الثورة على كبير الجنرالات ونائبه، تمت بمباركة قيادات مؤثرة في المجلس العسكري.. مفاجأة فجرها تقرير مطول لجريدة «فرانكفورتر الجماينة تسايتونج» الألمانية واسعة الانتشار، في تعليقها على القرارات الأخيرة للرئيس الدكتور محمد مرسي، بالإطاحة بالقائد العام السابق للقوات المسلحة، المشير حسين طنطاوي، ونائبه الفريق سامى عنان، بعد أيام قليلة من تغيرات عدة، جرت بأمر الرئيس أيضا، في صفوف القيادات الأمنية الكبرى للدولة، واكبت مجزرة الجنود المصريين في رفح، وطالت رئيس المخابرات السابق، اللواء مراد موافي نفسه، بينما جزم التقرير بأن تغيير قيادات الجيش على هذا النحو، لم يكن ليحدث من دون الاتفاق مع معاونيها. حسب التقرير، الذى أعده مراسل الصحيفة فى الشرق الأوسط، ماركوس بيكل، من القاهرة، فإن مرسى لم يقُد انتفاضة كاملة ضد الجيش، وأن «القوة الاقتصادية» للعسكريين ولمؤسسة القوات المسلحة فى مصر، قد حالت دون ذلك، قبل أن يقطع التقرير بحسم، بأن خيار أول رئيس ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، فى تاريخ مصر، كان عدم الاقتراب أو المساس، ولو مؤقتا، وخلال تلك المرحلة بالذات، بالامتيازات المالية والاقتصادية التى يتمتع بها الجيش، أو تقع تحت تصرفه، وربما أيضا استمالة عدد من مساعدى المشير باستمرار تلك الامتيازات، أو تقليدهم مواقع مدنية ذات ثقل اقتصادى. ما تبناه كاتب التقرير، ماركوس بيكل، يبدو متناغما إلى درجة كبيرة، مع ما أعلنه المتحدث الرسمى للرئاسة، ياسر على، قبل يومين، من أن مرسي، كلف وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة الجديد، الفريق أول عبد الفتاح السيسى، ببحث سبل تحسين الأوضاع المالية والمعيشية لأفراد الجيش كافة، فى أقرب وقت ممكن. فى المقابل، برر بيكل سبب قبول عدد من جنرالات المجلس العسكرى، ممن سبق أن تعاونوا وعملوا تحت إمرة المشير طنطاوي، مفاجأة الإطاحة به، بتقلدهم «وظائف مربحة»، الأمر الذي «أغرى رئيس هيئة قناة السويس الجديد الفريق مهاب مميش، القائد السابق للقوات البحرية، لمغادرة موقعه في المجلس العسكري»، على حد قوله، معددا المهام المالية التي أوكلت إلى الأخير، ومنها أن يصبح الآمر الناهى فى الممر الملاحى الأهم فى العالم، ومن ثم بدا بيكل مطمئنا لفرضية أن مرسي لم يكن ليقدم على خطوة إخراج المشير ونائبه من المشهد نهائيا، إلا عبر «الاتفاق مع عدد من جنرالات المجلس العسكرى ال19». «الحرس القديم سيدير المملكة الاقتصادية الكبرى للجيش»، يشير بها بيكل إلى تولى عدد من قيادات المجلس العسكرى، وظائف مدنية ترتبط بالكيان المالى الضخم للقوات المسلحة، مما يجعلهم، حسب المراسل الألمانى، على رأس المتحكمين فى الاقتصاد العسكرى، الذى يمثل وفق مصادر متعددة، ما يتراوح بين 10 و40%، من إجمالى الاقتصاد المصرى. غير أن بيكل أوضح بأن صغار الضباط لا يستفيدون بامتيازات الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، وأن كبار القيادات هم من يقطفون الثمار كلها، وعليه فإنهم قد يضطرون مستقبلا إلى الدفاع عن مكاسبهم، إذا ما حاول الرئيس المساس بماليات القوات المسلحة، فى حين لا يزال المستثمرون الأجانب يعتبرون نفاذ جنرالات الجيش في الاقتصاد المدني، واجتزاءهم جزءا منه، عائقا أمام بناء اقتصاد السوق الحر في مصر، خصوصا أن معظمهم، كالمشير مثلا، بدؤوا حياتهم العملية، قبل فك التحالف المصرى السوفييتى السابق، على يد الرئيس الراحل أنور السادات، فى عام 1979، حينما كانت لسياسة اقتصاد الدولة الموجه، الكلمة العليا، وهو ما لا يزال مسيطرا على العقلية الاقتصادية العسكرية في مصر.