الدخول في الجدل الدائر حول الإنترفيرون لم يستهوني. فضلت أن أتابع من بعيد. فبعض القضايا خاصة العلمية لا يمكن أن تصل فيها إلي رأي محدد بناء علي قراءة أخبار الصحف أو الدردشة مع الأطباء والمرضي. وإذا كانت القضية هي إثبات فاعلية الإنترفيرون المصري ومقارنتها بفاعلية السويسري والأمريكي فأي رأي «بدون أبحاث علمية حقيقية» يمكن أن يرد. الاكتفاء بالمتابعة أفضل حل في مثل هذه الظروف طالما أنني مجرد صحفية مهتمة بشئون العلاج، فالحياة لن تتوقف لو لم يكن لي رأي قاطع. لكن عندما أكون مسئولة عن مريض كبد.. يبدأ علاجه الآن بالإنترفيرون، الوضع يختلف، أصبحت الآن تقريباً أهل المريض. فاكتشفت الجحيم.. الذي يعيشه المرضي وأهاليهم، من يبدأ الآن العلاج علي نفقة الدولة أو نفقة التأمين الصحي بالإنترفيرون سيصرف له الإنترفيرون المصري. المريض الذي يشتري الدواء علي نفقته الخاصة ستتحدد اختياراته بقدراته المالية، فسعر المصري نصف سعر السويسري وربما أقل.. أعتقد أن المقتدر سيختار المستورد والعكس صحيح. والمريض الذي يصرف علاجه من التأمين سيقبل ما يعطونه له ويحمد الله لأن الطابور كان أقصر، أو الموظف كان ألطف، أو المرور كان أسهل. سيجد ما يحمد الله عليه. مريضي أنا مختلف قليلاً. فالعلاج علي نفقة التأمين حق طبيعي له. وإمكاناته المادية تتيح له بكثير من الضغط والارتباك والتضحية أن يشتري العلاج السويسري علي نفقته الخاصة. إذا افترضنا أنه وكيل وزارة ما، وأنه يمتلك خمسين ألف جنيه في البنك هي نتاج مدخرات عمل في الخارج، وميراث قديم وخلافه. وأنه سيحتاج هذه المدخرات قريباً للإنفاق علي زواج بنتين وتعليم ولد. فهل يضحي بتحويشة العمر ويترك مستقبل الأبناء في مهب الريح؟ أم يقبل الإنترفيرون المصري من التأمين ويحمد الله لأن أعراضه الجانبية أقل من المستورد، كما سمع من أحد أقاربه؟! المفترض أن يكون هذا القرار طبياً بالدرجة الأولي، أي أن يقرر الطبيب ويستجيب المريض بمنتهي الثقة. لكن الواقع أن المريض لا يثق في هيئة التأمين ولا وزارة الصحة ولا الحكومة كلها. وبالتالي لا يثق في الإنترفيرون المصري المريض وأنا معه ، ويعتقد أن الحكومة لا يمكن أن يكون هدفها مصلحته، ومتأكد أنه لو أصيب وزير الصحة أو سعيد راتب بفيروس «C» سيعالج بالإنترفيرون السويسري. إذن هل يثق المريض في طبيبه الخاص؟! لا يثق وأنا معه فالمريض معتقد أن أغلب الأطباء تهمهم مصالحهم الشخصية قبل مصلحة المريض، ومصلحتهم إما مع الشركات العالمية العملاقة، أو مع الوزارة. وفي كل الأحوال لن يشعر الطبيب بالذنب ولا حتي هيئة التأمين أو الوزارة. طالما تُظهر أرقام ال«P.C.R» استجابة. أعرف أن مرضي الكبد وأهلهم يفهمونني. وأقول لمن لا يفهم من القراء: احمد ربنا.