كلمات قالها الشاعر العظيم نزار قباني رحمه الله منذ سنين، وكأنه كان يستقرئ أحوالنا الآن، كلماتٌ كلما قرأتها دمعت عيناي على ما وصلت إليه أحوال العرب من التشرذم والفرقة والبغضاء التي يكنها كل عربي لأخيه العربي في كل بلد عربي (شقيق)!! ورغم ما صدّعوا به رؤوسنا في دراسة (التربية القومية) عن امتلاكنا لكل مقومات الوحدة؛ إلا أننا ازددنا ضعفا وخنوعا وهوانا على أنفسنا وعلى الناس، ورغم قيام الثورات ضد الأنظمة الغاشمة المستبدة، إلا أننا لم نستفد أيضا من مقومات الوحدة؛ التي حبانا الله بها؛ قيد أنملة لتكون كلمتنا على حد سواء، ففي مصر حدث ولا حرج عن تصارع ظاهر وخفي، لتبدو هذه الفرقة وكأنها ستدوم إلى أبد الآبدين، وفي ليبيا، وبرغم مقتل القذافي وانهيار حكمه؛ لا يزال الشعب الليبي عاجزا عن الخروج من قوقعة الفرقة البشعة، التي نثر بذورها ممثل الاستعمار الأول معمر القذافي، فطرحت وأثمرت ثمار الفرقة المرّة. ولا يزال الشعب الليبي في حالة من الضياع يندى لها الجبين، أما في سوريا فالشعب في واد، وحامي حمى إسرائيل (بشار) في واد آخر، والقتل أصبح - يا حسرتاه - على الهُوية، فكل من لا ينتسب إلى طائفة العلويين يقتل من انتسب إليها، والعكس صحيح، واكتست الشوراع بلون الدم الأحمر، وانعدم الأمن، وكثرت أعداد الثكالى والأرامل واليتامى، وارتفعت الدعوات: (ما إلنا غيرك يا الله)، و(يا رب انصرنا على بشار وأعوانه)، وازداد استغراب العرب في مصر وسوريا وليبيا وكل قطر عربي شقيق من عدم قدوم النصر الذي يتمنونه، ولا عجب.. فنحن قد فهمنا قول الله عز وجل: (إن تنصروا الله ينصركم)، فهما خاطئا، فلن ينصرنا الله أبدا ما لم ننصره، ونصرة الله تكون في إتباع تعاليمه وأوامره، في أقوالنا وأفعالنا، علنا وخفية، وهناك من يقول: ألسنا (خير أمة أخرجت للناس)! وأقول: ما عدنا خير أمة أخرجت للناس، فلم نعد نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر.
بل أصبحنا نأمر بالسكوت عن قول الحق مخافة السلطان، ولم نعد ننهى عن المنكر، اللهم إلا نفر قليل ينهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف بأبشع الطرق وأبعدها عن قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا.. وبشروا ولا تنفّروا)، وقد تجد بعض من ينهون عن المنكر يفعلونه بعيدا عن أعين الناس خشية انفضاح أمرهم، ولا يخشون يوما كان شره مستطيرا.
ألا ترون معي أن العرب قد ماتوا وشبعوا موتا؟ ألا ترون كيف تقوم الدنيا ولا تقعد لمقتل أمريكي أو فرنسي أو إسرائيلي؟ بينما يغمض العالم كله عيونه عن مقتل العرب كل يوم بالمئات؟ وكأن من ماتوا ذبابا لا يتمتعون بصفة البشر! لقد أدرك قادة العالم قبلنا أن العرب ماتوا منذ زمن بعيد، رغم أن نشرات الأخبار لديهم تبث أنباء سقوط الكثيرين من العرب قتلى.
وما لم نقم من رقدتنا من تحت التراب لنستيقظ من ميتتنا التي طالت عقودا؛ فسنبقى أمواتا، ولن يكترث لغيابنا أحد، فقد مات العرب ولم يبق إلا أن يُكتب على شواهد قبورنا: (هنا ترقد الوحدة العربية)، ولا عزاء .. فلا أحد سيقدم العزاء فينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والله من وراء القصد.