مصرع 3 أشقاء ونجل أحدهم في معركة على قطعة أرض بأسيوط    ارتفاع الناتج الصناعي لكوريا الجنوبية في أغسطس لأول مرة في 4 شهور    الاحتلال يستهدف العاصمة اللبنانية بيروت    البيت الأبيض: قمنا بتأمين قوات طوارئ إضافية في الشرق الأوسط    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    كولر يرفض تعيين مديراً للكرة بالنادي الأهلي بعد رحيل خالد بيبو    ناصر ماهر: ربنا عوضني وكرمني بنادي الزمالك.. والسوبر الأفريقي أغلى بطولة    أستاذ اقتصاد: بعض حراس العقارات يتجاوز راتبهم 10 آلاف جنيه ويطالبون بالدعم    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الاثنين: 4 ظواهر جوية مؤثرة    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 30-9-2024 مع بداية التعاملات    «لو كنتب موجود مكنش هياخد هداف الدوري».. سيف الجزيري يتحدى وسام أبوعلى    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    شراكة استراتيجية مع «الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية في مصر    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    موعد مباريات اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024.. إنفوجراف    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    التعليم تزف بشرى سارة ل "معلمي الحصة"    إصابه 4 أشخاص إثر اصطدام دراجتين ناريتين في المنوفية    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    السعودية تعرب عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع الأمنية في لبنان    أسعار شقق جنة مصر المنصورة الجديدة.. التفاصيل كاملة    سعر استمارة الرقم القومي يصل ل 800 جنيه.. إجراءات جديدة لاستخراج البطاقة في دقائق    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    صالون التنسيقية يفتح نقاشا موسعا حول ملف التحول إلى الدعم النقدي    طبيب الزمالك يكشف آخر تطورات علاج أحمد حمدي    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    السفيرة الأمريكية لدى مصر تشارك في فعاليات برنامج "هى الفنون" بالقاهرة    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    محافظ جنوب سيناء: 15% زيادة متوقعة بحجم الإقبال السياحي في أكتوبر ونوفمبر المقبلين    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    زوج أمام محكمة الأسرة: «كوافير مراتي سبب خراب البيت» (تفاصيل)    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    تامر عبدالمنعم بعد رئاسة "الفنون الشعبية": طالما لدي شباك تذاكر فالمسرح يهدف للربح    4 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال وسط وجنوب قطاع غزة    فصائل عراقية مسلحة تعلن تنفيذ هجوم على هدفين في إسرائيل    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثروت الخرباوي يكتب: كواليس وخفايا الإخوان المسلمين من الداخل .. الحلقة «2»
نشر في الدستور الأصلي يوم 28 - 07 - 2012

تُلحّ علىَّ أحيانا الرغبة فى الصمت.. اصمت، اكسر قلمك، إنك لن تصلِح الكون أبدا، سيجهل قومك مقصدك، سيمزقون صورتك، سيتهمونك فى وطنيتك أحيانا وفى عقيدتك أحيانا أخرى، كن كباقى أصحابك، امسك العصا من المنتصف، حاول أن ترضى الجميع، ما الذى ستربحه من كشف الحقيقة؟! هل تظن أن الحياة مثل الحدوتة التى نقصّها على الصغار؟! فى الحدوتة يدور الصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، وفى النهاية ينتصر الخير وتعلو راية الحق، ولكن الدنيا غير ذلك، الخير لا ينتصر دائما وراية الباطل تعلو كثيرا، ولكن يهزنى «فعل أمر» يصدر من أعماقى، هو «اكتب، اكتب» الكتابة تسبق القراءة، ولولاها ما قال الله لنا «اقرأ»، يبدأ الإنسان طريق المعرفة بقراءة الكتب ثم يرتقى فيقرأ الناس ثم يرتقى فيقرأ الحياة ثم يرتقى فيقرأ الموت ، ولكى نقرأ يجب أن نكتب.

عدد من أعضاء الإخوان كانوا ضباط مباحث ويقدمون للجماعة خدمات كثيرة

بديع حثَّ قيادات الجماعة خلال وجوده فى السجن على الثناء على مبارك ليثبت للجميع أن «الإخوان» لا تعارض من أجل المعارضة
القاعة الكبرى فى المحكمة العسكرية بالهايكستب هى فى الأصل قاعة مسرح، كنا نعيش فى أجوائها وكأننا بالفعل على مسرح تجريبى، نشاهد مسرحية عبثية، يشترك فيها الممثلون والجمهور، يؤدى بعضهم دوره ارتجاليا، ويؤدى البعض الآخر دوره المرسوم له من المؤلف العبقرى الذى كاد ينافس شكسبير فى حبكاته الدرامية، تقع منصة القضاة على خشبة المسرح، وأمامهم ميكروفونات ليصل صوتهم بوضوح إلى كل الجمهور، يقف المحامون والشهود خلف منصة خاصة بهم أسفل خشبة المسرح، أمامهم هم أيضا ميكروفونات، قفص المحكمة كئيب متشابك الأسلاك بحيث يصعب عليك أن تتبين بوضوح وجوه الأشخاص الذين يقبعون خلفه، أما القاعة فتتسع لنحو ثلاثمئة شخص، وبجوار منصة المحامين منضدة مرتفعة وضعوا عليها جهاز تليفزيون كبيرا وجهاز فيديو، وبجوارهما يقف ضابط أمن الدولة عاطف الحسينى، كان العرض المسرحى الذى نشاهده ونشترك فيه هو تسجيل فيديو لمدخل عمارة، الصورة أمامنا جامدة ولكنها كانت تتحرك كل فترة بدخول أحدهم العمارة.

حين دخل الدكتور عمرو البلبيسى لم ينبس الضابط عاطف الحسينى ببنت شفه، تفحصت وجهه لحظتئذٍ فوجدته جامدا لا يشى بما بداخله، وفى نهايات عرض الشريط خرج عمرو البلبيسى من العمارة فلم يحرك عاطف الحسينى ساكنا أو يوقف شريطا، قطع صوت اللواء أحمد الأنور صمت القاعة قائلا: لم تُجب عن سؤالى يا عاطف بك، من هذا؟

رد عاطف الحسينى قائلا: لا أعرفه! فى الغالب هو أحد سكان العمارة ولا علاقة له بتنظيم الإخوان.

كنت أقف بجوار عاطف الحسينى حينما قام بإغلاق شريط الفيديو وصوت الحاجب يخترق آذاننا قائلا: محكمة، معلنا رفع الجلسة، رَبَتَ أحد المحامين على كتفى قائلا: الدكتور بديع يريد أن يتكلم معك.

ذهبت إلى القفص فوجدت عاطف عواد يتحدث مع الدكتور بديع ومختار نوح من خارج القفص، وقفت بجوار عاطف صامتا فسألنى الدكتور بديع: من هذا الذى سأل عنه رئيس المحكمة؟ هل هو واحد من الإخوان؟

قلت هامسا: نعم هو عمرو البلبيسى.

بديع: الحمد لله أن الضابط لم يتعرف عليه وإلا لكانوا قد قبضوا عليه هو الآخر، ربنا نجاه وأعمى بصرهم وبصيرتهم.

أنا: الحمد لله يا دكتور، ربنا ينجيكم.
بديع: على فكرة، إخوانك فى السجن يحبونك كلهم ويدعون لك بظهر الغيب، ويطلبون منك الأخذ بالأسباب، ولا تيأس إن لم تتحقق النتائج فما علينا إلا العمل.

أنا: طبعا طبعا يا دكتور، إحنا تلاميذك.

بديع: أنا من سجنى أساعدك قدر المستطاع، وقد أرسلت إلى إخوانك فى المكتب «مكتب الإرشاد» كى يكتبوا مقالة باسم الحاج مصطفى مشهور وينشروها فى جريدة «الشعب» عن زيارة الرئيس مبارك لبيروت ودعمه لها ولإميل لحود بعد الاعتداءات الإسرائيلية لها.

تدخَّل عاطف عواد قائلا: يا ريت تطلب منهم يا دكتور يكتبوها كويس ربنا يكرمك، أنا خايف يشتموا فى لبنان أو إميل لحود ويقولوا عليه شيعى أو دُرزى!

ابتسم الدكتور بديع وهو يقول: لا أنا طلبت منهم يمدحوا مبارك جدًّا، هذه فرصة لنا كى نثبت أننا لا نعارض من أجل المعارضة.

عاطف عواد: هوّ ده الكلام يا دكتور، ربنا يكرمك، ينبغى أن لا نكون عدميين، نحن نعارض الخطأ ونوافق على الصواب.

بعد انتهاء جلسة المحكمة جلست مع أحمد ربيع فى السيارة لمدة ساعة نتداول ما حدث بالجلسة، قلت له وأنا أختبر فراسته: أظن المسألة واضحة.

ضحك بخيبة أمل: للأسف آه.

استرسلت قائلا: هل يُعقل أن يكون عاطف الحسينى بجلالة قدر أهله لا يعرف مَن هو عمرو عبد الإله البلبيسى، عمرو العضو البارز بقسم المهنيين، عمرو الذى كتب توكيلا لحزب الوسط ثم سحبه؟!

قال أحمد وهو يبتسم ابتسامة ساخرة: أزيدك من الشعر بيتا، عمرو الذى استدعاه عاطف الحسينى أكثر من مرة للتحقيق معه فى أنشطة قسم النقابيين!

قلت: إذن هو من قام بالإبلاغ.

أحمد ربيع: قد لا يكون وحده، العصافير تغرد فى سماء الإخوان.

رددت قائلا: هل تشك فى آخرين؟

أحمد ربيع: هل تعرف أن الأخ إسماعيل بكير كان يعرف خبر اللقاء وكان من المفترض أن يذهب مع مختار نوح وخالد بدوى بسيارته إلا أنه اعتذر فى اللحظة الأخيرة مما جعلهما يستعينان بعم محمود سائق التاكسى المسكين الذى قبضت عليه مباحث أمن الدولة لأيام؟!

أنا: ولكن هذا ليس دليلا على شىء.

أحمد ربيع: نعم ولكن الاحتياط واجب، وخذ بالك أنت تعرف أن بعض أعضاء الإخوان كانوا ضباط مباحث سابقين وهم على صلة قوية بالأمن ويقدمون لقيادات الجماعة خدمات كثيرة من خلال علاقتهم بالقيادات الأمنية فى مصر.

أنا: اعقلها وتوكل.

ضحك أحمد ربيع قائلا: هل ستفعل كحسنى مبارك، مبارك قال مرة فى خطبة له «اعقلها وتوكل» وهو يشير إلى رأسه، وكأنه يظن أن اعقلها من إعمال العقل.

بادلته الضحك وأنا أقول: إذن اربطها وتوكل.

يسألنى صديقى دائما، ما الذى كسبته من محاولاتك التى بذلتها كى تصل إلى الحقيقة؟ أظنك خسرت كثيرا.، نعم يا صديقى، خسرت كثيرا، كى أكسب نفسى.

أعود إلى أوراقى التى دونت فيها مذكراتى كى آخذكم خطوة خطوة نحو كشف المستور، فالقصة لم تبدأ بعد، والحكاية ما زالت فى قلب الحاكى، تضع نفسها على الأوراق على مهل وتؤدة، وها أنا ذا أقرأ قصة «إيكاروس» الذى رام الوصول إلى الحقيقة فأخذ ينشد أهازيجه مترنما:

من رام نبع النور حاك نسيجه

حبلا إلى آفاقه ثم ارتقى

فتسلقوا صوب السماء وشمسها

فلرُبّ طين ٍ قد سما فتسلقا

ظنى أن كل من يحاول الوصول إلى الحقيقة هو «إيكاروس» الجديد، فخلف كل تجربة إنسانية ثرية «إيكاروس» الذى لن يموت ما بقيت الحياة.

الجماعة محضن كالأم، ولكنها يجب أن تتصرف كأم راشدة، الأم الطيبة صاحبة الأمومة الخالصة لا تحرم الوطن من أبنائها، ولا تسيطر على قراراتهم، الإخوان أحوج ما يكونون إلى الوطن، يحتاجون إلى الوقوف على أرضية الوطن لا على أرضية الجماعة، هم فى أشد الحاجة إلى حضن الوطن لا حضن الجماعة، فإذا تنكّبوا سبيل الوطنية فيجب أن نأخذ على أيديهم ليعودوا إلى الصف الوطنى، هكذا حدثتنى روحى، وهكذا تحدثت أنا مع محمد منيب، من محمد منيب؟ إذن اسمعوا قصته وقصتى، تلك القصة التى أماطت اللثام عن جزء من أسرار جماعة الإخوان المخفية، أو قل أماطت اللثام فى المقام الأول عن نفسية من يعيش عمره أسيرا «تحت التوقيف» فى جماعة الإخوان، أو بالأحرى فى جماعة سرية لا تعرف كيف تمارس الاختلاف فى الرأى بل وتعتبره ذنبا كبيرا، الجماعة السرية هى جماعة «إلغاء العقول».

محمد منيب المحامى، نقابى شهير، شغل بعد هذه القصة عضوية مجلس نقابة المحامين متحالفا مع جماعة الإخوان المسلمين، ثم شغل عضوية مجلس الشعب متحالفا أيضا مع جماعة الإخوان، انخرط منيب فى الأنشطة السياسية الناصرية وكان متهما فى إحدى القضايا التى حوكم فيها الناصريون فى أوائل الثمانينيات، وبعد خروجه من المعتقل أسهم فى تأسيس حزب الكرامة وأصبح أحد رموزه، وقد ربطتنى به صلة صداقة واحترام متبادَل، فهو رجل مثقف دمث الخلق، يجيد عرض فكرته ويقاتل من أجلها، ولعلكم ستعجبون حين أقول لكم إن محمد منيب كان هو مفتاح البداية.

بعد فترة المخاض التى انتهت بخروجى من الجماعة عام 2002 والتى اعتبرتُها شهادة ميلاد جديدة لى، حرصت على مقابلة معظم رموز الحركة الوطنية فى مصر، والحديث معهم وإنصات السمع لهم، فالذى أُصيب بالصمم الجزئى بحيث أصبح لا يسمع إلا من اتجاه واحد، يتوق شوقا إلى كل الأصوات من كل الاتجاهات إذا ما انفتحت أذناه على الدنيا، وحين جمعتنى الأقدار بالأستاذ محمد منيب دار بيننا حوار طويل عن التجربة الناصرية والتجربة الإخوانية.

قلت لمنيب: منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أعيش حالة مراجعة فكرية عن الإخوان والحركة الإسلامية وأولوياتها وفهمها، وأظن أننى وصلت من خلال هذه المراجعات والقراءات المتنوعة إلى مرحلة متقدمة، أجدنى الآن أقف على أرض غير أرض الإخوان.

رد منيب مندهشا: مَرْحَى يا صديقى، نحن كذلك فى «الكرامة» فعلنا مثلما تفعل ولعلك تابعت تصريحات حمدين صباحى عن رؤيته للتجربة الناصرية ونقده ما يتعلق بسلبيات الفترة الناصرية فى ما يتعلق بالحريات.

قلت: أنا الآن أكتب بعض أفكار عن الأفكار التى اختلفتُ معها، أدوِّنها لنفسى.

منيب: ولماذا لا تنشرها؟ أنا أيضا شرعت فى كتابة أفكار عن التجربة الناصرية ما لها وما عليها.

قلت: والله شىء طيب، أنا مستعد للنشر، فمثل هذه الدراسات النقدية يجب أن تخرج للناس، ويكون من الأفضل أن ننشر معا، ليتك تكتب مقالات عن نقدك للتجربة الناصرية، وأظن أن هناك الكثير من الصحف التى سترحب بالنشر لنا.

منيب: سأكتب، تقترح فى أى مكان ننشر.

قلت: أنا متواصل مع كثير من الصحف، وأستطيع الاتفاق مع جريدة «صوت الأمة» على هذا.

منيب: فليكن، اكتب ثم سأكتب أنا بعدك.

عكفت عدة أيام على الكتابة حتى أخرجت ثلاث مقالات، وبعد أن كتبت ذهبت بالمقالات إلى صديقين إخوانيين من أحبابى المقربين من منطقة الزيتون، الأول هو أحد الإخوان الكبار واسمه «محمد البدراوى» وهو أخ له تاريخ كبير فى الجماعة إلا أنه كان يحمل فى نفسه العديد من الانتقادات لتنظيم الإخوان فى عهده الجديد بعد أن وقع فى قبضة القطبيين، والأخ الثانى هو أحد شيوخ الإخوان من أصحاب التأثير الكبير على عامة الناس واسمه الشيخ «جابر حمدى» وكان أيضا كثير النقد للجماعة ولكنه لم يصدح بنقده أمام الناس، إذ كان يكتفى بالحديث معنا عن الهُوَّة السحيقة التى وقعت فيها الجماعة، وأزعم أننى تعلمت الكثير من هذين الأخين وما زلت مدينا بالفضل لهما، وإن كانت الأيام والأحداث قد باعدت بينى وبين الشيخ جابر حمدى، كان الأخان، ولا يزالان، من أصحاب الحظوة فى نفسى، ولعلنى أفسح لبعض الأسرار الشخصية أن تتحدث عن أحد هذين الأخين وهو الشيخ جابر، حيث كتب الله لى الحج عام 2000 وكنت فى رحلة الحج هذه مع فوج لا أعرف فيه أىَّ حاج، وفى مِنى دعوت الله من قلبى صادقا أن يجمعنى لحظة الدعاء بشخص أحبه. ثق أنك فى الحج مستجاب الدعوة، فقد كنت أظن أننى أطير ولا أمشى على قدمين من فرط الحالة الوجدانية النورانية التى احتوتنى، وسبحان الله، لم أكمل الدعاء حتى رأيت أمامى الشيخ جابر، وكانت مفاجأة لى، إذ لم أكن أعرف أنه يحج هذا العام!

شغلتُكم كثيرا بالكلام عن بعض جواهر أسرارى، ولكن حديثى هنا له مغزى، وحكايتى لها دلالة، فحينما عرضت على الصديقين أصحاب الفضل علىَّ المقالات التى كتبتها عن خواطرى النقدية للإخوان، رحَّبا بها كثيرا وناقشانى فى بعض معانيها، وأضاف إلىَّ الشيخ جابر بعض أفكارها، وفى نفس الجلسة عرض الأخ محمد البدراوى أن يفتح لى مجالا فى قناة «الجزيرة» وقتها كانت الوحيدة للمشاركة فى برنامج عن الإخوان ورأْى بعض المنفصلين والمفصولين فيها وفى منهجها الفكرى الأخير.

والآن بعد أن مرّ على هذا اللقاء عشر سنوات كاملة، تسكن قلبى الطمأنينة وأنا أتذكر تأثير كلامهما الطيب على نفسى وعقلى: نحن لا نبتغى النقد للنقد، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، كان فى قلبى قبل هذا اللقاء بعض الشذرات التى تجرح ضميرى، كيف أنتقدهم؟! أليست هذه خيانة للعيش والملح؟! من أجل «عضم التربة» الذى جمعنا لا تجعل كلماتك تفرقنا.. بلا جدال كنت أشعر بالحرج من أننى سأتعرض للجماعة بالنقد العلنى، ولكن هبطت كلماتهما على فؤادى فهدهدت شكوكى، تأصيلهما الفقهى للنقد العلنى للجماعة سكن فى ضميرى وأراح فؤادى، قلت لهما قبل أن أنصرف: أنا لا أملك إلا كلمتى سأقولها، والأجر والثواب على الله.

كان صديقى الصحفى الكبير أسامة سلامة رئيس تحرير مجلة «روزاليوسف» وقتها قد قدمنى للأستاذ عادل حمودة فى أثناء قضية النقابيين، والحق أن الأستاذ عادل حمودة رغم خصومته الفكرية مع الإخوان فإنه فتح صحيفة «صوت الأمة» للدفاع عن الدكتور محمد بديع ومختار نوح وإخوانهما المحبوسين، كنت أنا بطبيعة الحال مصدر كل الأخبار التى تم نشرها فى الصحيفة دفاعا عن الإخوان، بل إنه فى أحد الأعداد نشر الأستاذ حمودة رسالة من الإخوان المحبوسين موجهة إلى الأستاذ رجائى عطية وجعلها العنوان الرئيسى للصفحة الأولى للجريدة، وكانت الرسالة مقصودة فى ذاتها لكى يصل صوت المحبوسين للرأى العام، قال لى الأستاذ عادل: أنا أختلف مع الإخوان جدا ولكننى مع حقهم فى الحرية.
عندما أخبرت الأستاذ حمودة بأن لدىَّ سلسلة مقالات عن الإخوان وهى بمثابة دراسة نقدية لهم، رحب بنشرها جميعا، كانت افتتاحية المقالة الأولى مشكلة، إذ انتقدتُ فيها المستشار مأمون الهضيبى، وقلت إنه قال فى مناظرته بمعرض الكتاب فى أوائل التسعينيات فى مواجهة فرج فودة «إن الإخوان يتعبّدون لله بأعمال النظام الخاص قبل الثورة»، وإن كلماته هذه كانت جارحة لمدنيتى وسلميتى، أنتعبد لله بالاغتيالات والتفجيرات؟!! أىُّ إسلام هذا؟! وما الذى دعا المستشار الذى يحترم القانون إلى أن يقول قولا لا يحترم القانون؟!

نُشرت المقالة فى جريدة «صوت الأمة»، وكانت بمثابة مفاجأة لكثيرين، أذكر أن المقالة الأولى أثارت حالة من الجدل، ولو عدنا إلى هذه المقالات لوجدتنى أستشرف فيها مستقبل الجماعة وأكتب أدواءها.

رنّ هاتفى المحمول مساء اليوم التالى لنشر المقال وكان الذى يهاتفنى هو الصديق الصحفى عبد الحفيظ سعد الذى كان يعمل وقتها فى «صوت الأمة».

قال لى عبد الحفيظ: المقال عامل ردود فعل كبيرة يا أبو يحيى، وهناك من أرسل إلينا ردًّا على مقالك.

استفسرت قائلا: مَن الذى أرسل؟

عبد الحفيظ: الأستاذ محمد البدراوى والشيخ جابر حمدى.

قلت: تقصد أنهما أرسلا يؤيدان نقدى أو يختلفان مع بعضه؟

عبد الحفيظ: لا، يردان عليك، يقولان كلاما سيئا فى حقك، سأحضر لك ردهما لأن الأستاذ عادل يريد أن ترد أنت عليهما، ستصاب «بالاستبحس» والذهول يا صديقى عندما تقرأ ردهما.

لم يتلقَّ عبد الحفيظ ردًّا منى فقد كان الصمت حينئذ أبلغ من الكلام.

الحلقة الثالثة الإثنين القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.