تسارع الاحداث يجب ألا ينسينا كيف تم اقتحام السجون وكيف تم اخراج البلطجية واصحاب السوابق والذين ظن بعض قيادات الشرطة ووزيرها السابق انهم خط الدفاع الاول امام ابرياء واجهوا الرصاص بصدور لا يملؤها الا حب مصر. تسارع الأحداث يجب ألا ينسينا الاجراءات الخاصة بإنشاء صندوق لرعاية أسر الشهداء الابرياء الذين سالت دماؤهم من أجل مستقبل أفضل لنا جميعا. مستقبل ربما لن يشاركونا فيه لكنهم يظلون روح الإلهام والبطولة في تاريخ مصر. لقد أعلن الرئيس أمس تنحيه عن الرئاسة وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بادارة شئون البلاد. وجاء قرار الرئيس استجابة لرغبات المواطنين وبعد أن أحال التعديلات الدستورية لمجلس الشعب تأكيداً لاستمراره في تحمل المسئولية حتي اللحظة الأخيرة وعدم انزلاق البلاد لحالة من الفوضي. إنها روح المقاتل الذي أراد أن يترجل عن صهوة جواده وهو يرفع رأسه عاليا. مقاتل تطوف بخياله الان ذكريات كثيرة، ذكريات واجه فيها الموت من أجل الذود عن تراب بلاده ووطنه الذي أحبه وأكد رغبته في أن يموت ويدفن في ترابه. التراب الذي وهب من أجله حياته وهو حق أصيل لكل مواطن مصري وليس من حق أحد أيا كان ان يعطي صك مشروعيته. قبل التنحي فوض الرئيس صلاحياته لنائبه السيد عمر سليمان أحد رواد جيل النصر العظيم في أكتوبر في ملحمة تفخر بها العسكرية المصرية بكل رجالاتها العظام وهم يقومون اليوم بتأمين الوطن. تأمين ربما كان تواجدهم بالشارع لحماية أبناء الشعب هو اقل مظاهره، لكنهم يؤدون مهمة اخري لا تقل أهمية وهي تأمين سيادة مصر أمام اخطار محدقة قد لا تعيها مشاعر الغضب والرغبة الجارفة في الاصلاح. تدخل مصر اليوم مرحلة حاسمة ونقف في مفترق طرق سوف يحاسبنا التاريخ حسابا عسيرا إن نحن تركنا المشاعر والعواطف هي وحدها سيدة الموقف أو أعطينا الفرصة لاعدائنا لكي يرسموا لنا الطريق ويحددوا لنا المطالب وربما يداعبهم الأمل أيضا في ان يختاروا لنا رئيسنا القادم.!! نعم مصر اليوم في مفترق طرق وتعيش أزمة حقيقية لم تشهد مثيلا لها من قبل. أزمة قد يتحول فيها الكومبارس إلي أبطال وتباع فيها القيم والاخلاق والمبادئ بأبخس الأثمان. أزمة لا تنحصر فقط في الدائرة المفرغة بين مطالب الاصلاح وخطوات الحكومة البطيئة لتحقيقها والتي يسودها نوع من الجدل العقيم وغياب الرؤية الموضوعية لكيفية الخروج منها. لكن الأزمة التي أعنيها هي حالة التخبط والبطء الشديد في معالجة بعض التداعيات والتي يشارك فيها أناس لم نكن نسمع لهم صوتا أو أي مشاركة حقيقية وتحولوا بقدرة قادر إلي أبطال ودعاة للحرية والاصلاح. هؤلاء الذين يتاجرون بدماء شهداء مصر من شباب 52 يناير أصحاب حركة الاصلاح الحقيقية والذين قدموا نموذجا رائعا في حق الاختلاف في الرأي والتزموا بالشرعية والقانون وهم ينظمون تظاهراتهم الشريفة يوم 52 يناير. والتي تحولت الي واحدة من أروع الثورات الشعبية في التاريخ وقبل أن يجثم عليها خفافيش الظلام وقناصو الفرص. لقد أعلن شباب مصر مطالبهم وكلها مطالب مشروعة ظلت علي مدي سنوات طويلة جزءا من احلام وطموحات الشعب المصري كله وجاءت الاستجابة لها سريعة غير أن تداعيات الأحداث سرعان ما تحولت الي محاولة للانقضاض علي مطالب الاصلاح التي حملها الشباب والذين دفعوا وحدهم أغلي ثمن لها. سارقو الفرحة حاولوا إحكام قبضتهم علي دفة سفينة الوطن وهي تحاول عبور الأنواء في محاولة للوصول بمصر إلي بر الامان وهم بذلك يسيئون أبلغ اساءة لشباب 52 يناير والذين يحملونهم مسئولية الخراب والتدمير والانهيار الذي تصاعدت حدته مع ايام الثورة وهم منها براء. لقد قامت حركة الشباب سلمية حمل لواءها جيل متعلم يجيد التعامل بلغة العقول وليس بلغة القبضايات والبلطجية ورصاص الغطرسة والقوة الغاشمة. حركة لم يكن لها زعيم أو قادة وكان كل مفجريها والقائمين بها مسئولين عنها وعن شرعية مطالبها. حركة التزمت بالشرعية فقد حصل اعضاؤها علي تصريح رسمي من وزارة الداخلية باقامتها وهو ما يؤكد ايمانهم الكامل واحترامهم بالشرعية والقانون. حركة بدا للعيان نجاحها في تحقيق أهدافها بالتجاوب الكبير الذي أبدته قواتنا المسلحة مع مطالبها.وبدء تنفيذها علي أرض الواقع من خلال التعديلات الدستورية التي أحيلت لمجلس الشعب أمس الأول وغيرها من المطالب التي ظهرت في الأيام الأولي. ثورة الشباب لم تكن تهدف أبدا ككل الحركات للاستيلاء علي الحكم بقدر ما كانت دعوة صريحة للحرية وترسيخ الديمقراطية ومواجهة الفساد وتحقيق مطالب مشروعة أصبحت تؤرق الملايين من شبابنا وهي إتاحة فرص العمل وإتاحة مستويات كريمة من الحياة. ومنذ اللحظات الاولي لها بدا للعيان أنها قادرة علي الصمود وقادرة علي تحقيق الاهداف وهنا بدأت المؤامرة الكبري للانقضاض عليها. مؤامرة لا أميل كثيرا عندما أحملها فقط لبعض القوي السياسية فيكفينا أنهم جميعا مصريون قد نختلف وقد نتفق وقد تتعارض رؤيتنا ولكنها تظل داخل جسد وطن نحبه جميعا ونرفض أن يزايد أحد ايا كان علي انتماء أي مصري إليه. لكن الذي لا شك فيه أن هؤلاء ساهموا بقدر ليس بالقليل في تمهيد الساحة لمؤامرة أخري كانت تحاك خارج مصر بمشاركة قوي كثيرة ودول وجماعات مسلحة كان يؤرقها كثيرا صمود مصر. يؤرقها كثيرا دور مصر القيادي في عالمها العربي وعن المستوي الاقليمي وكانت تتحين الفرصة السانحة للانقضاض علي مصر.. وإضعاف مصر. مبارك الذي ندعو له بالصحة وطول العمر بعد أن ترك منصبه لا أعتقد أنه اليوم في حاجة لان نتحدث عنه وعما قدمه لبلاده. سوف يصبح بما له وما عليه جزءا من تاريخ بطولات مصر التي نفخر بها جميعا. حقه علينا كرمز غال من رموز أكتوبر.. أكتوبر التي لم تكن مجرد حرب أو انتصار عسكري بقدر ما كانت صحوة لمصر كلها.. صحوة شعب رفض ذل الهزيمة والانكسار وخرج للدنيا كلها يعلن قدرته ويعلي هامته ليظل أبد الدهر درة في جبين العالم كله. ترك مبارك موقعه كرئيس لمصر بعد سنوات خدمة شاقة من حقنا جميعا ان نفخر بها ضمن بطولات تاريخنا الذي يحاولون اليوم ليس الطعن فيه ولكن اجتثاثه من جذوره وهنا نأتي للحظة فارقة في تاريخ مصر، لحظة لا تحتمل التأويلات أو التحليلات. لحظة يجب ألا نسمح فيها بأي مساس بثورة شبابنا البيضاء في 52 يناير.. الثورة التي شاهدناها وعشنا احداثها جميعا عبر شاشات الفضائيات ولم نقدم لها سوي الدعوات المخلصة بنجاحها، تلك اللحظة الفارقة لا يمكن أبدا أن تتحول إلي محاولة اقتسام الغنائم في ميدان خراب ودمار تعيشه مصر الآن. ونثق كل الثقة في قدرة رجال قواتنا المسلحة البواسل علي إعادة بوصلة سفينة الوطن لتبقي هامة مصر عالية خفاقة بين الأمم. لحظة تتطلب معالجات سريعة وبتر لأسباب الداء بعيدا عن المسكنات والمهدئات التي لم تعد تجدي نفعاً. لحظة تتكشف فيها الحقيقة كاملة حول دور الخونة من أعداء مصر الذين يحاولون تلطيخ الثورة البيضاء بلون الدم وهو منها براء. لحظة يجب ألا تباع فيها أخلاقنا بأبخس الاثمان لأن أخلاق المصريين وقيمهم هي أعز ما لديهم من امكانيات تصبح هباء تذروه الرياح لو نحن تنصلنا منها، لقد هالني حجم الآراء والكتابات والمشاركات عبر الفضائيات وهي تهيل التراب علي مصر وانجازاتها ورموزها وبالأمس فقط كانت تكيل المديح والثناء والشكر و العرفان لها. وصحيح ليس للاصالة ثمن ولكن للخسة أبخس الاثمان.