إذا كان هناك أي فائدة تذكر- في واقعنا الحالي- ليوم المرأة العالمي الذي يوافق 8 مارس من كل عام فهي فائدة ذكر النساء بكثرة في مقالات الصحف، وبرامج التليفزيون، وبعض الاحتفاليات التثقيفية المفيدة. إلا أن كلمة «الاحتفال» التي تقترن بيوم المرأة العالمي لابد أن تجعلنا نعيد التساؤل عن معناها. فالاحتفال- أي احتفال- يكون بما قد تم انجازه فعليا، ولابد أن يكون الانجاز استثنائيا وملحوظا، وإلا كنا جميعا كمصريين لابد وأن نقيم احتفالا يوميا بعودتنا إلي المنزل سالمين. وفيما يتعلق بالنساء فإن معظم ما تم انجازه في مصر يتعلق بالتنمية الشاملة، ولا أقول إن هذا الأمر يجب التقليل من شأنه، ولكن في الوقت ذاته لا يجب أن نتعامل مع التنمية باعتبارها إنجازا استثنائيا يدعو إلي المبالغة في الاحتفال. فالتنمية من المهام الضرورية والأساسية التي يتوجب علي الدولة القيام بها من أجل الجميع وليس من أجل النساء فقط. والتنمية أيضا (بشرط أن تكون شاملة) هي الطريق الأوحد لتحقيق بيئة مجتمعية صحية تسمح للأم والأب معا أن يوفرا الحد الأدني من الحياة الكريمة لأبنائهم وبناتهم فتختفي مثلا شبكات تزويج القاصرات لأثرياء عرب! من باب المفارقة أن يأتي يوم 8 مارس هذا العام وهو يعاني عرجًا واضحًا فيما يخص فئتين مختلفتين من النساء. الفئة الأولي هن النساء اللواتي ينتمين لبيئة الأكثر فقرا، فتتزوج القاصرات بتواطؤ من الجميع، والأدهي أن نعرف أن تلك الجريمة تتم مقابل خمسمائة جنيه. لهذه الدرجة هناك احتياج للمال، ولهذه الدرجة يبخس «الثمن»، وليس بعد الفقر ذنب فعلا. بعد الفقر يفقد الإنسان قيمته ومعني إنسانيته، فيكون المصير هو «البيع»، وهو ما كان سوق النخاسة قائما عليه. أحاول أن أتخيل الشكل الذي ستكون عليه حياة هذه القاصر عندما تصل إلي الثلاثين مثلا، مجرد التخيل يسبب لي الكثير من الحزن والجزع. أما الفئة الثانية فهن النساء المؤهلات لدخول مجلس الدولة، وكلنا نعرف توابع رفض الجمعية العمومية لذلك. وقد تابعت النقاش الذي حدث في الصحف والغريب أنه لم يكن مختلفا مطلقا عن النقاش الذي صاحب تعيين المرأة قاضية. لا أؤمن بفكرة ضرورة وجود نساء في كل مكان، ولكي أكون دقيقة لم أعد أؤمن بذلك، لأنني أدركت أن المسألة ليست امرأة أو رجلا بل إن الأمر ينحصر في الفكر. فإذا كانت المرأة ستعيد إنتاج فكر الرجل بكل رؤاه وتوجهاته لا يمكن أن أعتبرها إضافة. وفي الأغلب الأعم تحاول أي امرأة في منصب أن تثبت أنها مثل الرجل وأقدر، وهو ما يسهل إعادة تدوير وإنتاج كل الأفكار ليبقي الوضع علي ما هو عليه. إلا أن هذا المنطق له خطورته أيضا. فإعادة إنتاج نفس الأفكار قضية مختلفة عن قصر المجال علي الرجال فقط. ولا يمكن أن أبرر للمنع بالقول إن المسألة تنحصر في الكفاءة والأهلية ولا علاقة لثنائية الرجل-المرأة بالموضوع، فإذا كان الأمر هكذا (أي كفاءة وأهلية)، ينتفي المنع لأنه بالتأكيد هناك نساء يتمتعن بالكفاءة والأهلية. يجيء يوم 8 مارس ونحن محاصرون بالكثير من الأسئلة المتعلقة بحياة النساء، وبقدرتهن علي الاختيار الواعي المسئول، وبالتساؤل عن المطالب الحقيقية التي ينبغي علي الجميع السعي لتحقيقها من أجل حياة أفضل. إلا أن الشوكة التي تقف في الحلوق لا تزال متعلقة بالمجتمع ككل. فمهما بذلت الجهود من أجل الرفعة بحياة النساء لن يحدث شيء طالما بقيت العقول كما هي، وبقيت المجتمعات كما هي، لا تري في النساء سوي سلعة تباع وتشتري. عندما تتوقف عمليات المقايضة فيما يخص الالتحاق بعمل ما أو بيع القاصرات أو العنف ضد الخادمات يمكن أن نتحدث عن الاحتفال الحقيقي. ولن يتوقف الأمر إلا بوجود قانون صارم وبوجود عقول ونفوس تحترم القانون قبل أن تخافه.