عمر حاذق يكتب: بين أحمد بسيوني وأبيه.. الاستشهاد في صمت عمر حاذق هل لاحظت عزيزي القارئ كيف رحل والد الشهيد أحمد بسيوني في صمت وتجاهل تاميْن؟ هل تعرف شيئا عن هذا الرجل العجوز؟ شاهد هذا اللينك وتأمل كيف يتحدث عن ابنه فيغلبه بكاء يمزق القلوب: http://www.youtube.com/watch?v=2goNOxU0L7Q الحقيقة أنني لم أفكر في تخصيص مقال عن موضوع كهذا: رحيل والد أحد الشهداء، لأن اللحظة الراهنة ممتلئة بالقضايا المهمة سواء سباق الرئاسة المضحك، حيث عرفت اليوم أن "حانوتي" تقدم بأوراق ترشيحه، أو كوارث مجلس الشعب، الذي اسمه الحركي "برلمان الثورة"، كما يصر سراج الدين مثلا منذ سنوات على تسمية مكتبة الإسكندرية "منارة حرية التعبير" ثم يتفرغ بعد الثورة لقطع عيش العاملين الشباب المطالبين بالإصلاح، على رأي المتنبي: وكم ذا بمصرَ من المضحكات ولكنه ضحكٌ كالبُكا هذه البلد المليئة بالمساخر تحتاج أن تُخصص لها مقالات وصحف كثيرة لفضح فساد نظامها وعسكرها، هل تعرف الجريمة الكبرى لهؤلاء العسكر؟ حاول أن تتذكر ليلة 7 فبراير حين تحدث وائل غنيم عن الشهداء مع منى الشاذلي، هل تتذكر التأثير الهائل لصور الشهداء ودموع وائل غنيم وحديثه الصادق الرقيق؟ الآن اسأل نفسك: عندما يسقط شهيد في أي مظاهرة أو اعتصام، بماذا يشعر المصريون؟ وكيف يستقبلون هذا الحدث؟ ألا تسمع اتهامات مشينة لأرواح الشهداء الغائبة وأعراض البنات المنتهكات بدلاً من ذلك التعاطف الهائل الذي هو إنساني جدا وطبيعي جدا؟ ألا تلاحظ كيف عوّدنا هذا المجلس العسكري المحتل على فكرة "قتل" المصريين؟ بحيث لا نكتفي بالجمود تجاهها بل نتطاول على الشهداء ونبرر قتلهم؟ أيام الثورة كنت أسير في المظاهرات المليونية فلا أجد إلا الحرص التام على سلامة البنات وراحتهن، والآن يقول بعض المصريين عن فتاة مسكينة: إيه اللي نزلها من بيتها؟ هذه أكبر جرائم هذا المجلس البغيض. في مقطع الفيديو السابق ستسمع والد أحمد بسيوني يحكي عن استشهاد ابنه، فلا يتمالك نفسه خلال الحديث فيبكي بمرارة ثم يلتقط أنفاسه ويقول إنه مصمم أن دم ابنه "مايروحش هدر"، ويحسبن على حبيب العادلي. يحاول الرجل الهش المريض أن يقنع نفسه أن ابنه انتصر بعد تنحّي مبارك وانتصار الثورة كما تصوّر يومها؛ ذكّرني بمشهد لا يغيب عن ذاكرتي أبدا، في يوم 11 فبراير أيضا وأنا في المظاهرة حين عرفنا خبر التنحي وبدأنا احتفالاتنا، حين نبّهتني زوجة صديقي أن شابا وحيدا انزوى على سور الكورنيش وبدأ يبكي بحرقة متناقضة كليةً مع المشهد المتفجّر بالفرح، ذهبنا إليه وسألناه فأخبرنا بصوت ممزق بالدموع أنه تذكّر الآن شهيدا من أقرب أصدقائه. واساه أصدقائي وعانقوه لكنني اقتربت منه ورجعت فورا؛ لم أملك أن أواسيه ولو بكلمة. وظل المشهد محفورا في ذاكرتي؛ كم أنت قاتل يا مجلس يا عسكري ويا وزير الداخلية، وكم أنت مسئول ومدان يا برلمان المجلس العسكري يا من تريد تطبيق حد "الحرابة"، بينما تصمت على المجرمين الذي حاربوا ويحاربون الله ورسوله والإنسانية والأديان كلها، ويقتلون ويروّعون البني آدمين بهذه الوحشية؟ ابحث أرجوك على اليوتيوب عن اسم الشهيد أحمد بسيوني أو زياد بكير أو غيرهما، وحاول أن تستعيد ذاكرتك الإنسانية وتعاطفك الفطري البسيط مع شاب قُتِل ليحقق حلمك وحلمي؛ ستجد في هذه المقاطع زوجة الشهيد بسيوني تتحدث بحرقة عن إحساسه الشديد بالظلم وضياع فرص كثيرة عليه كان يستحقها كفنان ومعيد بكلية الفنون الجميلة، ستجدها تتحدث بحرقة عن طموحاته التي أجهضها مبارك وحكومته المجرمة حين تفنن في زرع الفساد في جميع أجهزة الدولة؛ كان أحمد رحمه الله يفكر مع زوجته في الفترة التي يستطيع أن يفارقهم فيها ليسافر في منحة فنية خارجية، اتفق مع زوجته أن 3 أشهر فترة قاسية لكنها محتملة، ثم تحاملت زوجته على نفسها ووافقت على ابتعاده 6 أشهر إذا كانت المنحة مفيدة جدا لمستقبله الفني، واتفقا أيضا على استحالة سفره لمنحة تصل لسنة كاملة. الآن مرت السنة تقريبا وأحمد رحمه الله غائب في منحة دائمة؛ إنها منحته هو لي ولك ولمصر كلها. ابحث أرجوك واستمع لشهادات من حضروا واقعة استشهاده، حين سقط شهيد في الميدان برصاص القناصة فسارع أحمد لموقع الحدث ليصور المشهد ويوثقه حفظا لحق الشهيد، لم يستجب لنداء زملائه وتجاوز أحد الحواجز الحديدية ليصور بدقة فأطلقوا عليه الرصاص ثم دهسته عربة شرطة، فأصابته بتهتك بطول جانبه الأيسر: الضلوع والرئة والقلب؛ لا تستكثر على الشهيد أن نتخيل أشلاءه فيعصرنا الألم، لأن ذلك سيدفعني وسيدفعك لمواصلة ثورتنا التي ستنتصر بإذن الله لكنها تُحارب بضراوة. لم أكن أريد الكتابة عن كل ذلك، كنت أريد الكتابة عن الشهيد والد الشهيد؛ الرجل الذي عاش سنةً يحلم بأن دم ابنه "مايروحش هدر"؛ الرجل الذي وضع أمله في شباب البلد: فيكَ وفيكِ وفيّ، فخذلناه حتى قتله القهر. أنا آسف يا عم بسيوني، أعدك: مادمنا أحياء، فلا تقلق؛ الثورة مستمرة.