بعد مرور عام علي الرئيس أوباما في البيت الأبيض واضح أن هناك فارقًا بين الوعود البراقة والسلوك الحذر والمتردد وأحيانا المتراجع أوباما تذكرت وأنا أحاول استعراض ما قدمه الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون باراك حسين أوباما للعالم العربي خلال عامه الأول في البيت الأبيض ما وعد به العرب والمسلمين في سياسته الخارجية في خطابيه في أنقرةوالقاهرة من بداية جديدة نحو الأمام تستند إلي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وتذكرت أنني في صلاة عيد الأضحي المبارك فوجئت ولأول مرة منذ ثلاثين عاما قضيتها في الولاياتالمتحدة بضباط الشرطة الذين ينظمون حركة المرور المزدحمة حول المركز الإسلامي في ولاية فيرجينيا وقد حرصوا علي استقبال كل مسلم يعبر الطريق بعبارة «عيد مبارك» ولو كان ذلك في القاهرة لأرجعت ذلك الحرص إلي ربط كل شيء عندنا باسم مبارك، لكن لأن هذا حدث بعد سنوات بوش العجاف أظهر نفس هؤلاء الضباط خلالها وجوها لا تنم عن الصداقة أو الترحيب، أدركت أن لأوباما فعل السحر في تحويل العجرفة إلي تسامح دون توجيهات زي اللي عندنا. ولكن عندما عدت من إجازتي في القاهرة وجدت أن وزيرة الأمن الداخلي أصدرت تعليمات بتفتيش خاص للقادمين من أربع عشرة دولة معظمها عربية وإسلامية فأدركت أن أوباما سيضطر إلي الرضوخ لمخاوف الأمن التي يعايره بها الجمهوريون منذ البداية. ولكي يكون تقييمي أكاديميا لجأت إلي الدكتور إبراهيم كروان أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة يوتا في سولت ليك سيتي والمدير السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط بنفس الجامعة لأقف علي تقييمه العلمي لما قدمه وما لم يقدمه أوباما للشرق الأوسط والعالم العربي فأكد أنه بشكل عام استخدم أوباما مع العرب والمسلمين الوعود اللفظية في سياق خطابي يثير ببلاغته الإعجاب ويستحق كيل الثناء والمديح. الفرق بين القول والفعل لكن بعد مرور عام علي الرئيس أوباما في البيت الأبيض لاحظ الدكتور كروان الفارق بين الوعود البراقة والسلوك الحذر والمتردد بل أحيانا المتراجع الذي انتهجه أوباما في تعامله مع قضايا بالغة الأهمية بالنسبة للعرب والمسلمين مثل عملية السلام فبينما سارع إلي تسجيلها كأولوية مهمة وربط استئناف عملية التفاوض في أسرع وقت ممكن بضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي وكان ذلك موقفا جسورا علي المستوي اللفظي ولكنه سرعان ما تراجع أمام رفض نتانياهو وعاد أوباما ليطرح التفاوض دون شروط وعلي مدي عامين حول أكثر القضايا تعقيدا في الصراع العربي الإسرائيلي مثل القدس والمياه واللاجئين والسيادة والأمن وهي قضايا ظلت لعشرات السنين علي جدول أعمال عملية السلام تحت الرعاية الأمريكية دون تحقيق تقدم يذكر، كما عاد أوباما ليؤكد أنه لن يكون هناك أي ربط بين عملية السلام وبين المساعدات الأمريكية لإسرائيل بما في ذلك ضمانات القروض. ولذلك يري الدكتور إبراهيم كروان أن علي العرب والمسلمين أن يفرقوا بين قدرة أوباما علي الوعد باستخدام حلاوة التعبير وبين قدرته علي الوفاء بالوعد في ظل جماعات الضغط وأولويات السياسة الأمريكية واستمرارية توجهاتها إزاء المنطقة، وأن يدركوا أن أوباما ليس أيزينهاور الجديد في أزمة السويس وليس جورج بوش الأب في صدامه مع اللوبي الإسرائيلي حول ضمانات القروض. ويؤكد الدكتور كروان أن المدقق في المسلك السياسي للرئيس أوباما خلال عامه الأول سرعان ما يدرك أنه براجماتي النزعة ولكنه شأن أي رئيس يحتاج لأن يتحلي بالمصداقية التي تنقصه بسبب عدم الوفاء بما يعد به وقد يكون مسلكه الفعلي فيما يتعلق بالعالمين العربي والإسلامي صدمة لمن احتفلوا بقدومه كمنقذ سيغير السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ويري الدكتور كروان أن نتيجة الاختبار في السنة الأولي أن أوباما ليس تلميذا نابغا في السياسة الدولية ولا في العلاقات الدولية ولا في الرؤية الاستراتيجية للأمن الدولي. وفيما يتعلق بالملف الإيراني الذي بدا وكأن أوباما سيحقق فيه تحولا من لغة التهديد والوعيد والمجابهة إلي لغة الحوار والدبلوماسية يري الدكتور كروان أن أوباما ليس لديه تصور استراتيجي لكيفية حسم قضية الطموح النووي الإيراني كما لم يدرك أوباما أنه ليس بوسع الولاياتالمتحدة إدخال تحول دراماتيكي في إطار وجود ما يعرف بالتفاوض الجماعي لمجموعة الدول الست واستخدامات الفيتو المتعارضة ما بين الغرب وبين روسيا والصين، لذلك مر العام الأول علي أوباما في البيت الأبيض دون أي حسم للملف النووي الإيراني وكل ما سيمكنه عمله هو نوع من الحلول الوسط لتوفير الحد الأدني من الإجماع بين الدول الخمس صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن. ويعتقد الدكتور كروان أن جائزة نوبل للسلام التي منحت للرئيس أوباما كانت وخلافا للمعمول به ليست جائزة علي الإنجاز وتقديرا لشيء عظيم تم عمله من أجل السلام وإنما كانت بمثابة جائزة تشجيعية لتشد أزر أوباما ليحول ما وعد به إلي سلوك وإنجازات. أوباما وملف التوريث سألت الدكتور إبراهيم كروان عن تقييمه لتراجع الاهتمام الأمريكي في عهد أوباما بملف التحول الديمقراطي في العالم العربي وما يمكن أن يكون غض طرف عن سيناريو التوريث في مصر فقال: «لقد عاد أوباما إلي انتهاج سياسة أمريكية دامت أكثر من ستين عاما فضلت فيها الولاياتالمتحدة توفير الاستقرار من خلال استمرار نظم حكم غير ديمقراطية وغير منتخبة في العالم العربي علي التحول الديمقراطي الذي يمكن أن يأتي إلي الحكم بأنظمة لا تريد مواصلة الدوران في الفلك الأمريكي خاصة في الدول العربية التي لها نفوذ إقليمي مثل مصر وبالتالي فمن المتصور أن تغض الولاياتالمتحدة الطرف عن عملية توريث الحكم في مصر إذا تحققت من الرئيس حسني مبارك إلي نجله الأصغر جمال مبارك الذي تعددت زياراته لواشنطن ويمكن للولايات المتحدة آنذاك أن تعبر عن احترامها لما يمكن أن تصفه بالقرار المصري أو إرادة الشعب المصري! من خلال انتخابات الرئاسة واستنادا إلي الدستور المعدل الذي أدت شروط الترشيح فيه من خلال المادة 76 إلي أن يصبح مرشح الحزب الوطني الحاكم هو المرشح الوحيد القادر علي الترشح».