من تحت عباءة الدستور لست مع الذين يقولون إن ثورة تونس مع تقديرى لها قد ألهمت شباب مصر... بدأ التحضير والحشد لثورة مصر قبل ذلك بكثير، يوم فوجئنا بجريدة جديدة... تكتب كلاما لم نعتده، وكأن اسمها كان مقصودا ليذكّرالناس بأن الإصلاح يجب أن يبدأ بقنديل القوانين الذى يجب أن يكون لامعا براقا لاغبش فيه (الدستور)... لأول مرة فى تاريخ مصر تقرأ نقدا صريحا لسبب البلاء (الرأس الكبير) ... تعلمنا الجرأة من مسحراتى مصرالصارخ فى البرية... أول من قال للغولة: عينك حمرا... عبد الله النديم العصر... ذلك هو ابراهيم عيسى ... الكائن الأسطورى الذى كلما أغلقوا له فما نبت له فم جديد... ومعه كتيبة الفدائيين، الصحفيون الأحرار الذين قالوا كلمتهم و لم يمشوا... بل ثبتوا وصبروا وصابروا و رابطوا حتى فار التنور... ومن تحت عباءة الدستور خرجت كفايه وخالد سعيد و6 أبريل و 9 مارس و 25 يناير وكل أيام الأعوام السود. أطلب ممن سيجمعون وثائق الثورة أن يضموا إليها أول منشورات ثورية ألهمت المصريين: أعداد جريدة الدستور. الشهداء يضحكون هذه الثورة الفريدة سوف تحتاج سنوات لدراستها واستخلاص دروسها ... من العجيب أنها طوال ثمانية عشر يوما لم توزع منشورا أو تصدر بيانا... فقط وبعبقرية رائعة رفعت صور الشهداء تتلألأ فى جنبات ميدان التحرير! كانت هذه الصور منشورات تدفع المتظاهرين إلى تحدى الموت وتحمل برودة الجو وقسوة الأسفلت والإصرار على الثأر.... لماذا كل الشهداء أعينهم لامعة و وجوههم ضاحكة؟ هل التقطت صورهم هذه قبل الاستشهاد أم بعده ؟... كم كنت أغبطهم كلما تأملتهم وتمنيت أن انال شرف الشهادة وترفع صورتى معهم، لكن ثلاثين عاما من القهر أفقدتنى حتى الابتسام فلم أرتق إلى درجتهم. اذهبوا فأنتم الطلقاء فرحت لوطنى مرتين، الأولى عندما سمعت بيان العبور فى الساعة الرابعة والربع عصر يوم السبت السادس من أكتوبر بعد ست سنوات من الهزيمة... والثانية عندما سمعت بيان التنحى فى السادسة من مساء الجمعة الحادى عشر من فبراير بعد ست أسابيع من فضيحة مجلس الشعب. كانت الفرحة الأولى ثأرا لكرامة جيشنا... أما الفرحة الثانية فكانت ثأرا لكرامة شعبنا.... فى المرة الأولى كانت المواجهة سهلة لأننا كنا نحارب عدوا خارجيا، لذلك لم يكن بيننا طابور خامس... أما فى المرة الثانية فكنا نحارب سرطانا نبت فى لحمنا.. وامتلأت الساحة بالمنافقين والمنتفعين ومن شق عليهم تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. كما كانت الثورة سلمية بيضاء، فلم تقتل بلطجيا جبانا، أرجو أن تتوج روعتها التى أذهلت العالم بهتاف: اذهبوا فأنتم الطلقاء. دار الأرقم بن أبى الأرقم قلبت ثورة الشباب المائدة على رؤوس الأحزاب الداجنة كما أسقطت فلسفة الإخوان المسلمين... أولئك الأبطال لم ينتظموا فى الأسر والكتائب والرحلات والمعسكرات ثمانين عاما ومع ذلك ألهموا العالم أمثلة فى الشجاعة والإبداع ...كان الشاب يدخل ميدان التحرير فيثبت حتى يلقى الله ، تماما كالصحابى الذى أسلم ثم دخل ميدان المعركة فاستشهد ... لماذا إذن ظن الإخوان المسلمون أن تغيير المجتمع يحتاج سنوات طوالا لتربية الشباب وإعدادهم؟ ولماذا يضيعون غالبية جهدهم فى تغليف أنشطتهم بالسرية والكتمان حتى لو كانت مجرد غداء لتناول الأرز والبطاطس؟ متى يعيش الإخوان المسلمون فى القرن الواحد والعشرين ؟.. هاهى ثورة قامت تلبية لدعوة عامة على الإنترنت حددت موعدها وأماكنها وخطوط سيرها.. إن النبى و صحابته عندما خرجوا من دار الأرقم بن أبى الأرقم يتقدمهم حمزة وعمر لم يعودوا إليها ثانية... فمتى يخرج الإخوان من دار الأرقم بن أبى الأرقم؟ خالد سعيد صرف الله أعين النظام إلى مراقبة المعارضة الأليفة التى انحدرت إلى الحضيض، صار أقصى أمانيها أن تستجدى النظام مقعدا أو مقعدين فى برلمان مزور، لتقوم بدور الكومبارس فى جلسات المجلس . وعندما حرموا من التمثيل المشرف وغير المشرف أتوا بأحد النجارين فصنع لهم ماأسموه (البرلمان الموازى)! وهل أفلحوا فى صنع شيىء للوطن فى (البرلمان اللى بجد) حتى يصنعوا شيئا فى (برلمان كده وكده)؟ ، واطمأنت مباحث أمن الدولة إلى غيبوبة ملايين الشباب فى (السايبر) يلعبون ويتحادثون ويحمّلون الأغانى والأفلام الفكاهية والإباحية ... من المؤكد أنهم كانوا يقولون: (العيال) بتوع الانترنت لاخوف منهم ... الخوف من (العيال) بتوع الإخوان و بتوع المعارضة... ولامانع من افتعال بعض الوطنية الزائفة فى مباريات الكرة حتى لو أفسدت مابين الشعوب العربية ، فالمهم أن تقوى صلتهم بالدولة الصهيونية ويستمر تعاملهم معها تصديرا واستيرادا حتى قتل خالد سعيد ... فى السايبر أيضا !.... يومها أدرك شباب مصر أنهم ليسوا بمعزل عن القوة الغاشمة للسلطة، وأن الخطر لايكمن فقط فى العمل السياسى أو التدين.... بل إن كل فرد معرض لمصير خالد سعيد... استيقظ الشباب لكن حكامنا لم يستيقظوا...