كان شيئا لافتا للنظر ومثيرا للدهشة وللتساؤل معا أن عددا كبيرا من الأمريكيين لا يعرفون اسم الرئيس المصرى الذى كان يحكم مصر بعد الرئيس الراحل، بطل الحرب والسلام، محمد أنور السادات!!! حدث ذلك معى مرارا وتكرارا. فكنت أتعجب من ذلك كثيرا؛ لأننا فى مصر كنا لا نعرف رئيسا مصريا إلا الرئيس المخلوع مبارك الذى عشنا كل عمرنا تحت حكمه الكريه. ولم نكن نعرف أى شىء عن أى رئيس آخر فى العالم غير الرئيس المخلوع مبارك الذى كل بؤرة الإعلام ليل نهار. وأذكر من بين هذه المرات أننى عندما وصلت للمرة الأولى إلى مدينة بلتيمور بولاية مريلاند حيث توجد جامعة جونز هوبكنز التى كنت أدرس بها أن ذهبت كى استأجر إحدى الشقق كى أقيم بها أثناء فترتى دراستى. ولم يكن صاحب البيت هناك لأنه رجل كبير فى السن ولا يغادر كثيرا بيته الذى يعيش فيه فتحدثت إليه عبر الهاتف. فعلم أننى مصرى وعندها سألنى قائلا:"من يحكم مصر الآن؟" فأثار السؤال دهشتى؛ نظرا لأن نظام الرئيس المخلوع كان يصدعنا ليل نهار بزياراته التاريخية للولايات المتحدةالأمريكية وإشادة جميع وسائل الإعلام العالمية به وبالطبع المحلية التى كانت تسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار. وكان مثيرا لى أيضا أن مبارك يدخل العقد الثالث من حكمه لمصر الباسلة التى كانت تتحمل بؤس حكمه بحكمة السنين وصبر المصريين المعتاد ولا يعرفه أحد خارج حدود قصر العروبة فى الغالب. وكان يوشك مبارك أن يحتفل بالعيد الثلاثينى لجلوسه على عرش مصر ملثما كان يفعل الملك فى مصر الفرعونية كى يجدد حيويته وشبابه وصلاحيته لحكم مصر لفترة أخرى قد تصل إلى ثلاثين عاما وربما أكثر منها. وأردف الرجل صاحب البيت قائلا:" إننى أعرف الرئيس السادات فقد كان رجلا عظيما عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل. لكنك لم تجبنى من يحكم مصر الآن؟". وحدث فى إحدى المرات التى كنت أذهب فيها بعد عودتى من الجامعة كل مساء مع طفلى الصغير إلى إحدى الحدائق العامة التى خصصتها مدينة بلتيمور بولاية مريلاند الأمريكية للأطفال حيث يشارك اللعب مع أقرانه من الأمريكيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى أن حضرت طفلة أمريكية شقية مع أبيها الذى كان فى حوالى الخمسين من عمره. وتعرفت إليه فعرفت إنه أمريكى قضى حوالى عشرين عاما من عمره فى ألمانيا وعاد لتوه ليستقر فى أمريكا. فتحدتث معه وعندما عرف أننى مصرى سألنى عن اسم الرئيس المصرى الذى يحكم مصر الآن فذهلت أيضا لأنه لا يعلم اسم الرئيس المصرى المسن حسنى مبارك الذى حكم وكان ما يزال يحكم مصر لما يقرب من ثلاثين عاما. إذا فالحقيقة تشير أغلب الظن إلى أن مبارك لم يكن معروفا بين الأمريكيين على الرغم من حجه السنوى إلى البيت الأبيض بعد أن تعلم ذلك الدرس من سلفه السادات، وإلى أن الاهتمام الأمريكى بعد الرئيس السادات انصرف عن الاهتمام بمصر المعاصرة ولم يعد الأمريكيون يعلمون عن مصر شيئا إلا عن آثارها الفرعونية التى تثير وتلهب اهتمام الأمريكيين من الأطفال إلى الكبار. والحقيقة أن عالمية الرئيس المخلوع واهتزاز زعماء العالم لدى رؤية طلعته البهية والاستماع لنصائحه وأخذ رأيه فى كل كبيرة وصغيرة فى شؤون بلادهم وشؤون العالم لم تكن إلا أكذوبة ضحك علينا بها الرئيس المخلوع ونظامه وإعلامه المأجور الفاسد. وحقيقة الأمر أن الرئيس المخلوع حسنى مبارك لم يكن سوى حاكم تقليدى أقرب إلى الموظفين منه إلى المبدعين والثوار والحالمين، وأن كان مبارك واحدا من أسوأ طغاة العالم الثالث الديكتاتوريين الذين دمروا بلادهم وأقاموا نظام حكمهم عبر القهر وإفقار ونهب شعوبهم المسكينة والمغلوبة على أمرها وإذلال وإهدار آدمية الإنسان فى أوطانهم من خلال الدولة البوليسية المقيتة التى أقاموا من أقوات شعوبهم الفقيرة التى كانت ذليلة فترة طويلة وها هى تثور وترد الصاع صاعين للديكتاتور فى متاهته أو منفاه الأخير قبل أن يصل إلى السجن أو القبر.