يحلو لمذيعي التوك توك شو ولضيوفهم الكرام الحديث عن الإنتخابات البرلمانية القادمة على أنها أهم إنتخابات في تاريخ مصر .. ويحلو لأعضاء المجلس العسكري وتابعيه ودراويشه في الإعلام المصري ترديد نفس الكلام والتأكيد على أنها الإنتخابات المفصلية الفارقة الحاسمة الماحقة الساحقة التي ستمهد الطريق لتسليم السلطة إلى المدنيين وإعفاء العسكر من المهمة التي تولوها وهم لها كارهون والتي يرددون صباحا ومساء أنهم غير طامعين في السلطة (وهو كلام يتناقض بشكل كامل مع كل الخطايا التي يرتكبونها في إدارة العملية السياسية في مصر.) .. كل هذا الكلام "بكش" في "بكش" فأي شخص يكلف نفسه بقراءة نصوص الإعلان الدستوري يعلم أن البرلمان المنتظر لن يمتلك أي صلاحيات حقيقية .. لن يمتلك سلطة تشكيل الوزارة أو إقالتها .. ولن يمتلك (منفردا) سلطة التشريع .. بمنتهى البساطة لن يمتلك أي سلطة تزيد على سلطات رئيس الوزراء الهمام عصام شرف الذي لا نعرف إذا كان موجودا فعلا أم أن الكائنات الفضائية إختطفته وأطلقت عليه شعاعا سحريا حوله إلى عروسة مارونيت في يد جنرالات المجلس العسكري .. المهمة الأولى لأي برلمان منتخب هي التشريع بمنتهى البساطة عليك بقراءة المادتين 33 و 56 من الإعلان الدستوري .. فالأولى تحدد مهام مجلس الشعب .. والثانية تحدد مهام المجلس العسكري .. فستجد في المادة الأولى أن من حق مجلس الشعب سلطة التشريع (كلام جميل).. ولكنك ستجد في المادة الثانية (56) أن للمجلس العسكري "سلطة إصدار القوانين والإعتراض عليها" .. أي بمنتهى البساطة يستطيع مجلس الشعب المنتخب أن يمضي أسابيع في صياغة قانون ما .. بينما يستطيع المجلس العسكري في خمس دقائق أن يعترض عليه ويعتبره كأن لم يكن .. وفي المقابل يمتلك المجلس العسكري سلطة إصدار قرارات جمهورية لها قوة القانون .. يمتلك مجلس الشعب سلطة الرقابة على الوزارة ولكنه لا يملك سلطة عزلها أو تعيين بديلا عنها .. يمتلك سلطة "تقرير" سياسية الدولة .. بينما "إقرار" هذه السياسة من سلطة المجلس العسكري . وعندما تقرأ المادة 56 الخاصة بسلطات المجلس العسكري ستجد أنها تتضمن كل شئ .. فهو الذي يشكل الوزارة وهو الذي يقيلها .. وهو الذي يقر السياسة العامة للدولة والموازنة ومراقبة تنفيذها .. وهو الذي يفعل كل شئ فالمادة تحتوي عشر صلاحيات للمجلس العسكري تجعله الآمر الناهي في جميع شؤون البلاد رغم وجود البرلمان الذي سينافس عصام شرف شخصيا على لقب "خيال المآتة" . الشئ الوحيد الذي سيفعله البرلمان المنتخب سيكون تشكيل لجنة صياغة الدستور .. أعلم أن مقدمي برامج التوك توك شو وضيوفهم الأعزاء يعتبرون هذه المهمة تاريخية وعملاقة ولوذعية ومفصلية وهائلة .. ولكنها للأسف ليست كذلك .. فالدساتير تتشابه في 90% من موادها .. وأي دستور مصري لن يخرج عن مبادئ أساسية عامة عن الحريات والحقوق والواجبات سواء قام بصياغته برلمان يرتدي ملابسه من محلات "التوحيد والنور" أو من بوتيكات المهندسين ومصر الجديدة .. كما أن البرلمان لن تكون له الكلمة النهائية في وضع الدستور وإنما سيتم إستفتاء الشعب عليه . ولكن إذا كان البرلمان القادم سوف يولد ميتا بحكم الإعلان الدستوري .. فلماذا هذا التسخين الإعلامي الهائل والإحتفاء بالإنتخابات .. ولماذا سوف تقوم بعض القوى السياسية بإنفاق الكثير من الجهود والأموال للحصول على مقاعد في هذا البرلمان الميت .. ولماذا سوف يتم (في أغلب ظني) تزوير نتائج الإنتخابات أو على الأقل إجراءها بطريقة مليئة بالتجاوزات وبعيدة عن النزاهة والشفافية .. تحتاج هذه التساؤلات إلى مقال آخر .. ولكنني قبل أن أترككم أدعوكم لبعض التسلية بقراءة المادتين 33 و56 من الإعلان الدستوري اللتين ستنظمان صلاحيات كل من البرلمان الميت والمجلس العسكري المستأثر بالسلطة حتى لو إدعى عكس ذلك . *********
( مادة 33 ) يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع، ويقرر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية .
( مادة 56 ) يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، وله فى سبيل ذلك مباشرة السلطات الآتية : 1 - التشريع . 2 إقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها . 3 تعيين الأعضاء المعينين فى مجلس الشعب . 4 دعوة مجلسى الشعب والشورى لانعقاد دورته العادية وفضها والدعوة لإجتماع غير عادى وفضه . 5 حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها . 6 تمثيل الدولة فى الداخل والخارج، وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، وتعتبر جزءاً من النظام القانونى فى الدولة . 7 تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من مناصبهم . 8 تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم على الوجه المبين فى القانون، واعتماد ممثلى الدول الأجنبية السياسيين . 9 العفو عن العقوبة أو تخفيفها أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون . 10 السلطات والاختصاصات الأخرى المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين واللوائح . وللمجلس أن يفوض رئيسه أو أحد أعضائه فى أى من اختصاصاته .