عانى الشعب المصرى كثيرا من التضليل عبر حكامه السابقين، وزاد فى سنوات حكم حسنى مبارك المخلوع، الذى أراد بمساعدة عصابته البقاء فى الحكم أبدا وتوريث الحكم من بعده لابنه جمال. وقد مارس النظام المخلوع كل أنواع التضليل والكذب على الناس بفضل إعلام صفوت الشريف ومن بعده أنس الفقى وبسيطرتهما الكاملة على الصحافة الحكومية (المملوكة للشعب فى الأساس) عن طريق رؤساء تحرير تلك الصحف الذين عيَّنهم النظام فى مناصبهم.. فأبدوا ولاءهم الكامل وزادوا فى النفاق والموالسة وتضليل الناس وأركانه وعصابته.. فكانوا أفرادًا من العصابة مقابل غضّ نظر النظام عن نهب مؤسساتهم وتكوين ثرواتهم بالحرام (كثيرون منهم متهمون بالكسب غير المشروع).
وقدم هؤلاء مبارك على أساس أنه يعمل من أجل الفقراء -كما كان يدَّعى أو رسموا له ذلك- فى نفس الوقت الذى كان ينهب فيه ثروات البلاد ويتلقى رشاوى وهدايا وصل الأمر فيها إلى أن تأتى من موظفين ومسؤولين فى الدولة.. للإبقاء عليهم فى مناصبهم حتى ينهبوا هم أيضا من خيرات البلد.
وانتقل التضليل إلى المسؤولين الكبار فى نظام مبارك الذين عملوا لمصلحة شخص واحد فقط.. فكان احتقارهم للشعب.
هكذا فعل عمر سليمان عندما كان فى عصابة مبارك ومدير مخابراته حتى وصوله إلى منصب نائب الرئيس الذى جرى تعيينه فيه أيام الثورة لالتفاف الشعب لصالح مبارك.. وكان على علم بكل الاتفاقات السرية التى أجراها مبارك وعلى رأسها اتفاق تصدير الغاز إلى إسرائيل، وكان طرفا أصيلا فيها.
وساعد رجل الأعمال حسين سالم على تهريب أمواله إلى الخارج.. ناهيك برموز النظام الآخرين!
وفى أيام الثورة.. اتهم الشعب المصرى بأنه غير مؤهَّل للديمقراطية.. وبدأ فى عقد اتفاقات مع بعض القوى لتفريغ الثورة وإجهاضها وفضّ ميدان التحرير من المتظاهرين.. وقال إنه جاء لمساعدة حسنى مبارك، لكنه يأتى اليوم ويعلن ترشيح نفسه للرئاسة بعد الثورة التى قامت ضد رئىسه وضده شخصيا، وقد لفظه الثوار عندما أعلن مبارك أنه فوض سلطاته لنائبه عمر سليمان ليخرج الهتاف العفوى السريع «لا مبارك ولا سليمان.. مش عايزينه هو كمان».. إلى أن تم خلعه مع رئيسه يوم 11 فبراير.
يأتى لممارسة التضليل على الناس الآن.. بأنه سيعمل على استكمال أهداف الثورة.
وقد بدأ فى استخدام نفس الآلة الإعلامية التى كان يستخدمها النظام المخلوع ممن وضعوا أنفسهم فى خدمة مبارك.. ومستعدون ليضعوا خدمتهم لصالح أى نظام.. ويتسابق البعض إلى تقديم خدماته إلى المرشَّح «المضلِّل» الذى كان يجب أن يُسجن مع مبارك بنفس التهم، بل هناك تهم أكثر لمشاركته فى التعذيب الذى وصل لدرجة أنه يعمل للغير وبالاتفاق مع أجهزة مخابرات دولية.
فها نحن نرى الآن نفس الإعلاميين ورؤساء التحرير الذين كانوا ضد الثورة.. ومنهم من أمسك العصا من المنتصف.. ليُسهِموا فى النهاية فى التضليل واحتقار الشعب من أجل عنصر فاسد كان يجب استئصاله لتطهير المجتمع من أمثاله وأمثالهم!
نفس الأمر ينطبق على المرشح الرئاسى أحمد شفيق الذى يسعى إلى التضليل وجاءته الجرأة الفجة لأن يترشح ويسعى لاحتلال منصب الرئاسة ولو «بفلوسه» التى حصل عليها فى ظل مشاركة نظام مبارك.. وهو الذى رفض أن يصف الأحداث فى شهر يناير بأنها ثورة.. ليأتى الآن لاستكمال أهداف الثورة!
الأمر أيضا ينسحب على المرشح الإسلامى حازم صلاح أبو إسماعيل الذى استخدم مهنته كمحامٍ فى إثارة أنصاره أمام مجلس الدولة فى قضية الجنسية الأمريكية للسيدة والدته ويحصل على حكم لا يمنع أن تكون والدته قد حصلت على الجنسية الأمريكية فعلا.. فمضمون الحكم أن تمنحه وزارة الداخلية شهادة بأن السيدة والدته مصرية ولا تحمل جنسية أمريكية!
ومن قال إن السيدة والدة المرشح الرئاسى حازم أبو إسماعيل ليست مصرية؟ لكنها فى نفس الوقت حصلت على الجنسية الأمريكية وابنتها حنان التى كانت تقيم معها فى أمريكا تعرف ذلك وكذلك زوجها د.محسن حمزة.. والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل يعرف كذلك.. ولم يتم إعلام أو إعلان وزارة الداخلية بأنها حصلت على الجنسية الأمريكية، ولدى اللجنة العليا للانتخابات أوراق تؤكد ذلك، بما فيها صورة من الطلب المقدم من السيدة نوال عبد العزيز نور والدة الشيخ حازم للحصول على الجنسية الأمريكية، التى حصلت عليها بالفعل فى 25 أكتوبر 2006.
إنه التضليل والمرض الذى ورثناه عن النظام المخلوع.. وللأسف كنا نعتقد أننا سنشفى منه بعد الثورة ونمارس الشفافية على الناس خصوصا من يسعون لتبوُّؤ المناصب العليا وعلى الأخص المنصب الرئاسى.