بمناسبة الزفة البلدي التي ودع بها أحمد شفيق إمبابة قبل يومين، ثم هستريا التنكيت التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي علي ترشحه لانتخابات الرئاسة والبلوفر والبونبوني، نحتاج إلى تأمل إلى أي مدى أصبحت هذه المواقع ضمير الأمة وسلاح المجتمع لمواجهة المتطاولين والمتطرفين والكافرين بثورة 25 يناير، إذ تثبت أغلب المعارك التي خاضها مجتمع الفيس بوك وتويتر أنه بات قوة حقيقة لا يستهان بها والضمير الجمعي للأمة وصوتها الزاعق الصارخ في وجه كل طاغية ومستبد بقوة الدين أو قوة السلطة والسلطان. لا أحد يعرف مكون هذه التجمعات البشرية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أسلحتها للدفاع عن الضمير الجمعي للأمة معروفة، وهي مزيج من السخرية والتنكيت والتوثيق بالصوت والصورة بالإضافة إلى المواجهة الشرسة لكل من يحاول الاعتداء على المجتمع أو التجاوز في حق الثورة، والمدهش أن ضمير هذه التجمعات حي ووجدانها يقظ، فطن لا يفوت شاردة، فبمقدار حماسه وفخره باللواء الفنجري عندما قدم التحية العسكرية للشهداء،عاد لينتقده بشده عندما هدد الثوار وتوعدهم بسبابته الشهيرة .. تعالوا نتأمل كيف أهال هذا المجتمع الذي يسمونه افتراضياً، التراب على الحزب الوطني ورموزه، وكيف اسقط رؤوس التطرف المتبجحين باسم الدين .. كيف جًرس الفاسدين ( من الجُرسة وهي التشهير بالفاسدين )، وحول مشايخ اعتدوا على وسطية الأمة إلى مسخ ومسخة. لن يغفل أي مؤرخ منصف الدور العظيم الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي ونشطائها لإسقاط الفلول في أول انتخابات بعد الثورة، صحيح أن الشعب هو الذي عاقب الفلول وحجب عنهم صوته، لكن الفضل في ظني يعود إلى هؤلاء الذين أعدوا القوائم السوداء ونشروها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحاربوا كل من يروج لمرشحي الفلول، وهي معركة أثبتت النتائج بعد المرحلة الأخيرة للانتخابات أنها انتهت بالضربة القاضية، وأن الحزب الوطني تبخر وتشتت أنصاره بفضل نشطاء الإنترنت لا سواهم. خذ عندك معركة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي واحدة من المعارك التي سنشهد مثلها الكثير خلال الأيام المقبلة طالما تمسك أنصار التيار الإسلامي بسياسة قنابل الدخان وتصريحات جس النبض وبالونات الاختبار ، وللأسف الشديد انضم السلفيون لمدرسة الإخوان في تطبيق هذه السياسة وكأن الشيء الوحيد الذي أرادوا تعلمه في كي جي1 سياسية هو كيف يعلنون مواقف متناقضة ويطلقون التصريحات ثم يكذبونها فقد تبرأ السلفيون من الدعوة لتأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن دُكت حصونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وامتزج الموقف منها بالسخرية والتهكم بموقف صلب بلغ حد أن أطلق أناس عاديون صفحة على الفيس بوك باسم "البحث عن أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضربهم بالحذاء" وصل عدد مشتركيها خلال يومينإلى أكثر من ثلاثة آلف شخص اعتزموا على مواجهة هذا التشكيل العصابي المسمى بهيئة الأمر بالمعروف وضرب أعضائه بالجزم. صحيح أن هذه المعركة حسمت لصالح وسطية الدين الإسلامي وتسامح المجتمع المصري، لكن أظن أن من أطلقوها سيعدون الكرة ثانية، وأظن أيضاً أن قوة المجتمع الجديدة تقول لهم إن عدتم عدنا. قصة سقوط عبد المنعم الشحات المتحدث باسم الحركة السلفية وأحد النجوم التي طفحت على السطح بعد ثورة يناير تدلل على أن هذا المجتمع الافتراضي المسمى بالفيس بوك ويوتيوب قادر على الانتصار للأمة من كل المتطاولين على حضارتها ونهضتها. ورغم أنني لم انزعج كثيراً بالتصريحات التي أطلقها الشحات وأثارت غضب وقرف الكثيرين، من أن الديمقراطية حرام وأدب نجيب محفوظ دعارة والحضارة المصرية عفنة نظراً لأن الشحات لم يغرد خارج سرب الحويني والبرهامي ومحمد حسان وكثير من سلفي الإخوان، لكن فرحتي بإسقاطه في الانتخابات مصدرها أن الضمير الجمعي لازال حياً، يقظاً وأن المجتمع وحتى وإن كان افتراضياً كما يسمونه يمكنه معاقبة هؤلاء الذين يجاهرون بالتطرف ويعاندون وسطيته وتسامحه أو يحاولون خديعته. نفس المصير ربما كان سيواجه صبحي صالح لو ترشح فردياً في دائرة الرمل بالإسكندرية، فقد أدركت الجماعة كم تآكلت شعبية فقيها الدستوري ففضلت ترشيحه على قوائمها ليحتمي بالقائمة... من يعترض على هذه الرؤية عليه قياس شعبية صالح قبل موقعة "الأخ الفلوطة" ثم ضبطه متلبساً بالكذب على شاشة دريم وبعدها ، فالرجل الذي اختير دون سواء لعضوية لجنة التعديلات الدستورية تحول بعد أيام قليلة إلى مصدر للسخرية والتنكيت على مواقع التواصل الاجتماعي وامتلأت هذه المواقع بمقاطع فيديو تطفح بآراء ورؤى عن شعب الإخوان المختار وتحريف لآيات الذكر الحكيم بوضعها في غير موضعها وتكفير المعارضين فاستحق أن يعاقبه المجتمع ويعرض عنه الناس. قد يحلو للبعض تفسير هذا الانتقام المجتمعي بأن هناك من يتعمد نصب الفخاخ لأمثال صبحي صالح أو الشحات أو أحمد شفيق، لكن المدهش أنهم هم الذين نصبوا الفخاخ لأنفسهم بالانفلات والتطرف والكره للثورة ومحاولة امتطائها، وإلا لماذا سخر مجتمع التواصل الاجتماعي من الشحات ونزع عن صبحي صالح هالة الفقيه الدستوري وحوله إلى مسخ، بينما يقدر كثيراً أناس في وقار وصدق ووسطية عبد المنعم أبو الفتوح أو عصام سلطان، أليسوا منتمين لنفس التيار الإسلامي. الدرس الوحيد الذي أتمنى أن يتعلمه هؤلاء هو أن كل حديثهم في السياسة وحول السياسة، حتى وإن أوهمونا أنه دين، لذا فمن يتحدث في السياسة لا يٌعذر بل يحاسب على ما ينطق به، بل وما يسكت عنه أيضا.. عاشت ثورة مصر وعاش ضمير الفيس بوك.