خطر داهم يلوح فى الأفق، هذا هو الانطباع الذى سيخرج به أى متابع للصفحات السلفية فى الأيام الأخيرة، فقد تجاوز الجميع أطر السلفية العلمية المنتشرة فى مصر، التى من أهم سماتها نبذ العنف ودعم التغيير بالدعوة لا بالقوة، وبات الجميع على مشارف سلفية جهادية، ترفع السيف والبندقية بدلا من النص والدليل الدينى كما هو المعتاد. فلم تعد حركة «حازمون» وحدها التى باتت فى تعداد السلفية الجهادية، إنما تتبعها الكثير من الحركات السلفية الأخرى، فقد انتشر فى الأيام الأخيرة كثير من المأثورات الجهادية التى تمجد قتلة كأسامة بن لادن والظواهرى وغيرهما، وتصف إرهابهم وخروجهم عن النهج السلفى العلمى إلى الجهادى بالبطولة والتضحية والفداء والإمامة فى الجهاد وغيرها من الأوصاف التى لا يستحقونها بإجماع الآراء بين علماء السلفية أنفسهم.
فنشرت إحدى كبرى الحركات السلفية والأكثر انفتاحا على المجتمع والإعلام وهى «الجبهة السلفية بمصر»، ومن أشهر أعلامها الدكتور خالد سعيد، وكانت قد أُسست لانفتاحها فى بيانها التأسيسى، فقالت إن من أهدافها «تقديم خطاب إسلامى سلفى وتجديدى متميز عن ذلك الخطاب الإعلامى السائد فى الفترات السابقة بحيث يحافظ على الثوابت الشرعية ويتماشى مع الواقع المصرى ليعيش آلام وآمال الناس ولا ينفصل عنهم أو يستعلى عليهم»، نشرت على صفحتها فى «الفيسبوك» صورة كبيرة لبن لادن على واجهة محل بمدينة مطروح، وعلقت عليها بالقول «رحمك الله يا شيخ المجاهدين الصورة من مطروح»، وقبلها بقليل نشرت الجبهة ما سمته بمبادرة لتطوير الأزهر، وهو ما يستغرب بشدة.
فكيف يطرح داعمو إرهاب رسمى -بفتاوى كبار مشايخهم- مبادرة لتطوير الأزهر الوسطى المتسامح، وبالنظر فى المبادرة تجدها ليست أكثر من محاولة لاحتلال الأزهر، فكانت بنود المبادرة «تشكيل لجنة استشارية لشيخ الأزهر تتكون من ممثلى المؤسسات الإسلامية الرسمية، من المفتى ووزير الأوقاف، ومن قيادات التيارات الإسلامية المعتبرة ورموز الفكر الإسلامى، وفتح باب التعليم الأزهرى الشرعى لخريجى الجامعات المصرية غير الأزهرية لتوسيع دائرة الانتفاع من التعليم الأزهرى» إنها محاولة سيطرة وتغيير رأسية وأفقية يستخدمون فيها الأوقاف والمفتى مَطية لإدخال مشايخهم فى شؤون الأزهر على مستوى رأسه وقيادته، ونشْر طلابهم داخل جسد المؤسسة لتتم السيطرة الناعمة بعد وقت قريب، إنه نفس فكر التمكين فى السلفية العلمية، لكن مع سلفيين باتوا أقرب ما يكونون للجهادية، ومما يؤيد أيضا القلق من تحول هذه الجبهة التى صدمتنا برأيها فى بن لادن ما نشرته صفحتها الثانية من جمل تكفيرية لسيد قطب محتفية به يقول «لا إسلام فى أرض لا يحكمها الإسلام، ولا تقوم فيها شريعته، ولا دار إسلام إلا التى يهيمن عليها الإسلام بمنهجه وقانونه، وليس وراء الإيمان إلا الكفر، وليس دون الإسلام إلا الجاهلية، وليس بعد الحق إلا الضلال»، إنها انتكاسة كبيرة أن نعود إلى أفكار مثل أفكار الجاهلية وتكفير المجتمع مرة أخرى. لقد بات المزاج السلفى شديد التعصب، ولا أدرى كيف سيكون حال وتفكير طالب العلم السلفى إذا ما وجد قيادته يبجلون إرهابيا، وينشرون كلمات تكفيرية بأنفسهم، إن فى مدح بن لادن خطرًا كبيرًا، ولماذا كان هذا المدح فى هذه الأيام مع ذكرى 11 سبتمبر، وهل هو احتفال أم صدفة؟
ينبغى أن يتذكر القائمون على الجبهة إجماع شيوخهم وعلمائهم بالسعودية ومصر على رفض فكر بن لادن، فقال عنه الشيخ برهامى بعد وفاته بثلاثة أيام «أسامة بن لادن رجل مسلم نختلف معه وأيضا قالت عنه لجنة الفتوى السعودية قبل وفاته بثلاثة أشهر فقط «إن جميع البيانات والقرارات الصادرة عن هيئة كبار العلماء وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعلماء هذه البلاد، تقر بأن المدعو الضال أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة متقرر لدى العلماء ضلال مسلكهم، وشناعة جرمهم، وأنهم بأقوالهم وأفعالهم ما جرّوا على الإسلام والمسلمين إلا الوبال والدمار، وأى عاقل يدرك عن عالم انحراف هذا المسلك، وأنه لا يجوز لمسلم أن ينتسب إلى تنظيم القاعدة، ولا أن يرضى بأفعاله، ولا أن يتكتم على المنتسبين إليه لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح (لعن الله من آوى محدثا) رواه مسلم.