نسمع كل يوم كثيرا من حوادث السرقة والترويع والإرهاب، وقد نجد لبعضها في أنفسنا مبررا، وقد نلتمس العذر لمجرم في قصة، وقد نصبّر أنفسنا بصلاح الأمور وتجاوز الأزمة في قصص أخرى، ولكن تبقى أوجع الجرائم لقلوبنا وأكثرها قهرًا لأنفسنا تلك التي يضلع فيها رجال من الشرطة.. بصرف النظر عن رتبهم.. لأننا ساعتها نشعر أن حائط الصد في حياتنا مثقوب، وأن الجهاز المنوط به حمايتنا خرِب، وأن الرجال القائمين على حفظ الأمان وتثبيته في بلدنا قد تخلّوا وانضموا إلى طوابير اللصوص وقاطعي الطريق. ولا يخفى على أحد ما تتعرض له مصر من هجمات شرسة من أبنائها الذين ضلوا طريقهم وانضموا.. رغم انتظامهم في جيوش حمايتنا.. إلى مجموعات تهدف إلى إرهابنا أحيانًا وعقابنا أحيانًا أخَر، نرى ذلك واضحا قبل ثورة 25 يناير المجيدة في حكايات بعض الضباط .. وهم إن كثروا لازالوا بعضًا.. الذين كانوا يروعون الآمنين ويقطعون الطرقات ويجبون ضرائبًا إبتدعوها لأنفسهم، ويأخذون رواتبهم وحوافزهم من جيوب المواطن قسرًا وهم ينقذون أوامر من يقهره.
وتجلى دورهم واضحًا إبان الثورة وفي أيامها الأولى، فرفعوا بنادقهم في وجه الشعب الذي أقسمواعلى حمايته وأردوا من أرادوا منه قتيلاً، بل وزادوا فقتلوا من الشرطة من رفض أن ينهج نهجهم ويقتل أهل بلده، وفتحوا السجون وأطلقوا المجرمين وتركوا لهم الأسلحة كي يعيثوا فيها فسادًا.
واستمر لهؤلاء دورهم الذي نرى آثاره في كل ضابط يرد اسمه في سرقة السيارات، أو في ابتزاز المواطنين أو في سرقتهم أو في قهرهم وضربهم والتنكيل بهم وتلفيق التهم لهم.. معتمدين على من يحمونهم من أباطرة العهد البائد .. ممن يملك منهم منصبًا، أو من يملك منهم مالاً ويريدون به زعزعة الاستقرار في مصر وتوطيد دعائمهم التي زلزلتها ثورة الشعب. ورغم محاولات احتواء الفوضى والتي نراها كل يوم من تزايد لأعداد رجال الشرطة في الشارع، وأخبار القبض على الهاربين وأرباب السوابق واللصوص وقطاع الطريق.. تبقى في أنفسنا دومًا قناعة أن الحكاية مجرد هوجة وبعد قليل كلٌ سوف يعود إلى منزله ويتركنا مع الفوضى تستحلنا وتبطش بنا. الشعب يريد تطهر الداخلية.. صيحة أتصور أننا نحتاجها الآن كحاجتنا للماء ولرغيف الخبر وللوقود، كما أتصور أنها لن تكتمل إلا بأمرين: أولهما: أن يسن تشريع خاص بتلك المجموعات الفاسدة في جهاز الشرطة.. والتي أراها كأبناء غير شرعيين للداخلية.. يوازي في صرامته وقوته ما تحدثه هذه المجموعات من دمار في بنية المجتمع وحاضره ومستقبله. تشريع يضمن عزل كل من يثبت عليه التورط في مثل هذه الجرائم، أو من يثبت عليه حماية مثل هذه العناصر من المسئولين، ويضاهي في عقوباته ما فعله هؤلاء المفسدون بنا طوال سنين ويصلح في أنفسنا ما أحدثته أحكام البراءة لقاتلي شهداء يناير.
وثانيهما: أن تتحرك وزارات الدولة وعلى رأسها الداخلية والتعليم والثقافة لتعالج ذلك المفهوم المنحرف والذي أصّله نظام العهد البائد عن دور جهاز الشرطة في المجتمع والذي أصبح يعني السرقة والتنكيل والأذى، وعن دور وزارة الداخلية في بلادنا والتي أصبح اسمها يمثل لدينا القهر والبطش والإرهاب.