مما هي عليه الآن.. وإن كان البناء العسكري الصيني المتنامي يثير الاهتمام"!. عين العقل.. السياسي! انفتاح الصين علي الغرب منح متعة الازدهار ل1300 مليون صيني لكنه زرع المتاعب لأمريكا كأشواك الصبار في صحاري اريزونا لم يعد صانع السياسة فُي واشنطن يميز: هل بكين مجرد شريك اقتصادي او انها خصم سياسي عزز المخاوف والشكوك انها بدأت تتلصص علي امريكا وأسواقها واسرارها التقنية المدنية منها والعسكرية! ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمدير السابق للتخطيط السياسي بالخارجية الامريكية يصف المفاجأة الصينية: "فجأة وجدناها امامنا قوة بازغة وقوة مهيمنة معا"! ثم يصوغ الرجل بخبرته السؤال الحرج: هل من المحتوم ان نصبح اعداء؟! ويتبع السؤال باجابة: مطلقا.. ان هدف واشنطن ان تتعامل مع الصعود الصيني بطرق سلمية بحيث يجسم قوة جديدة مضافة لقوي النظام الدولي عين العقل السياسي! لكن المهمة ليست يسيرة.. كلما شوح الامريكيون بأصابعهم في وجه بكين "Finger wagging" انتفض المسئولون الصينيون منذرين بان اسلوب التعامل الامريكي سوف يؤثر في الوضع السياسي لبكين! قبل 150 عاما فقط انفتحت الصين علي العالم.. تم ذلك بفضل الاسطول الملكي البريطاني، المسخر في خدمة مهربي الافيون والذي ضغط علي الحكم الامبراطوري في لندن ليقبل تجارة الصين.. من الحرير حتي الشاي والتوابل! وعاشت الصين قرنا كاملا من الهوان الغزو بقساواته قطع أوصال الوطن، الذبح للرجل، والاغتصاب للنساء، وتوالت الكوارث من الداخل.. تمرد.. ثورة.. حروب أهلية.. مجاعات.. قساوات لا توصف! في اللغة الصينية كلمة أثيرة تنطق: "Luan" والمعني اضطراب وتشوش كامل.. وهو بالضبط ما عاناه الشعب الصيني كل طلعة شمس بامتداد قرن كامل من الهوان ومازال للكلمة تأثيرها المخيف علي الفكر الصيني حتي اللحظة! وعكس الاضطراب: الاستقرار.. ومنذ مذبحة ميدان تيانانمين سنة 1989 آخر قيادات الصين، لم تتمتع بلاد التنين بالاستقرار والحكم الرزين والرخاء المبين، مثلما هي في كنفه هذه السنين! الديمقراطية حارة سد! هو جنتاو الرئيس الصيني يعتز أكثر بمنصبه الأهم كسكرتير عام للحزب الشيوعي، جاء إلي الحكم نوفمبر 2002 في اول انتقال للسلطة دون عمليات تطهير او اعتقالات سرية تتم قبل طلوع النهار! وخريطة هموم حكومة جنتاو.. مد خيوط الازدهار الاقتصادي من مدن الساحل الغنية إلي مدن الداخل المثقلة بالعوز.. تيسر نزوح فائض عمال الزراعة من الريف إلي المدن.. ومراقبة ذمم المسئولين المحليين حتي لا تتسع لإغراء الفساد! للرئيس جنتاو أفكاره العجيبة.. يقول لخلصائه في الحزب: "إن الديمقراطية الغربية بالنسبة للصين، هي مجرد حارة سد bindalley!".. ويشجب بشدة طريق الاصلاح، وما تبعه من تشوش وفوضي في الاتحاد السوفيتي علي يد ميخائيل جورباتشوف، والمفتاح الرئيسي لسياسة جنتاو هو تقوية دور الحزب الشيوعي في حياة الشعب الصيني.. لضمان الاستقرار السياسي ودعم قوة الوطن! وفيضان الصادرات الصينية إلي أمريكا والعالم هو عصب الرفاهية في بلاد التنين.. هذه الجزرة تعطي أمريكا شيئا من النفوذ علي السياسة الصينية.. فيما عدا ذلك، يتضاءل النفوذ الأمريكي وينكمش.. عندما زار الرئيس السابق جيانج زيمين واشنطن سنة ،1997 رفضت الادارة الامريكية قبول عضوية الصين في منظمة التجارة العالمية.. الآن أصبحت بالفعل عضوا.. كما ساندت أمريكا استضافة بكين للدورة الأولمبية الصيفية في عام ،2008 رغم اعتراض بعض الدول.. الآن يقول تشو شولونج الاستاذ بجامعة تسنجهوا في بكين بفم ملآن: "لم تعد الولاياتالمتحدة بهذا القدر من الأهمية بالنسبة للمصالح الصينية في العالم"! تبقي تايوان عقلة في زور بكين تموت توقا إلي ازدراءها واعادتها إلي حضن السيادة الدافئ.. انها عقدتها الباقية التي تذكرها بسنوات الإذلال الأجنبي! وضع مجلس الشعب الصيني العقدة في المنشار، عندما أصدر أخيرا قرارا بشرعية التدخل العسكري ي تايوان ان أعلنت رسميا استقلالها.. بينما تعهدت أمريكا بحماية تايبيه ضد أي هجوم بلا استفزاز wnprovoked attack! علي أن الدعامة الأساسية في مستقبل الصين ليست تايوان.. ولا موقف رامسفيلد أو رايس.. وانما: المواطن الصيني.. ان استمر يتقلب في الرفاهية ورغد العيش.. لا مشكلة.. وعدم الاستقرار الاقتصادي، يولد التزعزع الاجتماعي.. وقد يفجر ثورة همايونيه يقودها ربع سكان الدنيا!!