هل حقاً نسيت اللجنة المنبثقة عن مهرجان القاهرة السينمائي التابع لوزارة الثقافة المصرية الاجتماع لاختيار فيلم مرشح للأوسكار باسم مصر؟ هذه الحادثة الغريبة والغامضة تحولت إلي خبر هامشي في الصحافة المصرية ومنها الصحافة الفنية رغم جسامتها، ونكتة تتداولها الصحافة العربية المطبوعة والمنشورة علي الإنترنت طوال الأيام الماضية، وهناك شبه إجماع علي اختيار مانشيت واحد مكتوب بصيغ مختلفة في الصحف العربية وهو «وزارة الثقافة المصرية نسيت ترشيح فيلمًا للأوسكار»، وتشير كل الدلائل والأخبار والتصريحات المتضاربة إلي أن هذا ما حدث فعلاً، وأن الوزارة أصابها حالة «زهايمر» وأن الأمر حقيقة وليس نكتة مضحكة، ولا أدري ما الأمور الضخمة التي تشغل وزارة الثقافة إلي درجة أنها «نسيت» أمر مهم مثل هذا؟ لقد قامت الوزارة بسحب صلاحيات اختيار فيلم للأوسكار من المركز الكاثوليكي الذي كان يقوم بهذه المهمة بصورة منتظمة ودقيقة لسنوات مضت، ومنحت الوزارة مهام اختيار فيلم الأوسكار للجنة منبثقة من مهرجان القاهرة، وهو المهرجان الذي ينحصر نشاطه طوال العام في التخطيط لاستضافة كام نجم عالمي مشهور يمشوا علي السجادة الحمراء، ولا يبذل المشرفون عليه أي مجهود فعال لاختيار أفلام مهمة أو حديثة للعرض في حفلتي الافتتاح أو الختام أو ضمن مسابقات المهرجان، ووجود الأفلام المهمة والمتميزة والمعبرة عن ثقافات عالمية متنوعة هي الهدف من مهرجان القاهرة وأي مهرجان سينمائي، والصورة الحالية للمشكلة أن هناك لجنة مكلفة باختيار فيلم للأوسكار لم تنعقد أصلاً، وهي ليست لجنة غير موجودة من الأساس، وأن عدم الانعقاد سببه حالة زهايمر أصيبت بها وزارة الثقافة العجوز التي انهار في عهد وزيرها المسرح بجميع أنواعه والسينما بكل صورها والغناء والموسيقي بكل ألحانها، بالإضافة إلي باقي عناصر الثقافة الأخري، وبعض الأخبار تشير إلي أن تلك اللجنة المزعومة كانت مشكلة برئاسة الكاتب «محمد سلماوي» وعضوية الناقدين «أحمد صالح» و«رفيق الصبان» والفنانين «يسرا» و«ليلي علوي» و«عزت أبو عوف» و«محمود ياسين»، وبعض أعضائها اتهموا رئيس اللجنة وفي قول آخر نائب رئيس مهرجان القاهرة السيدة «سهير عبدالقادر» بأنه أو أنها لم تدع أعضاء اللجنة للاجتماع ولهذا لم يجتمع أحد، ولكن يمكن قراءة ما بين سطور كل التصريحات بأن الكل نسي وأن المشكلة الباقية هي البحث عن المسئول عن هذا النسيان، هل هو رئيس اللجنة أم نائب رئيس المهرجان أم وزارة الثقافة التي «نسيت» متابعة أعمال اللجنة المنبثقة من مهرجانها السينمائي الدولي؟! وإذا كانت اللجنة نسيت بالفعل الانعقاد لاختيار فيلم للترشح، فقيام وزارة الثقافة بإنتاج فيلم مهم مثل فيلم «المسافر» للمخرج «أحمد ماهر» هذا العام تكلف ملايين، ووصل إلي أن يكون ضمن أفلام المسابقة الرسمية بمهرجان فينيسيا كان دافعًا لأن تتذكر الوزارة أن لديها عملاً يستحق إيقاظ أعضاء اللجنة من نومهم للانعقاد أو إعادة الأمر إلي المركز الكاثوليكي كما كان الأمر في السابق لاختيار الفيلم الملائم. وفيلم «المسافر» بالتحديد أنتجته الوزارة لأسباب فنية بحتة، وكان الأولي بالوزارة أن تدعمه بكل الوسائل المتاحة، بالإضافة إلي أن العام الماضي شهد وجود عدد من الأفلام الأخري المهمة التي كانت تستحق فرصة الوصول إلي ترشيح مهم مثل هذا، من هذه الأفلام «واحد صفر» للمخرجة كاملة أبو ذكري و«احكي يا شهر زاد» للمخرج يسري نصر الله، ولكن ما حدث دليل علي أن وزارة الثقافة ولجنة المهرجان تعيش في غيبوبة كبيرة حقيقية، وأن الثقافة ضحية وزارة بيروقراطية، ومهرجان القاهرة الدولي تحول إلي مهرجان محلي بعد أن انجرف إلي مزاد عداء الجزائر بسبب مباراة كرة قدم، فألغي الاحتفال بأي سينما في حفل الختام ومن بينها سينما الجزائر بالطبع. وعلي طريقة المثل القائل «القرعة تتباهي بشعر بنت أختها» حاول مهرجان القاهرة في دورته الأخيرة التباهي بأنه يعرض 8 أفلام مرشحة من دولها لأوسكار الفيلم الأجنبي من بينها الفيلم المغربي «كازا نيجرا» للمخرج نور الدين لخماري، وهو الفيلم العربي الذي أصبح بعد زهايمر لجنة وزارة الثقافة المصرية الفيلم العربي الوحيد المرشح لجائزة الأوسكار هذا العام، والمرشح أيضًا إلي أن يكون من بين مجموعة الأفلام التي ستصل إلي الترشيحات النهائية، ومن ترشيحات دول المنطقة هناك أيضاً الفيلم التركي «رايت الشمس» الذي يتناول قصة عائلة كردية، والفيلم الإسرائيلي «عجمي» الذي يتناول العلاقة بين عرب إسرائيل واليهود، ومن الأمور المؤسفة أنه في ظل وجود متميز لسينما المغرب وتونس ولبنان والأردن وتركيا وإيران وإسرائيل دولياً، تقف مصر صاحبة أهم وأقدم سينما في الشرق الأوسط متعثرة في إنتاج سينمائي فقير وفكر ضحل وبيروقراطية تحرم حتي المتميزين من الوجود العالمي، ويتبقي لنا من كل هذا هلاوس الريادة التي نتشدق بها صباح مساء دون أن نحولها إلي واقع ملموس.. مجرد ترشيح فيلم مصري للأوسكار أصبح حلمًا إما لعدم وجود فيلم مناسب أو لأن لجنة وإدارة مهرجان ووزارة الثقافة خارج نطاق الخدمة!