د.هشام عبد الصبور شاهين يكتب: إتفضّل.. دستور مسلوق على الطريقة السورية ! د. هشام عبد الصبور شاهين يصاب المرء بمشاعر متضاربة حين يشاهد أخبار سوريا على شاشات الإعلام هذه الأيام، فالغضب والمرارة، والحسرة والحنق، والإعجاب والغبطة، والإشفاق والعجز، والغثيان والألم، واليأس والأمل، كلها مشاعر تندفع في رأسي اندفاعا دونه سيل العرم.. المدن السورية أصبحت مدائن أشباح بعد ضجيج الحياة، وخرائب ومقابر بعد عمران وحضارة، واصطبغت أرضها بلون الدم الأحمر بعد أن كانت نموذجا لكل درجات لون الزرع الأخضر، وتلالها الخصيبة دمرت منحدراتها الدبابات والمدرعات، وأهلها أثبتوا أنهم أقدر على التحلي بأقصى درجات الصبر والاحتمال من المصريين، بصبرهم على الأسد وابنه ونظام حكمهما الذي فاق نظامي مبارك وعبد الناصر مُجتمِعَين ! مقدما.. أعتذر لك عزيزي القارئ إذ يحضرني الآن المثل المصري (المقرف) الذي ورد في كتاب العلامة الدكتور أحمد تيمور باشا (الأمثال العامية): (كل واحد بربوره على حنكه حلو) ! أي إن الإنسان يستحسن من نفسه ما لا يستحسنه الآخرون ولا يقبلونه، ونظام بشار الأسد سال بربوره من أنفه على حنكه فاستحسنه، ويريد أن يستحسنه ويقبله الآخرون، بينما هذا غير ممكن، فأطلق كلابه بقيادة أخ الرئيس (المبربر) أيضا؛ لينشروا الرعب والفساد في البلدات والمدن السورية، ويعلنوا الحرب على الشعب، في أمنه وطمأنينته ورزقه وأطفاله وأرواح أبنائه ومستقبله. وتأتي الأخبار كل يوم باستشهاد العشرات وجرح المئات، وهدم البيوت وقصف المساجد، واقتحام المستشفيات وقتل الجرحى والأطباء، وتفجير مشيّعي جنازات ومواكب الشهداء، ومنع إسعاف المصابين، كل هذا في جوّ قارس البرد بلا مازوت أو بوتاجاز أو بنزين، فقط هناك صبر وإصرار وأمل في رَوْح الله ! وفي أحياء كحي باب عمرو أو باب السباع في حمص، أو دوما في ريف دمشق، يصطف السوريون طوابير طويلة للحصول على رغيف خبز، أو بضعة لترات من المازوت، لكن المخابز أغلقت أبوابها وأطفأت نيران أفرانها، فلا خبز ولا وقود ولا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات، لا شئ.. فقط هناك صبر وإصرار وأمل في رَوْح الله ! ولا يُتوقع من نظام يهوي ويسقط أن يقدم إلى الثائرين عليه شيئا يقويهم على قتاله. ثم يقوم النظام (المبربر) بإجراء استفتاء على الدستور الجديد، ويُخرج على العالم من حنكه النتيجة المخاطية؛ 89 ٪ من الشعب السوري وافق على البربور – أقصد الدستور، يا سلام ! هكذا ؟ أستعير مثلا مصريا (مقرفا) آخر أورده تيمور باشا في كتابه، إن من قام على هذا الاستفتاء الوهمي: (زي غنم العرب؛ تبات تشترّ على بربورها)، وغنم العرب لا تجد في الصحراء ما تشبع منه فتجترّ بربورها، ويُضرب للسيئ الحال المتعلل بما لا ينفع ! ولا يزال التدمير في سوريا مستمرا، والكِبْر والقتل مستعرا، والتجويع والحصار والقصف كالمطر منهمرا، والشعب الثائر لن يهدأ له بال، ولن يعود أبناؤه إلى بيوتهم إلا بأن يبيد حكم الطاغية، سلاحهم صبرٌ لا ينفد، وإصرار وعزيمة لا تلين، وأمل في رَوْح الله لا يتمتع به إلا المؤمنون، واسلمي يا سوريا.