من كان يظن ليلة العرس الكبير والاحتفال بخروج المخلوع أن ذات الميدان سوف يكون بعد شهور مسرحا لمشهد يعبّرعن نظرة الحكام الجدد للثورة ورأيهم فى الثوار؟.. مشهد جرجرة جثمان الشهيد على أرض ميدان التحرير كأنه نفاية مهملة وضرب جثته بالعصا الغليظة وإلقائه فى كومة الزبالة ..هذا المشهد لو جرى فى أى دولة لاهتزت أركانها ولتزلزلت قوائم الحكم والحكومة والحكام فيها . كيف غاب عن وعينا وقد شاهدته عيوننا ؟ .. هل لكثرة المصائب وزحمة النعوش ؟. أين فصاحة ونصاحة الأعلام والمشاهير الذين يقومون بدور المأذون المزيف لخداع الشعب حينا وإرهابه حينا آخر للرضى بحكم الطغاة الجدد؟.. أين مرشحو الرئاسة الذين ضحى ذلك الشهيد المجهول وما أكثر المجهولين من شهدائنا لأجل أن يتأنّقوا وينمّقوا فى الفضائيات عبارات الدجل والغزل فى حب الشعب والرغبة فى خدمته .. هاهو الشعب تلقى جثثه فى الزبالة . فأين أصواتكم الناعبة وطنطنتكم الفارغة؟! يا أعضاء المجلس الاستشارى الانكشارى بتسمية الدكتور حازم عبد العظيم : هذا الشهيد ليس أدنى منكم منزلة حتى تتجاهلوا ماحدث لجثمانه الطاهر وأنتم تسعون للقاءات تتعلمون فيها التنويم المغناطيسى كأنكم سحرة فرعون، وإن كان السحرة قد آمنوا وتابوا وأنابوا.. يا أيها الإخوان المسلمون الذين استبد بهم الشبق إلى القبّة : لقد مسحوا بجثة الشهيد أسفلت الميدان الذى ستدوسه أقدامكم فى طريقكم إلى البرلمان فلم نقرأ لكم حتى بيان شجب هزيل من نوعية بيانات جامعة الدول العربية ، بل اتهم مرشدكم السابق الشهيدَ الطاهرَ بأنه ورفاقه (عيال التحرير) .. حتى مصطلحات ضباط أمن الدولة فى عهد المخلوع صارت ألسنتكم تلوكها؟!.. وقال مرشدكم الحالى إنكم لم تنزلوا للتحرير حتى لايزيد عدد الشهداء ، وكأنكم كنتم ستنزلون ليس لتكثير سواد الثوار وحمايتهم ، بل لمساعدة الجنود فى سفك دمائهم وسحل جثثهم وإلقائها فى الزبالة!... يا أيها السلفيون الذين كنتم من كل حدب تنسلون دفاعا عن أخواتكم الأسيرات : هاهو أخوكم الشهيد تجرجر جثته ويمثّل بها فلا تتمعّر وجوهكم أو تهتّز منابركم .هل أذكّركم باحترام النبى صلى الله عليه وسلم لليهودى الذى مات وكيف احترم جثته وقام واقفا لجنازته وهو الذى نهى عن القيام للأحياء؟. لو كان المجلس العسكرى يحترم (الشعب المصرى العظيم وشباب الثورة) كما يكرّر فى ديباجة رسائله التى قاربت التسعين لما سمح بمرور هذه الفعلة الشنعاء دون تحقيق وإدانة.. ولو كان لدينا نائب عام يحمى كرامة كل مواطن وخاصة لو كان شهيدا لبادر بأداء دوره فى تقديم المجرمين جميعهم من أدنى رتبة إلى أعلى قمة للعدالة .. أخشى فقط أن يقول أحد السفسطائيين وهم كُثرُ : إن ماحدث لا يشكل جريمة ، ولا عقوبة لها فى نصوص القانون.. مع أنها لو حدثت فى اليونان، كما ادّعى أحد الهاربين، لجثة كلب ضال لما مرّت دون حساب وعقاب .. أما أن تحدث فى مصر بعد الثورة ، و فى ميدان ىالتحرير بالذات، لجثمان أحد الثوار الشرفاء على وجه الخصوص، فهى عار سيظل أبد الدهر لصيقا بمن فعلها و بالنظام الذى حدثت فى كنفه وللمسئولين الذين تقاعسوا عن التحقيق فى حدوثه فضلا عن أن يكونوا قد أمروا باستخدام هذا الأسلوب الدنىء . ولا نستغرب ذلك ، فالذى يهين الأحياء ويذل كرامة الشباب ويهتك عرض الفتيات لن يستنكف أن يمثّل بالموتى الشهداء! كيف نسمّى المحطات والشوارع والميادين بأسماء الشهداء بينما العسكر يسحلون جثثهم ويرمونها بين الفضلات ؟.. كيف نسكت على ذلك وقد جرّبنا المجلس العسكرى يفعل الفعلة فإذا سكتنا اعتبرالسكوت علامة للرضى واستفتاءاً بالموافقة والتأييد ؟ إننا لو سكتنا على مايفعل بشهدائنا فلا ندرى ماذا سيفعل بأحيائنا فى الجولة القادمة، خاصة بعد البروفة الحية التى أجروها فى ماسبيرو ودهسوا خلالها أجساد عشرات الشباب! ولئن كان الحكام يظنون أنهم بذلك العمل الجبان يزيلون آثار الثورة من الميدان ويكتبون المشهد الأخير فى أسطورة الثورة فإنهم واهمون . فالمشهد الأخير لم يكتب بعد . إنهم فقط، سنّوا سنّة جديدة ، وأعلنوا أن الزبالة فعلا وليست رمزا هى المصير الذى ينتظر الخاسر. ولن يكون الشعب هو الخاسر أبدا . دلونى على شعب عجز عن نيل حريته مهما كان جبروت الظالمين ، سواء كانوا محتلين أجانب أو طغاة محليين!.. وإذا كان البعض قد أبدى تعاطفا مع المخلوع وتقديرا لشيخوخته ، فلن يجد هؤلاء من يلين قلبه لهم ، فقد كانوا غلاظ القلوب على الشعب بأسره أحياءا وأمواتا . إننى بمقالى أتقدم ببلاغ رسمى لجمعيات حقوق الإنسان للتحقيق فى هذه الجريمة الموثقة التى إن سكتنا عليها نكون قد فقدنا احترامنا لشهدائنا .. وهل يستحق الاحترام والإجلال غير الشهداء؟!