يبدو طوال الوقت كمن يحارب طواحين الهواء، ويبدو في كثير من الأحيان كمن لديه حالة من الصراع بين قيم نشأ وتربي في مدرستها وبين «زمن» جديد ضاعت فيه هذه القيم وغدت جزءا من الماضي البعيد القريب. فعمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية هو ابن المدرسة القومية الناصرية التي دافعت عن أفكار لم تعد لها وجود في زماننا، فالرجل تفتح وعيه السياسي مع تجربة حكم الرئيس السابق جمال عبد الناصر وانحاز وآمن بكل ما طرحته هذه التجربة من أفكار «قومية وعروبية» ونشأ الرجل علي صورة الجماهير التي تهتف للوحدة والتقارب والعداء للاستعمار إلا أنه غدا أمينا لجامعة «الحكومات» العربية في زمن أصبحت الفرقة والتجزئة هي سيدة الموقف وأصبحت شعارات العروبة والقومية والوحدة لا تعني الكثير بالنسبة للأنظمة العربية لا سيما بعد أن خرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي وأصبحت في العصر الحالي مجرد وسيط بين الفلسطينيين وإسرائيل. لذلك فإن مواقف موسي تبدو محترمة في كثير من الأحيان ويبدو هو ذاته متمسكا بثوابت لم يعد لها وجود، لذلك يظهر الأمر كله وكأن الرجل يحارب طواحين الهواء أو يسعي لفرض قيم في زمن بلا قيم من الأساس اللهم إلا المصالح الذاتية. موسي أثار حالة من الجدل مؤخرا حينما ألمح في عدد من الحوارات إلي أنه يفكر في ترشيح نفسه لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة وهو الجدل الذي يبدو أنه أفزع نظام الحكم من جانبين الأول أن موسي بالفعل يمتلك شعبية في الشارع المصري الذي مازال يتذكر له تصريحاته القوية ضد إسرائيل وقت أن كان وزيرا للخارجية المصرية، ورغم أن موسي لا يستطيع فعليا أن يترشح للانتخابات بسبب القيود التي فرضتها المادة 76 من الدستور علي ترشيح المستقلين فإن هنا يكمن السبب الثاني في فزع النظام من تلويح موسي بالرغبة في الترشيح، فتصريحات مسئول بحجم عمرو موسي تكشف عن «عيوب وخطايا» المادة الدستورية المانعة للترشيح التي تم تفصيلها حتي يستمر الحزب الوطني الحاكم مسيطرا علي الرئاسة إلي الأبد وإقصاء من هم مؤهلون بالفعل للترشح مثل عمرو موسي. الأمر المحير فعلا في شأن عمرو موسي هو أنه إذا كان الرجل لم يستطع أن يقدم الكثير عمرو بدر في موقعه بالجامعة العربية بسبب الظروف العربية السيئة.. فما هو الداعي لأن يستمر في موقعه كل هذه السنوات؟ الله أعلم!