أصدرت 12 منظمة وجمعية للمثقفين بيانا أسموه "وثيقة دفاعًا عن هوية مصر الحضارية" حددوا فيها أكثر من 30 مادة من مواد مسودة الدستور المطروحة للاستفتاء العام معلنين رفضهم للدستور الجديد لعدة أسباب من اهمها: السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية، وتشكيل الجمعية التأسيسية بصورة انتقائية، والانتهاكات الصارخة لرئيس الجمهورية للشرعية عبر إعلاناته الدستورية غير الشرعية.. وفيما يلى نص البيان: على الرغم مما تعرض له مثقفو هذه الأمة من قهر واضطهاد، ومطاردة وملاحقة، واغتيال مادي أو معنوي، فإن إيمانهم بهذا الوطن وبحقه المشروع في مستقبل يليق بأبنائه الشرفاء ظل دومًا يحدوهم ويحرِّكهم نحو بشارات الأمل والحرية والتقدم، وقد أتت ثورة 25 يناير لتوجز على أبدع ما يكون كل ما بدا أنه قد تبدَّد في الهواء على مدار السنين، ولتكتب وتعزف، وترسم وتنحت بدماء أبنائها الأبرار أجمل قصيدة حب وأبدع سيمفونية عشق وأروع صورة وفاء وأنبل أيقونة فداء في تاريخ هذا الوطن. يا شعب مصر العظيم! إننا نرفض كمثقفين مصريين شرفاء هذا الدستور، وما صاحب كتابته للأسباب التالية: أولاً: إن الكيفية التي تم بها تشكيل اللجنة التأسيسية بصورة انتقائية فاضحة، لا تمثِّل كل أطياف المجتمع المصري، لتكشف عن عوار واضح وفاضح بما ينزع عن هذا الدستور المزعوم صفة كونه دستورًا لكل المصريين، ويجعله لا يعكس سوى رؤية فصيل واحد هو فصيل الإسلام السياسي المتاجر بالدين وبمنزلته السامية والعميقة في نفوس المصريين. ثانيًا، إن تجاهل مجلس الشورى رغم كل المساعي والمناشدات من كافة القوى الوطنية لإعادة النظر في تشكيل هذه اللجنة ليكشف أن الهدف من هذه اللجنة لم يكن هو صياغة دستور توافقي لجموع الشعب المصري، وإنما تمكين تيار سياسي واحد وإعلاؤه فوق الدولة تمهيدًا للانحراف بها والعصف بمقوماتها الدستورية والقانونية والمدنية. ثالثًا، إن الإعلانات (غير) الدستورية المتكرِّرة لرئيس الجمهورية لتمثِّل انتهاكًا صريحًا للشرعية، وتكشف عن نوايا مفزعة لتكريس الاستبداد وحكم الفرد المطلق، وتلاعبًا مهينًا بالتشريع. الموقف من الدستور المزعوم: إن هذا الدستور كما تكشف مواده ليس سوى وثيقة إذعان لاستعباد الشعب المصري، وتفكيك مؤسسات الدولة، فهو دستور يعصف بالسلم الاجتماعي والأمن القومي، ويضطهد المرأة والطفل، وذوي الاحتياجات الخاصة، ولا يراعي مصالح الطبقات الدنيا وفقراء ومعدمي هذا الوطن، كما أنه يقيِّد الحريات الخاصة والعامة، ويتغول على السلطة القضائية، وينكِّل بالحريات الصحفية والإعلامية، ويحجِّم الرقابة على السلطة التنفيذية، ويعزل مصر عن العالم المعاصر والتطور العلمي الراهن، ويفرط بخبث ومواربة في التراب الوطني المصري: وهذه بعض الشواهد فقط على هذا: أولاً، إهدار دولة القانون وتغول المؤسسة الدينية على المحكمة الدستورية العليا للتأسيس لفتح الطريق لجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما يتمثَّل في المواد (2)، و(219)، و(4), و(10). ثانيًا، إنه دستور يكرِّس أحادية الثقافة وسطوتها، ويطمس التنوع الخلاق في هوية مصر الثقافية والحضارية، بما يتضمنه من مواد تجعل أحكام الشريعة وآراء الفقهاء التي لا تعدو كونها اجتهادًا يُختلف ويُتفق عليه هي المعيار والمحك في تحديد حقوق وحريات المواطن الأساسية، وهو ما ينعكس في كل من المادة (10) و(12)، و(219)، فضلاً عما يمكن أن يؤدِّي إليه تعريب التعليم والعلوم من عزلة وتخلف عن التقدم العلمي العالمي الذي يتطور بسرعة مذهلة. ثالثًا، إهدار مبدأ المساواة أمام القانون والحض على الكراهية والتعصب الديني والتكفير والتخوين، وهو ما يظهر في المادة (33)، حيث تم حذف الالتزام بعدم التمييز على أساس الجنس أو الدين أو العقيدة أو اللون أو اللغة أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الإعاقة. وهو مؤشر خطير يسمح بإصدار قوانين تمنع المرأة أوالمواطن المسيحي من تقلد بعض الوظائف بادعاء اختلاف مراكزهم القانونية استنادًا إلى آراء فقهية متشدِّدة، وهو ما يطيح كلية بمبدإ تكافؤ الفرص بين كل المواطنين، وينتقص من مفهوم المواطنة. ويزداد الخطر في إطار العدوان على استقلال المحكمة الدستورية العليا والسيطرة على تشكيلها. رابعًا، مخالفة مبادئ الشرعية الجنائية والعقوبات لأول مرة بنص دستوري؛ مما يمثِّل خطرًا داهمًا على حقوق وحريات المصريين وعلى الاستقرار القانوني والقضائي، وهو ما ينعكس في المادة (76). خامسًا، التغول على السلطة القضائية من خلال تحجيم الرقابة القضائية والعصف بحصانتها واستقلاها، وعزل القضاة وتعيين المحكمة الدستورية؛ مما يكرِّس لاستبداد الدستور بشكل دائم؛ ومن ثم استبداد الفرد والحكم المطلق، وهو ما ينعكس في المواد (127) و(176) و(227) و(233). سادسًا، تقييد حرية الصحافة واستمرار الحبس في جرائم الرأي المعروفة بجرائم النشر، وجواز مصادرة وإغلاق الصحف واستمرار تبعية الصحافة المملوكة للشعب للسلطة التنفيذية والحزب الحاكم؛ وهو ما ينعكس في المادتين (48) و(49). سابعًا، إهدار حقوق الأطفال، بعدم حظر تشغيلهم قبل الحصول على الحد الأدنى من التعليم والرعاية، وعدم حظر زواجهم، وهو ما يمثِّل خرقًا للمواثيق الدولية التي تحظر تشغيل الأطفال، على نحو ما يرد في المادة (70). ثامنًا، الخلل في توازن السلطات، وتغول رئيس الجمهورية على كل السلطات وإمكانية خروجه على الشرعية من خلال الاستفتاء بدون ضمانات، وانفراده باختيار رؤساء الهيئات المستقلة والرقابية، وهو ما ينعكس في المادة (150). تاسعًا، حذف النص على حظر قيام أحزاب على أساس ديني أو جغرافي وحظر قيام أحزاب أو جمعيات سرية أو ذات طابع عسكري أو السماح بحل النقابات؛ مما يعرض الأمن القومي ووحدة النسيج الوطني والمقومات والحقوق والحريات الدستورية للخطر على نحو ما يرد في المادة (4) من الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30 مارس 2011. عاشرًا، التغول على استقلال النقابات والاتحادات والتعاونيات، وتسهيل إمكانية حلها وحل مجالس إدارتها، كما هو واضح في المادتين (52) و(53). حادي عشر، التراجع بمكتسبات المرأة، واعتبارها كائنًا غير مكتمل الأهلية يتطلب عناية خاصة وهو ما ينتقص من حقها في المساواة كمواطن كامل الأهلية، كما هو في المادة (10). ثاني عشر، الإخلال بالتزامات الدولة الاقتصادية والاجتماعية من علاج وتأمين اجتماعي ومسكن ملائم ونظيف وغذاء صحي من خلال صياغات فضفاضة وملتبسة، وهو ما ينعكس في المواد(65) و(66) و(67) و(68)؛ وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي في الحفاظ على حقوق العمال والفلاحين، وفقراء هذا الوطن ومعدميه. ثالث عشر، عدم النص على حظر الاتجار بالبشر، لمنع الاستغلال بما في ذلك الاستغلال الجنسي أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة أو التسول أو استئصال أعضاء بشرية، على نحو ما تخلو المادة (73)، وفتح الباب لسن قوانين تفرض عى المواطنين أشكالا من العمل الجبري، مع إبدال الأجر بالدخل العادل عكس معايير المعدلات العالمية للحد الأدنى للدخل ؛ كما هو في المادة (64). رابع عشر، تخلي الدولة عن التزامها بدعم الثقافة والأنشطة الثقافية بكل صورها، وهو ما يمثل تراجعا فاضحًا عما كان ينص عليه دستور 1971؛ حيث كانت الدولة ملتزمة بدعم الأنشطة الثقافية؛ وتحول ذلك الالتزام في الدستور الجديد إلى كلام عام ومطاطي يقرن رعاية الثقافة بمصلحة المجتمع بشكل فضفاض، دونما تحديد لما تعنيه مصلحة المجتمع ويفتح الباب لكل صور الوصاية على حرية الفكر والإبداع، كما هو في المادة (46). خامس عشر، الشرطة لخدمة الرئيس وليس الحفاظ على أمن الشعب، وهو ما يتضح من المادة (199) من مشروع الدستور. سادس عشر، فتح الباب إلى طمس هوية مصر الجغرافية والتاريخية والثقافية من خلال جواز نقل العاصمة (القاهرة بكل زخمها التاريخي كجزء لا يتجزأ من هوية مصر)، وتغيير العلم والنشيد الوطني؛ كما هو في المادتين (220) و(221). سابع عشر، تجاهل دور المجتمع المدني ومؤسساته تجاهلاً تامًا. ثامن عشر، عدم ورود أي نص في جميع مواد الدستور يشير إلى احترام المواثيق والمعاهدات الدولية حتى التي وقعتها مصر؛ مما يعرض مصالح مصر القومية والعالمية للتهديد. أيها المصريون العظام! لقد كان حلم المثقفين المصريين على مدار التاريخ يتمثَّل دومًا في الوعد والتبشير بالحرية، والعدل، والكرامة الإنسانية، وهي القيم التي خرجت تهتف وتنادي بها ثورة الخامس والعشرين من يناير، لتؤكِّد لكل مثقفي هذا الوطن أن بشارتهم لم تذهب سدى وحلمهم لم يمضِ أدراج الرياح، وأن مقاومتهم بالكلمة والفكرة والنغمة والحركة وكل أشكال التعبير النبيل في مواجهة التخلف والقهر والاستبداد قد تلاقت جميعًا ووجدت تعبيرها الأسمى والأجل في إبداع هذا الشعب العظيم لثورته الكبرى. إن الجماعة الثقافية المصرية الحرة تؤكِّد بكل أطيافها على انحيازها المطلق والكامل إلى كل مطالب الثورة والثوار في العيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وتلتزم بألا تساوم على دماء الشهداء مهما كلَّفها ذلك من تضحيات من أجل بناء دولة القانون والحريات، والحفاظ على مدنية الدولة. وفي ظل هذا، فإنها تهيب بكل المصريين الشرفاء من أبناء هذا الوطن أن ينحازوا إلى المستقبل، وإلى قيم الخير والحق والجمال، وألا يساوموا على حريتهم وحرية هذا الوطن. لقد كانت مصر منذ فجر التاريخ مهدًا للديانات والحضارة وكانت الديانات فيها تبنى دومًا الحضارات ولا تهدمها، ولهذا لا ينبغي لأبناء هذا الوطن الحر أن يسمحوا لفصيل دأب على الاتجار بالدين أن يتلاعب باسم الدين بمشاعرهم الدينية من أجل تحقيق مصالح دنيوية رخيصة، وأن يعلِّموا أدعياء الدين قيم الإسلام الحقة من حب وتسامح وإخاء وتعايش وحفظ للوعود والعهود. يا شعب مصر العظيم، لا تسمح لكائن من كان أن يزايد على دينك أو أن يتلاعب بقيمك الدينية الأصيلة، ولتكتب دستورًا يليق بحضارتك وتاريخك وثورتك ودماء شهدائك الأبرار. الموقعون: 1- الجمعية الوطنية للتغيير 2- اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق وحريات الفكر والإبداع. 3- اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية التعبير 4- إئتلاف الثقافة المستقلة (سبعون مؤسسة ثقافية وفنية). 5- جبهة الإبداع المصري. 6- إئتلاف فناني الثورة. 7- أدباء وفنانون من أجل التغيير. 8- نقابة المهن السينمائية. 9- نقابة المهن التمثيلية. 10- جبهة استقلال الإعلام العام. 11- نقابة المهن الموسيقية.. 12- أتيليه القاهرة.