في حرب العراق هتف الكثيرون "يا بوش يا جبان يا عميل الأمريكان". ويبدو أن التاريخ أعاد نفسه، فهتف البعض "يا أوباما يا جبان يا عميل الأمريكان". من البديهي أن نص الهتاف شكلا ومضمونا لا يستحق أي تعليق، سوى الابتسامة، إما الساخرة أو الحزينة على ما وصلنا إليه من عبط. فهل نريد أن يعمل بوش أو أوباما لحسابنا، مثلا؟ وهل أوباما وبوش من بوركينا فاسو وقاموا بخيانتها بالعمالة لصالح الأمريكان؟ في الأشهر الأولى بعد 25 يناير 2011 تحدث البعض عن شكل من أشكال التحالف بين العسكر والإخوان. ولكن بحلول مارس 2011 اتضح أن لا تحالف بين الإخوان والعسكر، ولا يمكن أن يكون هناك أي تحالف على الإطلاق. فهما شئ واحد ووجهان لعملة واحدة. ثلاثة أحداث مرت. الأول، عندما قامت مليشيات الإخوان المسلمين بتأمين دخول أعضاء الجماعة إلى مجلس الشعب. والثاني، عندما وقف الإخوان على منصتهم في ميدان التحرير ليفسدوا أجواء الميدان ويستفزوا جميع من كانوا هناك. والثالث، عندما قامت نفس المليشيات بإقامة درع بشرية لمنع المصريين من دخول شارع مجلس الشعب. لن نتطرق إلى التصريحات المتناقضة والمخادعة والتآمرية لقيادات الإخوان ولعنة غياب الأخلاق والضمير التي كشفت عن جوهر من كنا نحترمهم من بين الإخوان قبل 25 يناير 2011. بعض الثوار أصحاب الضمائر الحية رأوا أن المتظاهرين بدأوا باستفزاز عناصر الإخوان التي شكلت الدرع البشرية لمنع المصرين من دخول شارع مجلس الشعب. ولكنهم لم يسألوا أنفسهم، من هي هذه العناصر، وهل هي قوات أمن شرعية وقانونية ورسمية؟ وهل جاء الوقت الذي تخرج فيه مليشيات لجماعة ما زالت محظورة لتمنع المصريين من الحركة في بلادهم التي سمعنا من الأفواه العطرة "طز في مصر وطز في المصريين"؟ البعض الآخر من الثوار، أو الذين ينتمون إلى حركة الشارع المصري وأصبحوا من نجوم الفضائيات واليوتيوب الداعين إلى الحب والاحترام وعدم التلفظ بألفاظ بذيئة، رأى أن المتظاهرين يستخدمون ألفاظا غير مستحبة تجاه عناصر الإخوان والعسكر والأمن. وكأن عناصر الإخوان وقياداتهم استخدمت ألفاظا قرآنية – دبلوماسية تتسم باللباقة واللياقة وهي تصف شريفة مصر عندما عراها أصحابهم من جنود العسكر. بل وكأن الإخوان وصلوا إلى مجلس الشعب ليعلمونا الدين والفقة والتهذيب، وإخواننا الثوار من نجوم الفضائيات واليوتيوب جاؤا ليعلمونا الأدب واللياقة واللباقة. كلهم يستخدمون عبارات الحب والعشق عندما يوقفون سائق في لجنة أو يعتقلون ناشطا سياسيا أو حتى نشالا في قسم بوليس! البعض الأول واهم، لأنني رأيت بعيني دفعات الأكتاف والتناحة التي تعامل بها عناصر الإخوان وكأنهم أخذوا الأوامر من قياداتهم "الأمنية" بمنع "البلطجية" من دخول شارع مجلس الشعب لأنهم سوف يحتلونه أو يحرقونه. ورأيت كيف يزيفون التاريخ والأحداث من على منصتهم في التحرير. ورأيت كيف قام البعض منهم باستخدام العصي الكهربائية. أما البعض الآخر المهذب والمؤدب، فيبدو أنه يتفق تماما مع التلفزيون المصري والعسكر والإخوان بأن الثوار الآن ليسوا هم من كانوا في 25 و28 يناير 2011. وأن الثوار اليوم هم بالفعل بلطجية ووجوههم مضروبة بخمسمئة "بشلة" ويشمون الكله ويشربون الكولونيا خمس خمسات. وسوف نراعي أن نحصل على تبرعات من عمر أفندي على شكل قمصان بيضاء وكرافتات للمتظاهرين كي يكونوا على مستوى الثورة المصرية العظيمة التي قام بها الشعب المصري العظيم "والله الموفق والمستعان". ولكن في كل الأحوال أقول للقسم الثاني من نجوم الفضائيات واليوتيوب "الثوريون" أن الشعب المصري أسود وأسمر وهناك وجوه صدئة وعيون معمصة وملابس ممزقة وقذرة. هكذا نحن، يا ثوار الفضائيات واليوتيوب المهذبين. ونحن عموم شعب مصر تربينا في الحواري والأزقة ونعرف السخرية والنكت القبيحة والشتائم بالأم والأب والأجداد. ومن لا يعرفها فهو بحاجة إلى إعادة تأهيل. هذا أحد قواميسنا، وأحد أدوات مقاومتنا. لكن جرب، يا أخ، يا ثوري أن تتحدث بأدب وتحترم هذا الحافي الذي يرتدي ثيابا متسخة، سوف يرد عليط بحضرتك، ويا باشا، ويا أفندي. بل وسيبتسم لك. هل فهم الثوار المهذبون الرسالة؟! أنا أنحاز إلى هؤلاء البسطاء الذين يبدون وكأنهم يشمون الكله أو كأنهم نشالون وحرامية ولصوص. أنحاز إليهم لأنني تربيت معهم ونشأت بينهم. وأعرف أيضا أن نظاما استبداديا طوال 40 عاما قام بتحويل أكثر من 80% من الشعب المصري إلى فقراء ومعوزين، بينما البقية الباقية مثقفون متأنقون و"ثوار" فضائيات ويوتيوب ورجال أعمال وعسكر وحرامية وتجار أراضي وحدود. نعم، يا سيدي الثوري والمثقف ورجل الفضائيات: عندما لا تسعفني ثقافتي وتعليمي، عندما تلوك أنت أمامي ألفاظا واتهامات وتخدعني بقرارات وتصريحات، لا يمكنني إلا أن أصدر لك صوتا من أنفي، أو أسب المرأة الكريمة التي ولدت مسخا مثلك. عندما تنهبني وتقتلني، ثم تربت على كتفي وتبتسم لي، لا أستطيع إلا أن أشير إليك إشارة فاضحة بأحد أصابعي، وأطلق عليك نكتة قبيحة، وأعايرك بالحذاء الذي تلبسه من دمي ودم أولاد حارتي أو ورشتي أو الفرن الذي يعمل به ابن عمي. عن أي أدب يتحدث الثوار المحفلطون أصحاب الفضائيات واليوتيوب والتويتر؟! لا مزايدة ولا استعلاء. ولكن يجب أن نضع النقاط على الحروف، فأمامنا ثورة حقيقية لأبناء مصر الجياع والباحثين عن عمل والعاطلين والعمال باليومية في الورش والمصانع. أنا لا أعايرك بأدبك وحفلطتك وزفلطتك، يا سيدي الثوري جدا والضليع والمتكلم جدا جدا، ولكن لا تعايرني بفقري وبانعدام ثقافتي وبضعفي وإنهاكي من جراء نظام فاسد ومستبد دمر حياتي وحياة آبائي وأجدادي. يا ابن الناس الطيبين، أنت كان لديك اختيارات بأن تكون أرستقراطيا أو برجوازيا أو من النخبة، ولكنك اخترت الانحياز إلى الفقراء والمعدمين والعمال والفلاحين، وأصبحت ثوريا عظيما. أما أنا، فلم يكن أمامي أي اختيار. هل تفهم هذه الرسالة، يا ضليع اللسان والكلام في الفضائيات وعلى اليوتيوب والتويتر؟! لن تكونوا قادة لهذه الثورة أبدا. هذه الثورة ستظل بدون قادة، لأننا نحن المصريون نريدها بدون قادة وقيادة إلى أن يظهر الحد الفاصل بين الأبيض والأسود. فلا ألوان رمادية في الثورات، وأنت تجيد الكلام والغمز واللمز. ونحن على "قد حالنا". القادة سيظهرون في الوقت المناسب. ولكن لا مانع من قيادات مرحلية تتميز على الأقل باحترام نفسها واحترام المصريين "المعفنين، أمثالنا، الذين لا يشبهون الثوار في الأفلام التي تشاهدونها أو الكتب الفكرية والتاريخية والثورية العتيقة التي تقرأونها". إن ما يقال في التلفزيون المصري عن الحرامية واللصوص والمدمنين في الميادين والشوارع، لا نلتفت إليه ولا يهمنا من بعيد أو قريب، لأننا نعرف من يتحدث أمامنا ونعرف ما في رأسه وما في قلبه. ولكن كل ما يحزننا أن يخرج علينا ثوري من آخر الزمان ليعلمنا الأدب، ويرى أنه "لا داعي للألفاظ الجارحة والبذيئة". يبدو أنكم لا تعرفون الحواري والأزقة، ولكنكم تبرعون في تحليل الصراع الطبقي ووصف الشرائح المهمشة والطفيلية. لقد حولنا نظام مبارك كلنا إلى طفيليين ومهمشين ومعدمين وجهلة. ولكنها البصيرة، بصيرة الحارة والزقاق والأم التي ربت. إذا احترمتني، سأحترمك وأمنحك عيني. وعكس ذلك سأستخدم كل قواميسي.. أتذكر، يا سيدي ومولاي المثقف الثوري والمنظر التويتري والفضائي أن انتفاضة 18 و19 يناير 1977 كانت أيضا "انتفاضة حرامية"؟!!! ها نحن "الحرامية والمعفنين، يا سيدي التويتري والفيس بووكي والفضائي!! أعود إلى بوش وأوباما عملاء الأمريكان. وأعود إلى "تحالف العسكر والإخوان". أي تحالف والهدف واحد؟ أي تحالف والخلافات التي تجري بينهما هي خلافات أسرية، وسيكشف التاريخ بعد 20 أو 30 عاما كيف تم تدبير المؤامرة وتسليم مصر كالجارية من ... إلى ... لا العسكر سيسلمون السلطة إلى الإخوان، ولا الإخوان سيقبلون بالسلطة من العسكر. والكل يعرف لماذا! فعلام ترشدون وتعولون؟! العسكر بحاجة إلى محلل شرعي، والمحلل الشرعي بحاجة إلى قوة غاشمة وغبية. هذه هي المعادلة البسيطة والمعقدة في آن واحد. لدينا مجالس ثلاثة: العسكري والاستشاري والشعب. تشبه قطع الدومينو.. تستند إلى بعضها البعض على أرض من رمال تسوح من تحت أقدامها. والثورات لا تعرف لا الرمال ولا الألوان الرمادية. وبالمناسبة، سأبحث بمجرد انتهائي من كتابة المقال عن المعنى الحقيقي لكلمة "تعريص" لكي أسند إليها في مقالاتي المقبلة بعض الصفات مثل سياسي وفكري..