كلنا قد شعر بالقلق يوم الجمعة قبل الماضية عندما رأى المليونية السلفية وهى ترفع شعاراتها الدينية فى ميدان التحرير.. والبعض شعر بالغربة كذلك حينما شاهد العلم السعودى يرفرف فى قلب القاهرة . ما حدث هو ترجمة ضمنية لموقف الجيش من المظاهرات والإعتصامات التى قام بها الثوار، فقد فضل المجلس العسكرى أن يرفع الكارت الأصفر فى وجوههم عبر هذه المليونية، قبل أن يطردهم خارج ملعب التحرير نهائيا كما حدث فيما بعد . من الممكن أن يكون المجلس العسكرى قد أصابه بعض الضجر من "عيال التحرير"، ومن المتوقع أيضا فى سبيل تجنب هذا الإزعاج أن يخوفهم بالراجل أبو رجل مسلوخة القادم من صربيا، أو يهددهم بعصا التخوين والعمالة، إلا أن المجلس تجاوز كل هذا وفضل أن يدخل نفق المساومات والموائمات وموازين القوى المظلم . المرحلة الحالية بطبيعتها لا تحتمل عقد أية صفقات مع السلطة الحاكمة، ونحن على يقين أيضا أن المجلس العسكرى لا توجد لديه أية أجندات أو تحالفات مع أى من القوى السياسية.. ولكن ما يقوم به المجلس من إفساح للمجال أمام بعض التيارات الدينية لكى تشكل مقاومة معنوية أو حائط صد إستراتيجى ضد قوى الثورة أخطر بكثير، لأن من يمثلون أقصى اليمين – الراديكالية – داخل هذه التيارات يحملون ببساطة فلسفة براجماتية بحتة فى نظرتهم إلى المجتمع المحيط بهم، ويترسخ بداخلهم إعتقاد بأن مصلحة الجماعة أو التيار الذى ينتمون إليه هى المصلحة العليا التى تأتى بعدها مصلحة الوطن.. فكيف مثلا نجد أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى التكتل مع بعض الأحزاب والقوى السياسية لتشكل " تحالفا وطنيا " للتنسيق فيما بينهم بخصوص الإنتخابات البرلمانية المقبلة، وعندما يأتى الحديث عن مبادىء حاكمة للدستور والتى تؤمن بها جميع هذه القوى، تنبرى الجماعة بالرفض القاطع الرادع المانع فى إزدواجية واضحة تدعو إلى التعجب . وهنا يأتى توافق التركيب الفكرى والتنظيمى لكلا من الجيش والتيارات الدينية ليلعب دورا هاما فى التقارب فيما بينهم، فهذا التقارب فى الأيدولوجية المحافظة جعل هذه الجماعات تتبنى القرارات الصادرة من المجلس العسكرى وتهلل لها.. رغم علمها المسبق أن المجلس العسكرى لن يحيد عن خيار مدنية الدولة . فالشعارات التى رفعتها الجماعات السلفية فى ميدان التحرير، كانت هى نفس الشعارات التى أدت إلى إنقلاب الجيش على الشرعية فى الجزائر عام 1991 وقيامه بإجبار رئيس الجمهورية على التنحى، وإلغاء الإنتخابات البرلمانية التى فاز فيها " الحزب الإسلامى الأصولى " بعد أن هدد هذا الحزب وتوعد كل من يخالفه الرأى بالإقصاء، ووضحت حينها منذ البداية نية الحزب الذى ينتمى إلى المرجعية السلفية تحويل الجزائر إلى إمارة إسلامية . هذا التجاهل للشرعية الذى قام به الجيش عندما ألغى نتيجة الإنتخابات كان سببا فى مقتل أكثر من 60000 جزائرى فى أول 5 سنوات نتيجة للتفجيرات الإرهابية التى قامت بها الجماعات التابعة لهذا الحزب ومازالت تنفذها حتى الأن.. فهل من المتصور أن المجلس العسكرى لا يعلم أنه قد بدأ بالفعل السير فى هذا الطريق المسدود؟!.. دعك من الإخوان المسلمين الأن، ماذا سوف يحدث إذا فازت الأحزاب السلفية بنسبة لا بأس بها من المقاعد فى الإنتخابات البرلمانية المقبلة ؟.. هل سوف يتدخل الجيش للحفاظ على مدنية الدولة ؟ وإذا كان الجيش ينوى التدخل، فهل سوف يكون هذا التدخل فى صورة إنقلاب كما حدث فى الجزائر ؟ أم أنه سوف يتدخل منذ بداية العملية الإنتخابية لمنع فصيل من الفصائل من الوصول إلى البرلمان، ومن ثم الإشتراك فى تشكيل الحكومة المقبلة ؟! هذه أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات ملحة من المجلس العسكرى نظرا لدقة المرحلة التى نمر بها الأن.. فمن الواضح أن المجلس العسكرى بدأ يلعب على حبلين، وبدأ يعلن عن بعض نواياه ويخفى البعض الأخر، وخصوصا أنه لم يعلن عن الموعد الذى ستقام فيه الإنتخابات الرئاسية حتى الأن . فهل هذا التفاهم وتقليص المسافات بين المجلس العسكرى والجماعات السلفية أو الدينية بصفة عامة هى إرهاصات لتطورات مفاجأة سوف نشهدها فى المرحلة المقبلة ؟! أم أنه لا يتعدى أن يكون إستخداما لهذه الجماعات من قبل المجلس العسكرى لتخويف الثوار من العودة مجددا إلى التظاهرات والإعتصامات، وبعدها سوف يبيع لهم الأونطة؟!.. أم نحن فى نهاية المطاف سوف نكون أول من يشربها ؟!!