لم يصل أكثر المتشائمين قبل الإنتخابات الرئاسية الماضية إلى حقيقة أن ثورة ضد جماعة الإخوان المسلمين سوف تحتاج إلى أربعة أشهر فقط من حكمهم لكى تندلع، ولكى يعود ميدان التحرير إلى الصورة التى إعتدنا أن نراه عليها خلال الأيام الأخيرة من حكم مبارك وعصابته . لقد نزل الشعب الأبىّ( الذى لا يأخذ تعليمات من هنا، ولا يتلقى أوامر من هناك ) بالأمس إلى ميادين مصر ليعلن بصراحة ووضوح أن رصيد الإخوان المسلمين فى الحكم قد بدأ فى النفاذ، وأن إتخاذ الرئيس مرسى لقرار إصدار ذلك الإعلان الدستورى المنعدم ينطوى فى حقيقته على رغبة الجماعة فى الإقدام على إنتحار سياسى لها وإعدام دستورى لرئيسها الذى أثبت عن جدارة أنه ليس رئيساً لكل المصريين .
لقد قام الشعب بثورة الخامس والعشرين من يناير لكى يتخلص ( من ضمن من أطاح بهم ) بمجموعة من الترزية اللذين إحترفوا ترقيع القوانين وتطبيعها بما يحقق أهداف بقاء الحاكم المستبد فى الحكم وتوريثه لإبنه من بعده، لكى يأتى له جماعة لم يقتصر ترزيتها على تفصيل القوانين عندما كانت تتمتع بالأغلبية النسبية فى البرلمان المنحل فقط، ولكنها أيضاً إحترفت تفصيل دساتير وإعلانات دستورية بأكملها إعتقاداً ( خطأً ) منها أن ذلك سوف يمكنها من إستكمال خطة التمكين والسيطرة على كافة سلطات الدولة ومؤسساتها، بما فيها السلطة القضائية .
والحقيقة أن الطبيعة الشكلية للصراع الدائر الأن بين جماعة الإخوان المسلمين وغالبية أطياف ومكونات الشعب المصرى تكمن فى محاولة الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدنى الممثلة لهؤلاء مقاومة عملية صناعة فرعون جديد من خلال رفض الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى مؤخراً، ولكن هذا الصراع فى جوهره ينطوى على صراع أكبر لم تتضح معالمه بعد للغالبية العظمى من الشعب والذى يتمحور حول الدستور والجمعية التأسيسية التى تقوم بكتابته الأن بشكل خاص، وهو ما يمكن إختصاره فى أن الجماعة قد إختارت لى ذراع الشعب المصرى عن طريق وضعه أمام خيارين كلاهما أخطر عليه وعلى مقدرات هذا البلد من الأخر وهما : إما التصويت "بنعم" على الدستور الذى تعكف الجمعية التأسيسية للإخوان الأن على سلقه فى الظلام دون أن نعرف عنه شيئاً وحتى دون أدنى مشاركة فعلية فى عملية سلقه تلك، أو التصويت "بلا" ووقتها سوف يكون علينا أن نقبل بالأمر الواقع الذى فرضته علينا الجماعة وهو إستمرار ذلك الإعلان الدستورى الساقط، وليشرب الشعب من المحيط .
لم يكن ذلك تحليلاً أو محاولة لفهم ما يحدث الأن من تعنت وإستعلاء كبيرين من قبل الجماعة على جموع الشعب التى خرجت بالأمس فى جميع ميادين مصر ومطالبها، ولكن هذا ما قاله الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة وعضو مكتب الإرشاد بالأمس فى إحدى المقابلات التلفزيونية، وهو ما يضع الكثير من علامات الإستفهام حول ما هو قادم ويضع حداً لسقف توقعات القوى الثورية وما يمكن تحقيقه من بين أهداف الثورة على يد تلك الجماعة فى الفترة المقبلة .
الأخطر من ذلك أن ما حدث بالأمس من نزول الملايين إلى الشوارع وإمتلاء ميدان التحرير عن أخره والأهم هو تنوع الإنتماءات الفكرية والسياسية والإيدولوجية لمن تواجدوا فيه.. كل ذلك لم يدفع الرئيس إلى حتى مجرد الخروج للحديث عن قرارات جديدة هو بصدد إتخاذها، أو حتى الخروج بهدف الخروج دون إتخاذ أى شىء أو الإعلان عن أى شىء.. فقط للتعليق، أليس هذا كافياً لكى تفكر عزيزي القارىء ألف مرة قبل أن تتوقع أى قرار ينحاز للثورة أو لتحقيق أهدافها فى المستقبل من قبل تلك الماعة أو رئيسها؟! أليس واضحاً الأن مدى إبتعاد تلك العقلية التى تقبع داخل قصر الإتحادية عن أى علاقة ممكن أن تربطها بالديمقراطية وقواعدها التى مازال الشعب يناضل للوصول إليها؟! أيهما أقرب إلى الجماعة ومنهجها السياسى والفكرى كما تعتقد "التوافق الوطنى الجامع الذى يحقق النهضة الإقتصادية الإجتماعية ويؤسس لعصر جديد من الديمقراطية القائمة على المشاركة بدلاً من تلك المغالبة"، أم هو أقرب لنموذج "خليهم يتسلوا"؟!
سوف أترك لك الإجابة عزيزى القارىء وكلى يقين أنك لن تحتاج إلى مساعدة الأن لأننى متأكد أنك قد وصلت لدرجة من الخبرة والتجربة مع تلك الجماعة وحكمها بدرجة كافية تمكنك من أن تحكم عليها وعلى الخير الذى تحمله لنا فقط فى أربعة أشهر بدرجة من الموضوعية واليقين الذى لم تتمكن من الوصول إليه على مدار ثلاثين عاماً من قبل .