د.نادر فرجاني يكتب: تصور إسلامي لإصلاح الاقتصاد في مصر يغيب عن أغلبيات المجالس التشريعية الحالية د.نادر الفرجاني حيث لم يصدر عن التيارات الإسلامية المهيمنة على السياسة في مصر الآن نقد جاد لنسق الاقتصاد السياسي الحكم التسلطي الساقط، أو إقتراح بديل أفضل، والذي أنتج المظالم الفاحشة التي قامت ثورة شعب مصر العظيمة لدرئها، نخشى أن يكرر حكم تيارات الإسلام السياسي في مصر، النسق ذاته، فقط مع تغيير الوجوه، من مثل أن يتحول المحتكرون للأسواق من أصحاب الذقون الكثة الشعثاء بدلا من خريجي الجامعات الأمريكية، بينما يبقى الاحتكار ومفاسده، منتجا المظالم نفسها، مستحثا الشعب على القيام بموجات تالية من الثورة الشعبية. يقوم هذا المقال على مقارنة تصور للكاتب بوجهة نظر مستقاة من آثار طيب الذكر، وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان وقتها، الشيخ محمد الغزالي، عليه رحمة الله، في كتابه القيِّم الصادر عام 1947 بعنوان" الإسلام والأوضاع الاقتصادية"، الصفحات 206-208. والشيخ محمد الغزالى هو واحد من قادة الفكر الإسلامى المستنير فى العصر الحديث، عرف عنه تجديده فى الفكر الإسلامى وكونه من المناهضين للتشدد والغلو فى الدين، ولقي ربه فى مثل هذه الأيام، في 9 مارس 1996 فى السعودية أثناء مشاركته فى مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر. في كتابات حديثة طالب الكاتب بأن يقوم نسق الاقتصاد السياسي في مصر الثورة على المبادئ التالية، التي يجب، لأهميتها البالغة لإقالة الأمة من عثرتها التي أورثها إياها الحكم التسلطي الساقط، أن تُضمَّن في الدستور الجديد: حماية أشكال الملكية الخاصة والتعاونية والعامة (ملكية الشعب وليس الحكومة، خاصة في مجال البنية الأساسية) مع التزام جميع المشروعات بأصول الإدارة العامة السليمة (الإفصاح والشفافية واتساع نطاق المتابعة والمساءلة). ضبط الدولة لجميع صنوف النشاط الهادف للربح لضمان المصلحة العامة من خلال حماية المنافسة وضرب الاحتكار. ضمان الدولة للعدالة التوزيعية من خلال نظام عادل للضرائب التصاعدية على الدخل، والثروة لاسيبما الإثراء، تستغل موارده لضمان تمتع جميع المواطنين بخدمات التعليم والصحة جيدة النوعية، وضمان الأمن الإنساني للجميع، خاصة الفئات رقيقة الحال في المجتمع. تبني الدولة نمط إنتاج المعرفة، ما يستلزم. · إصلاح التعليم الأساسي لترقية نوعيته، وإقامة نسق للتعليم المستمر مدى الحياة، لضمان الانتشار الكامل وترقية النوعية (حفز مهارات الابتكار والإبداع) · تطوير منظومة قادرة للبحث العلمي والتطوير التقاني في جميع مناحي الحياة، من خلال إقامة نسق وطني للابتكار والإبداع، لضمان ولوج عصر المعرفة باقتدار . تشجيع الإدخار المحلي وتطوير البنية الإنتاجية للاقتصاد من خلال إثابة الإبداع والتجديد . تحفيز المشروعات كافة على خلق فرص العمل *الجيدة* ورفع الإنتاجية، من خلال الحوافز الضريبية وغيرها. . تشجيع المشروعات الصغيرة والصغرى، خاصة تلك كثيفة العمالة وعالية الإنتاجية، ودعم اشكال الملكية، والإدارة، التعاونية لتعزيز إنتاجيتها، من خلال خدمات التمويل والدعم الفني والتسويق. . محاربة جميع أشكال الاحتكار والفساد (بمعنى الاكتساب غير المشروع للثروة أو السلطة) من خلال دعم وإنشاء نسق كفء للنزاهة في عموم المجتمع، خاصة في ميداني الإدارة العامة والنشاط الاقتصادي. وينظم القانون محاكمات المسئولين في المجالين عند الاقتضاء . تضطلع الدولة بدور فاعل في قيادة التنمية الإنسانية المستقلة من خلال التخطيط التأشيري والتوافر على تطوير المشروعات المملوكة للشعب. تتحمل الدولة مسئوليتها في إقامة العدالة الاجتماعية من خلال: ضمان حد أدني من العيش الكريم لجميع المصريين من خلال شبكات فعالة للأمن الإنساني، وضمان حد أدني للأجور والمعاشات يرتبط بمستوى غلاء الأسعار، ووضع حد أعلى للأجور. على وجه الخصوص، كما تضمن الدولة حدا أدني للعيش الكريم لغير القادرين وأصحاب الاحتياجات الخاصة. تضمن الدولة توافر الرعاية الصحية للجميع بغض النظر عن المقدرة المالية، وألا يحرم طفل من التعليم الأساسي (10 صفوف) راقي النوعية وألا يحرم طالب علم مجيد من المراحل الأعلى من التعليم، بسبب ضعف قدرة أهله المالية، خاصة من الفئات الاجتماعية المحرومة حاليا. استعادة بعض أصول شعب مصر التي تم نهبها من خلال عملية الخصخصة الإجرامية، مع تعويض مالكيها بما لا يتعدى ما دفعهوه من أثمان (وليس بالقيمة السوقية اللاحقة أو القيمة وقت الاستعادة). وقد أدهش الكاتب، وأثلج صدره، مقدار التوافق في هذا الطرح مع رؤية قديمة للشيخ الغزالي نشرها في العهد الناصري ونجدها معاصرة تماما في ظروف مصر بعد الثورة الشعبية العظيمة، فما أشبه الليلة بالبارحة. وفيما يلي مقتطف طويل من كتاب الشيخ الغزالي المذكورن رجاء قرائتها بالنظرلا غلاى أحوال مصر الآن. "وخطط الإصلاح التي رسمناها توجب علينا - دينا ودنيا - أن نشكل أوضاعنا الاقتصادية على نحو جديد، إن كنا حقاً جادين في دفع غوائل الفوضى والفساد عن بلادنا: 'وأمامنا صور حية، وبرامج مدروسة، وأنظمة مطبقة في كثير من أقطار الأرض، يجب أن نقتبس منها، ما نقيم به العوج، ونحسم به الداء، ونقترح - على سبيل المثال لا على سبيل الحصر - الحلول الآتية لإنهاء بعض مشاكلنا السياسية والاجتماعية والأخلاقية. 'تأميم' المرافق العامة، وجعل الأمة هي المالكة الأولى، لموارد الاستغلال، وإقصاء الشركات المحتكرة لخيرات الوطن، أجنبية أوغير أجنبية، وعدم إعطاء أي امتياز فردي من هذا القبيل. تحرير الملكيات الزراعية الكبرى وتكوين طبقة من صغار الملاك، تؤخذ نواتها من العمال الزراعيين. فرض ضرائب على رؤوس الأموال الكبرى يقصد بها تحديد الملكيات غير الزراعية. استرداد الأملاك التي أخذها الأجانب، وإعادتها إلى أبناء البلاد وتحريم تملك الأرض المصرية على الأجانب، تحريماً مؤبداً. ربط أجور العمال بأرباح المؤسسات الاقتصادية، التي يعملون فيها بحيث تكون لهم أسهم معينة، مع أصحابها في الأرباح. فرض ضريبة تصاعدية على التركات، تنفق في وجوه الخير على النحو الذي أشار به القرآن إذ يقول: 'وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفاً'. هذه خطوط صغيرة، نمهد بها لجعل الأمة طبقات متوازنة، لا طبقات متعادية، ونختم بها المآسي المريرة التي تمخض عنها نظام الطبقات المعروف بمظالمه ومخازيه. ثم يجب بعدئذ أن تمحى الأمية محواً تاماً، وأن تعمم مراحل التعليم الابتدائي والثانوي، وأن يجبر كافة الأفراد على الانتظام في التجنيد العسكري وأن تتكافأ الفرص، أمام أبناء الأمة جميعاً، في أخذ نصيبهم من الحياة الصحيحة وأن تلغى الألقاب الجوفاء، فلا تبقى إلا الألقاب العلمية والعسكرية ونحوها، وأن تصادر ضروب التحلل الخلقي والإلحاد الديني، وأن يعني بتربية الطفولة تربية طيبة، وتوجيه الرجولة توجيهاً سديداً فاضلا، وأن تتضخم ميزانية الدولة لتنفيذ هذا المنهاج، فلا يجوز أن تكون هناك عوائق اقتصادية، تحول دون أن تنتفع به الأمة وترتفع. ولو لم يبق لكل فرد من أفراد الشعب إلا قوته الضروري لما جاز أن تتراجع الدولة في تحقيق هذا البرنامج، الذي تعلن به الحرب على الظلم والجهالة والاستعمار! أجل فلتفرض الدول على الأملاك ما تشاء من القيود، وعلى الأموال ما تشاء من الضرائب، وعلى الأوضاع الاقتصادية ما تشاء من الأنظمة، فإن الدين ظهيرها في هذه الوسائل السهلة أو الصعبة، ما دامت تريد من ورائها حماية جمهور الشعب، من أن يسقط فريسة سهلة للاستعمار الداخلي أو الخارجي على السواء". كما أضاف الشيخ الغزالي في مقدمة الطبعة السادسة كتابه "لإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين" الصادرة عام 1961، والذي كان صدر عام 1947 ، عن دوره في التمهيد لثورة يوليو 1952، وأخذها بما سبق ونادى به، ص5-8: "إذا دعونا إلى إطعام المحروم، وتشغيل العاطل قالوا، شيوعيون، وإذا بذلنا من كسبنا الحر، قالوا، متصلين بكذا، وكذا، وإذا ناقشنا بالحسنى، قالوا خطرون على الأمن، والغريب أن ما دعونا إليه منذ سنين أصبح اليوم منهاجاً تنادي به أحزاب وهيئات. على حين يظن فريق من الناس أن هذه الخدمة ممكنة بالكهانة الجامدة والروح الباردة، والقراءة الخالية من الفقه والأفكار التي سادت عهد المماليك! وعلى كل حال فنحن ماضون إلى غايتنا، من عمل للإسلام وعمل للأمة، سائلين الله أن يرزقنا التوفيق والسداد، في هذا اللون من الجهاد." رحم الله الفقيد وأمثاله، وأين ما جاء به من طروح قادة تيارات الإسلام السياسي و"الدعاة" السلفيين الآن؟!