المشهد في مارس 2011 : تصدر شائعة مفادها أن إنتخابات الرئاسة قد تم تأجيلها إلى عام 2012 فيسارع المجلس العسكري إلى إصدار الرسالة رقم 28 على الفيس بوك مؤكدا "أنه لا صحة للشائعات التي تقول بتأجيل إنتخابات الرئاسة إلى 2012 وأن المجلس ملتزم بتسليم السلطة في أسرع وقت ) وتصدر تصريحات تكميلية على لسان مجموعة من لواءات المجلس تؤكد أن الإنتخابات البرلمانية في سبتمبر والرئاسية في نوفمبر أو قبل نهاية العام على أقصى تقدير .. ويصدر إعلان دستوري يحدد سقفا زمنيا للبدء في الإنتخابات البرلمانية في سبتمبر 2011 والمشهد في سبتمبر 2011 : مخاض عسير لقانون الإنتخابات وضبابية شاملة لعملية نقل السلطة وتطويح كامل لموعد إنتخابات الرئاسة ومخاوف حقيقية عند كثير من القوى السياسية بأن المجلس العسكري قد جاء ليبقى ..وأن الحكم العسكري يحكم قبضته على البلاد. مازالت التصريحات الرسمية للواءات المجلس العسكري تتحدث عن رغبتهم في تسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية في أقرب وقت .. ولكن هذه التصريحات أصبحت أقل حماسا وأقل تحديدا من الناحية الزمنية كما أنها تبدو جوفاء وغير منطقية أمام ممارسات الواقع .. وهي تذكرنا بتصريحات المخلوع وأركان حكمه التي كانوا يرددونها في كل مناسبة بنفي التوريث بينما كل ممارسات الواقع كانت تؤكد أن الطفل المعجزة جمال مبارك هو ولي العهد الذي تسخر كل إمكانيات الدولة لوضعه قسرا فوق العرش الجمهوري. في الوقت الحالي يتكرر المشهد الرسمي الذي يتحدث عن عدم رغبة المجلس العسكري في الحكم في مواجهة المشهد الواقعي الذي يثير الشكوك والريبة .. فالواقع أن الخطوات الإجرائية لتسليم السلطة تتم في تباطؤ واضح ومتعمد .. قانون الإنتخابات البرلمانية تم تأجيله والتأني في إصداره لشهور طويلة ثم جرى سلقه في اللحظة الأخيرة وإلقاؤه في وجه الرأي العام كقطعة قماش مليئة بالثقوب والخروق .. مجلس الوزراء لا يملك من أمره شيئا .. المدنيون يساقون أمام المحاكم العسكرية .. قانون الطوارئ جرى إستدعاؤه من الماضي الغابر الساقط المخلوع .. ومصادرة الصحف والتضييق على الناشطين والإعلامين عملية تتم بشكل ممنهج .. يلوح المجلس العسكري بعصا الطوارئ ويلقي بجزرة الإنتخابات البرلمانية التي من المفترض أن تجري بلا ضمانات فهي ستتم تحت مظلة الطوارئ وأموال الفلول وسطوة البلطجية والإنفلات الأمني (المتعمد) .. ستتم بنفس شروط الذين زوروا الإنتخابات قبل ذلك مرارا وتكرارا في غياب الرقابة الدولية وفي غياب تجريم تشريعي لتزوير الإنتخابات وفي غياب أي عقاب حقيقي لمن مارسوا التزوير قبل ذلك ونجحوا به .. والواقع أن ماراثون الإنتخابات التشريعية المقترح الذي ألقاه المجلس العسكري في وجوه القوى السياسية بهذه الطريقة يبدو أبعد ما يكون عن سيناريو تسليم السلطة للمدنيين .. خاصة أنه يتم بمعزل عن جدول زمني واضح ومحدد لإنتخابات الرئاسة التي يفترض أنها ستمهد بشكل حقيقي وواقعي لتسليم السلطة من المجلس العسكري إلى المؤسسات المدنية المنتخبة .. وبغير هذا الجدول الزمني يصبح كل ما يثار هو مجرد إضاعة للوقت وتشتيت للجهد وتمكين لقبضة الحكم العسكري على رقبة مصر. مدنية .. مدنية .. شعار أطلقته ثورة 25 يناير وأثق أنه سوف يطبق في النهاية .. ليس فقط لأن تصريحات لواءات المجلس العسكري تبشر بذلك ..(فقد تبين أن كثير من هذه التصريحات لا يتحقق) ولكن الأهم من هذه التصريحات أن الإرادة الشعبية التي رفضت سيناريو التوريث وألاعيبه مازالت صاحية وواعية وترفض أن يعود الحكم العسكري إلى مصر بأي صورة من الصور .. وتؤكد أن الشعب المصري لن يورث أو يستعبد بعد اليوم ولن يحكمه إلا من يكتسب شرعيته من صندوق الإنتخاب وليس من قرار لرئيس مخلوع.