كنت أجلس علي الكنبة أحتسي كوباً من السحلب عندما اتصل بي أحد الأصدقاء قائلاً: افتح التليفزيون الآن وشاهد الصحفي أبو ليَّة وهو يتحدث عنك. قلت له: عني أنا؟. قال نعم..إنه يقول في حقك كلاماً يعاقب عليه القانون في البرنامج الذي يقدمه أحد فناني الكوميديا. قلت له مدهوشاً: ولماذا يتطاول عليَّ أبو ليَّة؟ إنني أقاطع الليَّة وأبتعد عن الدسم منذ سنوات؟ قال صديقي: لا أدري ولكني قد نبهتك وأنت حر. بعد هذه المكالمة بلحظات تلقيت مكالمة ثانية من صديق آخر بادرني بالسؤال: تعرف من جاب سيرتك منذ قليل في التليفزيون؟. قلت له: من يا تري؟. قال: الواد ابن سنية أبانوز. قلت له: ابن سنية أبانوز هو عنوان كتابي الأخير فهل الشخص الذي تقصده له نفس الصفات الإجرامية التي لبطل القصة والذي رويت حكايته للقراء؟ أجاب صديقي: إن الذي أتحدث عنه هو ابن سنية أبانوز الأصلي وهو الذي يعرفه القراء من خلال نسبة التوزيع لمطبوعته التي لم تزد أبداً علي 1700 نسخة يتم نثرها علي الأقارب والأحباب. قلت له: وماذا قال عني ابن الأخت الفاضلة سنية أبانوز؟. قال: لقد كان يتحدث عن الانتماء ويتقمص دور وطني شريف عندما ذكر أن هناك كاتباً قدم كتاباً اسمه «مصر ليست أمي..دي مرات أبويا» وأكد أن مؤلف الكتاب عنده عقدة نفسية ولديه مشكلة عائلية ويحتاج للعلاج!!. ولما كان مؤلف الكتاب المذكور هو أنا فقد أصابتني دهشة، لأن الكتاب ينضح بحب الوطن ويفضح أمثاله من بني أبانوز. قال صديقي: ما هي في اعتقادك أسباب نثره للسم الزعاف في كل اتجاه وميله للتطاول علي الأعمام؟. قلت له: لقد أتيت لبيت القصيد..التطاول علي الأعمام. قال صديقي: تعرف.. لو أنه كتب هذا الكلام في صحيفته التي يقرأها هو والست سنية أبانوز وحدهما لما فكرت في أن أزعجك بالأمر ولكن المشكلة أنه تحدث في التليفزيون الذي له مشاهدون لذا وجب عليك الرد وتوضيح حقيقته للقراء. قلت للصديق: الناس تعرفه أفضل مني وقد يدهشك أنني غير غاضب منه لأني أعرف دوافعه وأسبابه وأعذره في معظمها!. صاح صديقي في دهشة: هل تعذره في قلة أدبه؟! ثم أردف: هلا أخبرتني بأسبابه ودوافعه فلعلي أعذر وأسامح مثلك. قلت له: اسمع الحكاية. هناك في تقديري مجموعة من الأسباب وراء هذا السلوك منها الغرور الذي يتملكه من زمان نتيجة لانتسابه إلي واحدة من أقوي القبائل العربية وأكثرها منعة وهي قبيلة المطايزة المعروفة بالحسب والجاه، وقد برز منها شعراء فطاحل منهم المفخخ الزنجيري وغيره، وكان يتعين عليه نتيجة لهذا الانتساب أن يتحلي بالتواضع وليس الغرور. وهناك سبب آخر يستطيع علماء النفس تفسيره أكثر مني يتعلق بحكاية قديمة تضغط علي أعصابه كلما استرجعها وقد حدثت له منذ سنوات عندما كان تلميذاً بالمدرسة، وفي ذلك الوقت كانت تصاحبه ذات الليَّة.. أراد أن يشرب فدخل أحد المقاهي، وكانت الحنفية مرتفعة، فطلب من القهوجي أن يساعده، فحمله القهوجي وأسنده إلي الحوض فشرب حتي ارتوي، ولكنه بعد ذلك لم يسامح نفسه وظل الأمر يمثل بالنسبة له ذكري أليمة مختزنة في اللاوعي. وهناك سبب ثالث أيضاً يدفعه للكبر والتيه هو حصوله علي العديد من الميداليات وورود اسمه في موسوعة جينيس للأرقام القياسية في الفصل الخاص بالمقعدة، خاصة أنه قد تفوق علي العديد من المتقدمين للفوز باللقب وأشهرهم المنافس الشرس الذي كان يسير معه كتفاً بكتف وليَّةً بليَّة وهو البطل الألماني تيز مايكل. كل هذه الأسباب قد ولدت لديه عنجهية وجعلته لا يتسامح مع من دونه. ولست أعير الحكاية الشهيرة أدني أهمية.. تلك التي تداولتها الأوساط عن زيجة تمت بالأمر المباشر من واحدة حامل. وسبب عدم اعتدادي بالقصة أنها لا تبدو متماسكة، فلا أحد يعرف علي وجه القطع في أي شهر كان الحمل، ولا من هم الأسياد الذين أصدروا أوامرهم، كما أنها ليست قصة مبتكرة فقد فعلها محجوب عبد الدايم من قبل.. فضلاً عن أمر جوهري لا أحسبه يغيب عن فطنة القارئ هو أن الشخصيات الفذة أحياناً ما تكون مشغولة بالأمور الجسام والمسائل الميتافيزيقية والتأملات، ومن ثم تترك المهام الهامشية والأمور الفيزيقية والبيولوجية لآخرين!. قال صديقي بعد أن علم بالأسباب والدوافع: ولماذا لم تقل هذا من البداية؟..لقد تورطت في ظلم الرجل والآن فليسامحني الله!.