مَنْ أول شخصية تم التخلص منها عبر قانون تنظيم الأحزاب السياسية الذى لجأت إليه ثورة يوليو للتخلص من الشخصيات والأحزاب السياسية التى كانت موجودة قبل يوليو 1952، والتى قررت تطهير الساحة السياسية منها وبالنص (أن يطهرها من عناصر استخدمت انتماءها إليها وسيلة للاستغلال الشائن أو الاستفادة غير المشروعة أو الجاه الباطل) حتى تبدأ الثورة على نظيف؟! وقد صرح اللواء محمد نجيب يومها، وهو الذى تباكى على الديمقراطية بعد ذلك، بأنه غير راض عن الطريقة التى تطهر بها الأحزاب نفسها، وبالتالى فقد يتدخل الجيش. وعلق نجيب، حسب كتاب د.أحمد زكريا الشلق «ثورة يوليو والحياة الحزبية»، بقوله: «إننا ننصح ثم نحذر ثم ننذر وإلا فلنا مع الأحزاب شأن آخر، وإن برامج الأحزاب واحدة، وهى تقوم على الأشخاص دون المبادئ». فكانت أول شخصية ينطبق ويطبق عليها التطهير هى معالى دولة رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس زعيم الأمة! بمعايير ثورة يوليو فإن النحاس لوّث الحياة السياسية قبل الثورة! كان التطهير مقدمة لإلغاء الأحزاب تماما، ثم إلغاء الديمقراطية النيابية التى عرفتها مصر قبل الثورة وبداية سيادة التنظيم والحزب الواحد! ننتقل كام سنة لقدام! حيث من أسوأ ما حدث للعراق بعد الاحتلال الأمريكى هو قرار اجتثاث حزب البعث، وهو الحزب الحاكم الذى ارتكب قياداته وأعضاؤه جرائم سياسية ضد الشعب العراقى، قاد إلى خلق دولة بوليسية ديكتاتورية كانت آية فى الطغيان وعبادة الفرد، ومع ذلك فإن قرار اجتثاث «البعث» أدى إلى كارثة بكل المقاييس، عاشها العراق منذ لحظة صدور القرار الأمريكى الذى كان يستهدف إنهاء الدولة العراقية وتحويلها إلى فوضى عارمة وصراع مذهبى وإرهابى. وهذا ما حدث فعلا وتماما! لماذا؟ لأن حزب البعث كان متغلغلا فى الدولة كلها وكان الارتباط به والانتماء إليه شرط الحصول على وظيفة ومكان أو مكانة فى الحياة العامة ومؤسسات الدولة، فعندما يقرر الأمريكان ومجلسهم العراقى العميل وقتها ليس محاكمة قيادات حزب البعث ومسؤوليه وسياسة المصارحة والمصالحة، بل قرروا التخلص من أعضائه كلهم وطردهم من كل وظيفة، ومن كل منصب وحرمانهم حتى من التوبة والرجعة والمشاركة فى بناء الدولة الجديدة، وهذا ما صنع فوضى الشارع العراقى، ثم تحلل وتفكك أجهزة الأمن، ثم انتشار التنظيمات السرية وجماعات القتل والتفجير وانسحاب العراقيين السُّنة من المشهد السياسى بالكامل بدعوى انتمائهم إلى حزب البعث، مما أدى إلى خلل فى توازن القوى بين السنة والشيعة والأكراد، انتهى إلى لجوء الطائفة السنية، بعضها إلى العشائر والقبائل، وبعضها إلى مربع الغاضبين الناقمين المخربين والإرهابيين! دعونى أذكركم كذلك بالرئيس أنور السادات حين أصدر قانونا بالعزل للسياسيين الذين أطاح بهم فى ما عرف بقضية مراكز القوى، وحرمهم من ممارسة العمل السياسى، فسلم مصر ممهدة مقشرة بعدها إلى الجماعات الإسلامية التى قتلته فى النهاية، وكان قد أصدر قانونا كذلك بحرمان معارضى «كامب ديفيد» من الترشح للانتخابات ومن تأسيس أحزاب! لماذا أقول هذا الكلام؟ لأننى أفهم أن يكون قيادات الحزب الوطنى وأعضاؤه المعروفون الذين عاثوا فى مصر فسادا وإفسادا واستبدادا وشاركوا فى صناعة الانهيار الذى عشناه هم الذين نطلب أو يسعى بعضنا لمنعهم من الترشح، خصوصا أننا لم نر فيهم من أعلن إبراء ذمته الوطنية ولا اعتذر إلى الناس ولا أبدى ندما على ما ارتكبه واقترفه من آثام مجرمة فى حق البلد، بل العكس هم منفوخون بالعدوانية إلى حد التورط، ربما فى محاربة الثورة ومبادئها والتخطيط لتلويثها وتعطيلها. هؤلاء كام يعنى؟ ثم إنه مقدور عليهم.. وهنا سأكرر كلاما كتبته سابقا أن على الأرض هناك آخرين يريدون المشاركة فى الحياة السياسية بالترشح للبرلمان. بعضهم بالفعل كان مستقلا ثم انضم إلى «الوطنى» أو انشق عن «الوطنى» ودخل الانتخابات مستقلا ثم عاد وانضم إليه، كما أن هناك عشرات من مرشحى أحزاب المعارضة مثل «الوفد» و«التجمع» و«الناصرى» تحديدا شاركوا فى مسخرة التزوير ونجحوا بمنتهى الفُجر بتدخل أمن الدولة وخرجوا علينا مثلما حدث فى الدقى والإسماعيلية والمنصورة مثلا يتحدثون عن نزاهة الانتخابات، وهم الآن بارزون جدا فى قائمة «الوفد» ومبارزون جدا فى قائمة «التجمع» المقترحة بينما هم فلول بالثلاثة، بل أعضاء «الوفد» و«التجمع» و«الناصرى» الذين نجحوا فى الانتخابات السابقة أسوأ وأقل شرفا سياسيا من أى عضو وطنى فاز بالتزوير لكننا نلاحظ صمتا قبوريا عنهم، وهم يجلسون فى صدارة الاجتماعات الحالية! ومع ذلك فإذا قررنا أن كل من عادانا فلول، فنحن نسلم بالهزيمة مبكرا جدا ونصادر حق الجمهور فى اختيار نوابه ثم إننا نغلق باب الرحمة والتوبة والمراجعة السياسية والوطنية عن هؤلاء ونقذف بهم فى دوائر العدوان على الثورة، بل والتحالف مع التيارات المتطرفة للانتقام من الثورة ومبادئها وأحلامها! لا يمكن هكذا بمنتهى الوضوح نزع مئات من أبناء العائلات والعشائر والقبائل فى الصعيد وبحرى، من الجسد السياسى والانتخابى فى مصر، ولا يمكن اتهام عشرات يحبون قراهم ودوائرهم ويريدون خدمتها ولعب دور فى الحياة المحلية العامة بأنهم فلول لمجرد أنهم مروا على مقر الحزب الوطنى، أو تورطوا فى العلاقة به يوما، أو فكروا فى اتقاء شره بالانتماء إليه أو كسب وده بالترشح فيه، أو لأنهم لا يملكون برنامجا سياسيا ولا عضوية فى جمعياتنا وتياراتنا المعارضة لمبارك! الفيصل هو صندوق الانتخابات الحرة النزيهة فأرجوكم تفرّغوا للانتخابات قليلا، وركزوا فى جلب أصوات لكم بدلا من فرش الأرض حريرا لغيركم!