علامة بدت واضحة كل الوضوح الآن، زملاؤنا وأصحابنا ومعارفنا من أبناء ومواليد والذين تربوا ونشأوا في القاهرة ومحافظات الدلتا يعشقون الصعيد عشقا جما ومتحمسون لتطويره وتنميته ربما أكثر منا نحن أبناء ومواليد الصعيد ذاته. أقول هذا لأني فوجئت في زاويته اليومية بصحيفة روزا اليوسف «يوميات مواطن» بمقال حميمي ومجامل لزميل العمر محمد حمدي ابن محافظة الغربية وهو يتحدث متحمسا مشجعا لتجربتنا الصحفية «الصعايدة» أول صحيفة إلكترونية يومية مستقلة ناطقة بلسان الصعيد وأهله. لاأخفيكم سرا وأنا أقرأ هذا المقال كم أحسست أن محمد فرحان من قلبه وهو يكتبه وأنه بصدق يتمني أن تتسع هذه التجربة ويكتب لها النجاح والاستمرار ولكن بشرط أن نكون علي إخلاصنا الذي بدأنا به وأهدافنا ومبادئنا التي صدرنا من أجلها. يا تري ما الذي جعل ابن طنطا يتحمس ويكتب ويشد من عزيمتنا ويؤازرنا؟ هل ربما لأنه لاحظ أن هناك عدداً كبيراً من الكتاب والصحفيين الكبار أبناء الصعيد لا يشاركوننا هذا الحماس والإيمان، وفين وفين تجد مقالا شاردا ع الصعيد وهمومه سواء هنا أو هناك لأي من هؤلاء الكتاب الذين في رأيي خطفتهم نداهة العاصمة ومشاغلها وزحامها وصراعها المعيشي القاتل هل يكون السبب ذلك فعلا أم عشقه وعشق كل أصدقائنا من أبناء الدلتا وبحري للصعيد وأهله وعاداته وتقاليده. علي أي حال سواء كان هذا السبب أو غيره فقد كنت أتوقع حماسا ومؤازرة من عدد كبير من الأصدقاء والزملاء بلدياتي «الصعايدة» بالمشاركة في هذه التجربة وطالما تحدثت معهم بشأن ضرورة دعم هذه التجربة وتحقيق حلم أن يكون للصعيد صوت عال يصرخ به و يعبر عن ذاته وهمومه وقضاياه ومشاكله. فنحن أبناء الصعيد لا تقل مسئوليتنا كثيرا عن ذلك التجاهل وجوانب الإهمال الذي تتحمله الحكومات السابقة والحالية في حق هذا اللغز العتيق، فلقد انشغل كبار كتابنا وصحفيينا ومشاهيرنا من أبناء الصعيد بحياتهم وأرزاقهم - وأنا لا ألومهم أو أزايد عليهم باعتبار أني صعيدي أصلي وهم صعايدة تايواني - إنما أذكر هم وأذكر نفسي بأننا قصرنا كثيرا في حقه وغاب الصعيد طويلا عن - وربما دائما - عن جداول أعمالنا وأعمال المسئولين ولم نفكر أن نخصص له من وقتنا ومواردنا البشرية والعلمية والمهنية ما يليق بوزنه وتاريخه وحاضره وما نتمناه له من مستقبل يساعده ويأخذ بيده وينهض به. ولا أذيع سرا إذا قلت أن نسبة كبيرة من الصحفيين والكتاب والمثقفين أبناء الصعيد - وربما أكون واحدا منهم - مازلنا حتي الآن لا نعرف بدقة الكثير من ملامح صعيدنا، هذا المكان الممتد علي نحو ثلثي وادي النيل والمسكون بنحو ثلث سكان البلاد. وتصوروا أن أكثر الذين كتبوا عن الصعيد وعاداته وتقاليده وتضاريسه وطقوسه كانوا من الأجانب وليسوا أصلا من سكانه أو المقيمين فيه، وهنا تحضرني الذاكرة عن باحثة إنجليزية اسمها وينفريد بلاكمان كانت قد أعدت كتابا عنوانه «الناس في صعيد مصر» العادات والتقاليد وذلك أثناء إقامتها بمصر لمدة ست سنوات بين أهلنا في الصعيد وترجمه للعربية الزميل والصديق الصعيدي أحمد محمود، أعترف أنه بقراءتي لهذا الكتاب عرفت الكثير مما كنت أجهله عن عادات وتقاليد أهلي هناك، وكلما كنت أقلب صفحة من صفحاته كانت دهشتي تزداد لعدم معرفتي الكاملة بذلك المجهول أما الذي لفت نظري أكثر وربما سيلفت نظر الكثير منكم هو وصف صاحبة الكتاب للثأر بأنه ظاهرة وافدة إلي الصعايدة ترجع بداية ظهورها إلي تاريخ وصول القبائل المهاجرة من الجزيرة العربية إلي جنوب مصر!!. كذلك لا يمكن أن ينتهي الحديث عن الذين يكتبون ولا يكتبون عن الصعيد دون الإشارة إلي التجربة الصحفية الرائعة المهمة «مجلة الدوار» التي كانت تصدرها بالتعاون مع منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم الدكتورة عواطف عبد الرحمن -بنت قرية الزرايب بأسيوط وأستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة- وكيف أن هذه المجلة وعلي مدار أعدادها الخمسة والعشرين التي صدرت منها، استطاعت أن تغوص في أعماق هذا اللغز وتناقش الشائك والملغم منه ولا أغالي إذا قلت أن تجاهلنا وعدم تشجيعنا نحن الصعايدة لهذه التجربة كان وراء أن تتوقف ولا تستكمل مسيرتها.. وتلك هي المشكلة.