.. نقلت لكم بالأمس موجزاً لأهم أنباء بعض مدن الصعيد التي شملتها رحلتي الأخيرة لطرق أبواب الأقصروأسوان، ودراو، ونصر النوبة، وبلانة، والمريس، والكوبانية، وعنيبة، وأبوسمبل، وتوشكي في الفترة ما بين 24 فبراير و26 فبراير 2010. .. واليوم أعرض لكم بعض أنباء هذه البلاد بالتفاصيل المعفرة بتراب الواقع، ومراراته.. .. في المريس التي تبعد 20 كيلومتراً عن مدينة الأقصر والقابعة علي شطها الغربي مازالت الدولة مُصرة علي إخلاء المنطقة من سكانها الأصليين قسرياً لتحويل أراضيها إلي مارينا سياحية ترسو فيها البواخر!! .. عشرات الآلاف سينتزعون من بيوتهم وأراضيهم الخصبة من أجل المارينا السياحية التي أكدت تقارير هندسية محايدة للدكتور ممدوح حمزة إمكانية إقامة هذه المارينا في موقع آخر أفضل- علي بعد كيلومترات قليلة- ودون أن يدفع الناس الثمن، لكنه العناد من أجل العناد!! .. في قرية الكوبانية القريبة من مدينة أسوان.. دماء سالت منذ أسابيع قليلة بعد مصرع مواطنين من الكوبانية برصاص رشاشات آلية استخدمها بلطجية أحد رجال الأعمال الذي حظي بقرار تخصيص لكامل أراضي الظهير الصحراوي للكوبانية الذي يغلق فرص نموها وتمددها العمراني لحساب رجل الأعمال الكبير، وأيضاً بمنطق عناد الناس!! .. الغريب أن خبر إطلاق النار ومصرع مواطنين وضبط صناديق من الذخيرة والأسلحة الآلية لم يستوقف صحيفة واحدة!! بل إن خبر إطلاق سراح الجناة بكفالة!! لم ينشر هو الآخر؟!! وكأن هذا الذي يحدث في وطن آخر أو خارج حدود مصر!! .. من أغرب الأنباء التي وقفت عليها في زيارتي لمنطقة تهجير النوبة «نصر النوبة وبلانة وعنيبة وجنتة وأبوسمبل وتوشكي» أن وعود السيد الرئيس مبارك لأهل النوبة بحل مشاكلهم والاستجابة لطلباتهم- في أكتوبر الماضي- تحولت إلي مجرد أحلام وبالأصح كوابيس! .. اختفي الحديث عن عودة قري النوبة إلي مواقعها حول بحيرة السد، وتقلص الأمل في تخصيص وادي الأمل الذي باعته المحافظة للمستثمرين الأجانب. .. لم يعد هناك اختيار- ثانٍ- لأهل النوبة غير وادي كركر- وما أدراك ما كركر- أراضٍ صحراوية تبعد 40 كيلومتراً عن البحيرة.. لا ماء فيها ولا أمل في زراعة أو مرافق أو تنمية بفعل تربة صحراوية حجرية وأراضٍ منحدرة قليلة الجودة. .. الرئيس قال بوضوح، وبعد عقود من الصمت: أبناء النوبة منا، وشوفوهم عايزين إيه واعملوه لهم أراضي ومساكن وزراعة وساعدوهم وقولوا لهم بس ملهمش دعوة بالجماعة إياهم اللي بيستخدموهم في أغراض سياسية!! .. وعقب تصريح الرئيس الذي احتفت به جميع الصحف ووسائل الإعلام، عاد الرئيس من أسوان وعاد المسئولون الذين خصصوا علي الهواء «ملياراً و300 مليون جنيه» لتنفيذ وعود الرئيس إلا شيئاً لم يبق علي أرض الواقع!! فلا أراضي إلا في كركر التي سبق أن رفضها أبناء النوبة ومازالوا يصرخون من مجرد ذكرها.. ولا منطق من الإصرار عليها غير عناد أهل النوبة والمزيد من شهوة التنكيل بهم!! .. محافظ أسوان لطيف جداً.. فالرجل مشغول جداً بأغنية هيفاء وهبي عن القرد النوبي واعتذارها وقبوله من عدمه، بينما لم يشغل الرجل نفسه بما يحقق الحد الأدني من الإنسانية للإنسان والمواطن النوبي!! .. هذه بعض الأنباء والمشاهدات وحكايات رحلتي الأخيرة لطرق أبواب جنوب مصر التي لم ينشر عنها سطر واحد في أي صحيفة!!