قام شباب مصر بدورهم التاريخي حين دعوا للثورة وقادوها. هذا هو الدور الطبيعي لشباب عزم عزما حقيقيا لتغيير تاريخ بلاده، ومن ثم دورها الإقليمي والدولي بعد فترة دمار وتدمير مادي وروحي وأخلاقي. دعم الشعب المصري مبادرة شبابه (ولا مجال هنا للحديث عن خطف المبادرة أو التقليل من شأن الخطوة التاريخية لشباب سيذكرهم تاريخ مصر والعالم إلى الأبد) وخرج بالملايين خلفهم ليكمل لوحة الثورة الشعبية التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ البشرية بشهادات داخلية وخارجية. شباب مصر رفض، وما زال يرفض، الوصاية. ويجب أن يرفضها مرة واحدة وإلى الأبد. لا وصاية من الداخل ولا من الخارج. فالأحزاب المصرية العتيقة لم تجرؤ على فرض وصايتها جراء ما رتكبته من حماقات وانتهازية وبيع رخيص وتواطؤات ومؤامرات. ولم يتمكن تجار السياسة (تجار الجملة والتجزئة معا) من التفوه بكلمة واحدة تمكنهم من دس أنفسهم بين الثوار الشباب والادعاء بأنهم خططوا وهندسوا وشاركوا. قد يكون كل هؤلاء انضموا في مراحل متأخرة وتدريجيا. ولكن السبق والشرف للشباب وحدهم وللبسطاء الذين انضموا إليهم بالملايين. لقد تم تحطيم مفهوم "الأبوة" الذي حاول "كبار السن لا المقام" تسييده واللجوء إليه متهمين "الأولاد بقلة الأدب". الكبير أصبح بموقفه ومبادرته وفعله لا بسنه ولا بنضاله القديم الذي يريد أن يتقاضى ثمنه بأثر رجعي. هكذا علمنا شباب الثورة ومن كسر وهم الأبوة الزائفة. رئيس الدولة ليس أبا لأحد إلا لأولاده. ورئيس الوزراء أو نائب الرئيس لديهما أولادهما. ولكل منا أب وأم. لكل شاب من شباب مصر أب وأم ولا أحد بحاجة إلى آباء جدد أو قدامى. لقد تصور "الكهنة" أنهم يجلسون مع قادة الائتلاف "جلسة عرب". ونسوا أنهم دعوا الشباب إلى حوار يتطلب أصلا التكافؤ والجدية بعيدا عن الانفعالات وإضفاء الصفات الزائفة مثل الأبوة والبنوة والكبير والصغير. الصغار لا يقومون بثورات، بل على العكس فالصغار هم الذين تقام ضدهم الثورات لما ارتكبوه من حماقات وجرائم وإبادة متعددة الأوجه للبلاد والعباد. الحوار الهام والأساسي والأكثر جدية يجب أن يكون بين شباب الثورة والشعب الذي خرج وراءهم وبدون وصاية أو تحقيق مكاسب آنية ورخيصة. أما الحوار (التفاوض) مع أي حكومة، وبالذات التي تضم وجوه غير مرغوبة ممن كانت ضمن النظام السابق أو التي عليها علامات استفهام، أو حتى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يجب أن يتسم بالندية والخبرة والجدية، وأن يبتعد عن "الأبوة" الزائفة، وعن الغضب العسكري بسبب ما يعتبرونه "قلة أدب". شباب الثورة مؤدب جدا، ومثقف جدا، وجاد جدا، ولكل منهم أب وأم. ثورة 25 يناير 2011 هي ثورة شعب مصر وليست "ثورة الشباب". يجب ألا نسمح بدق أسفين بين الشعب وشبابه، ولا التقليل من قيمة مبادرة الشباب التاريخية. وإذا كنا جميعا نقف ضد الوصاية عموما، والوصاية الزائفة على وجه الخصوص، فينبغي أن نتنبه جيدا لفعل الوصاية من جانب شباب الثورة بالذات، لأن ذلك قد يهدم الكثير من الجوانب المضيئة لثورتنا الشعبية. المخاوف كثيرة، وهناك من يحاول أن يدفع البعض إلى تبني أفكار وعبارات من قبيل "إحنا اللي عملنا الثورة علشانكم" أو "إحذروا غضبنا" أو "ميدان التحرير بتاعنا إحنا" أو "كنتم فين لما إحنا كنا بنموت برصاص الأمن والبلطجية"... كل هذه العبارات بدأت تتناثر ربما بعفوية أو انفعال أو إحساس بتآمر البعض. لم يشارك أحد في الثورة ليقبض الثمن بأثر رجعي على طريقة الأحزاب العتيقة أو الانتهازيين من تجار السياسة وثورات البارات والصالونات. من قام بالثورة، قام بها من أجل وطنه وشعبه، وخروج الملايين في كل مدن وقرى ونجوع مصر يؤكد ذلك. لا مجال لوصاية بعض شباب الثورة على النقابات أو المجموعات الشبابية أو العمالية. إذا كانت النقابات المهنية أو العمالية تحاول التنسيق في داخلها أو فيما بينها فهذا حقها الطبيعي. هذا لا يتعارض إطلاقا مع دور شباب الثورة ولا مع ثورة الشعب المصري. ولا يتعارض أيضا مع ضرورة التنسيق مع ائتلاف شباب ثورة مصر. إذا كنا نقف ضد الوصاية، فيجب أن نقف ضدها في كل الاتجاهات لكي لا نشق وحدة الصفوف. فالثورة بدأت بعد خلع الرئيس، بينما الثورة المضادة بدأت منذ ما قبل مجئ الرئيس وأصبحت شرسة وإجرامية بعد تنحيه. لا أحد قام بالثورة من أجل عيون أحد. الشعب قام بثورته من أجل نفسه ومن أجل وطنه. الثورة أظهرت الاصطفافات والطوابير الخامسة والانتهازية والانتهازيين. الكل يعرف ذلك. وبالتالي يجب ألا نخلط الأمور أو نسمح بخلطها سواء من جانب بقايا رموز النظام السابق ومن يدسهم أو يتعامل معهم باعتبارهم من شباب الثورة، ولا حتى من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولا من جانب الشباب الذين قادوا الشعب المصري في ثورته العظيمة. إن ما حدث يوم انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين كان مزعجا ومخيفا ومثيرا للتساؤلات. وما حدث يوم جمعة "النصر" في ميدان التحرير مرعب ومخيف ومثير للقلق والغضب معا. قد تكون أحداث فردية لشباب رائع ولكنه غير واع تماما. وقد تكون عناصر مدفوعة من خفافيش الثورة المضادة. وقد تكون بدافع الانفعال أو الحماسة والرغبة في إثبات حق يتصورون أنه معرض للاختطاف. كل الأمور واردة. ولكن العزاء في أن العدد الأكبر من الشباب على مستوى عال من الوعي والإدراك وعدم التفريط لا في الحقوق ولا في الواجبات. وكما رفضنا الوصاية، علينا ألا ننصب من أنفسنا أوصياء على بعضنا البعض. فالحوار ضروري بيننا كأبناء للشعب المصري ولثورته، بينما "التفاوض" مع من يريد أن يتفاوض على أرضية من الندية والجدية. وقد ننتبه أيضا إلى أن التفاوض مع من لا شرعية له يمنحه الشرعية. يجب ألا نرتكب هذه الهفوة مثلما ارتكبها البعض عندما تهافتوا للقاء نائب الرئيس المخلوع وخرجوا ليبرروا ذلك بعبارات مثيرة للإشفاق والسخرية.