بين التحليل الموضوعى الجادّ والانتقادات الساخرة للبيان الذى قدمه رئيس الوزراء هشام قنديل الثلاثاء وعرضه متفاخرا بصحبة كل أعضاء وزارته عن بكرة أبيهم على الرئيس محمد مرسى، سيقفز السؤال الذى يطرح نفسه بقوة وعنف: إلى أين تذهب مصر؟ قدم رئيس الوزراء الخطة التى عكف على إعدادها على حد كلماته مجموعة من الخبراء والمتخصصين والمسؤولين على مدى ثلاثة أشهر واستعرض ملامحها فى ثلاثة أجزاء مترابطة، وهى خطة قصيرة المدى 2012-2014 وأخرى متوسطة المدى 2014-2017 وثالثة طويلة المدى 2017-2022. وأول قصيدة البيان المنتظر أنه استهل مطالبا الشعب بالتخلى عن سقف التوقعات المرتفع الذى أخذ يرتفع ويرتفع نتيجة تأخر قطف ثمار الثورة على حد كلماته، بينما اعتبر من سوء حظه أنه يلقى البيان فى مناخ يسوده الاحتقان والاستقطاب ويفتقر إلى الإجماع الوطنى والثقة المتبادلة. ثم حدد أربع ركائز للخطة، أولاها المرجعية التى قال إنها أهداف الثورة الأربعة «عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية»، ثم الاتساق بين الأقوال والأفعال، والثالثة مشاركة الشعب، إذ انتهى عهد سلبية الشعب، ليس فى التخطيط بل فى التنفيذ والإشراف، وأخيرا التحلى بفضيلة النقد الذاتى. وبخلاف الأسلوب الإنشائى الذى يحاكى أسلوب خطب الرئيس مرسى، ولا غضاضة فالناس على دين ملوكهم، فما بال الوزراء ورئيسهم، لكنه أيضا خرج بلا مضمون، والأسوأ أنه أكد تخبط واضطراب القادم فى ظل الحكومة الحالية. بيان الحكومة افتقر إلى أى وضوح فى معالم التعافى من الانهيار الذى ضرب الدولة المصرية ولم يكاشف المصريين بحقيقة الوضع الاقتصادى، كما لم يتناول الخطط التى سبق إطلاقها ومصيرها والمدى الزمنى للانتهاء منها أو توقفها، فلم يقدم حلولا لمواجهة العجز الذى بلغ أكثر من 160 مليار جنيه رغم أنه حاول قصر كل مشكلات مصر على هذا العجز الذى يمثل خطرا حقيقيا على مستقبل مصر.
وبدلا من إعلان إجراءات حكومية جديدة للتقشف أو الترشيد كشف عن تركيز الحكومة على رفع الدعم عن البترول أو منتجاته، وبدا واضحا أن خطة الحكومة لرفع الدعم خصوصا عن منتجات البترول هى الرسالة القوية التى اعتمدها الرئيس قبل زيارة أشتون لإعلان منح مصر قرضا بخمسة مليارات يورو. لكن قنديل تمسك بأن رفع الدعم عن البنزين «95» لا يحل المشكلة لأنه لن يوفر سوى 55 مليون جنيه سنويا، وهو لا شىء فى المطلوب، كما قال ما يعنى أن رفع الدعم قادم قادم، لكنه فضل عدم المكاشفة على عكس الركائز الأربع التى استهلّ بها بيانه. فى المقابل تلعثم قنديل وهو يلف ويدور حتى لا يجيب عن سؤال عن سرقة الغاز المصرى بواسطة إسرائيل وقبرص فى البحر المتوسط، وقال إن الغاز المصرى مخصص للتصدير بعقود لا يمكن إلغاؤها، وهناك اكتشافات أعلن عنها ثم ثبت أنها غير حقيقية، وأن محطات الكهرباء تغطى فارق احتياجاتها بالمازوت الذى يقلل كفاءتها وسعره 25 ضعف سعر الغاز، لهذا قررنا استيراد الغاز للمحطات الكهربائية. ما علاقة الإجابة بالسؤال؟ لماذا تسكت الدولة عن سرقة الغاز المصرى من مياهها؟ وكيف تدير هذا الملف؟ الغريب أن الرئيس اليونانى فى أثناء زيارته لمصر ومقابلته للرئيس مرسى قبل أسابيع فى القاهرة أعلن فى المؤتمر الصحفى أن مصر واليونان تواجهان تحديا فى حقول الغاز شرقى البحر المتوسط ولا بد من جهد مشترك لمواجهة هذا الملف. ولم يعلق الرئيس ولم يتابع رئيس الوزراء وخرج بإجابة غيبوبية. وبعد أن سرد قنديل سردا مملا لأرقام التدهور التى نسبها إلى العهد البائد مثل تركز الشعب فى 5.6% من أرض مصر ونسبة الأمية وعجز الموازنة ونسب النمو وتدنى الخدمات الصحية والاجتماعية، لم يقدم أى ملامح للحلول فى الخطة ثلاثية الأجزاء، لكنه قال بشكل سينمائى بديع «رغم كل هذه التحديات فإننى أرى فى الحقيقة ضوءا فى نهاية النفق المظلم، وهو نفق قصير، لكن طوله وهل نعبره بسرعة يتوقف على الحكومة والشعب حتى نمر للضوء الساطع الذى أراه أمامى». التصريح السينمائى الأخير اجتذب تعليقات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى كان أطرفها «رئيس الوزراء على ما يبدو تعاقد للإعلان عن ماركة جديدة للعدسات تجعل من يستعملها يرى وحده ما لا يراه كل من حوله».
قنديل بدلا من ذلك تفرغ للرد على الانتقادات التى توجه إلى الحكومة وأخذ يرد عليها واحدا واحدا، وأولها القول بأن «الحكومة لا تعمل»، فأثبت أن حكومته تعمل بدليل 365 اجتماعا وخمس زيارات داخلية وثلاث زيارات خارجية له وحده. و«الأمن لا يتحسن»، فردّ بأن بين قوات الشرطة 65 شهيدا و1650 مصابا دخلوا بؤرا إجرامية لم يدخلوها من قبل.
«وحكومة قنديل ليس لها رؤية» فيواصل هو ويرد «رؤيتنا من الثورة وبرامجنا فى إطار العدالة الاجتماعية»، ثم يكشف تعيين د.عصام شرف على رأس مجموعة تنمية محور قناة السويس، ولا يقول إنه قدم هذا المشروع أو تبناه فى أثناء رئاسته للوزارة.
و«الحكومة لا تتواصل مع الشعب»، فيرد «كيف وقد زرت خمس محافظات وظهرت فى سبعة برامج تليفزيونية وعقدت 15 لقاء صحفيا ولدى صفحة على موقع التواصل الاجتماعى؟»، ويعدد قنديل الانتقادات ويرد «هذه الحكومة لا تنحاز للفقراء» «وهذه حكومة ضعيفة» ويرد، لكنه كان يتعين أن يضم للانتقادات مقولة «حكومة قنديل جثة بلا حراك» ويرد «الضرب فى الميت حرام».