واللواء مجدي أيوب علاقتهما المتوترة كانت وراء كل ما حدث الأنبا كيرلس الأنبا والمحافظ.. أحدهما يملك والآخر يحكم.. أحدهما يقول والآخر ينفذ.. أحدهما يثور والآخر يهدأ.. لكن الشيء الوحيد الذي يجمعهم أن كلايهما كان سببا في الأزمة وعلاقتهما المتوترة كانت وراء كل ما حدث.. فكلاهما يحمل مشاعر متناقضة تجاه الآخر ولا يستطيع أن يحبه بل يسعي بكل الطرق لتجنبه.. فلم يجلسا معا قبل حادثة الفتنة الطائفية.. الأول هو الأنبا كيرلس أسقف مطرانية نجع حمادي والرجل الذي يعرف كل شيء ويملك مفاتيح حل كل الأزمات.. أما الثاني فهو اللواء مجدي أيوب محافظ قنا الرجل الذي جاء خلفا لأفضل محافظ في تاريخ قنا فأصبح موقفه حرجا من قبل أن يجلس علي مقعده. الأنبا كيرلس رجل يعرف كل شيء.. تستطيع أن تقول إنه يضع مفاتيح مركز نجع حمادي في «جيبه».. يسمع دبة النملة.. ويدرك من أن أين تأتي المشاكل.. ويحمل في عقله طرق حلها لذلك لا يمكن تجاوزه وهذا هو لب مشكلته مع اللواء مجدي أيوب الذي يري أنه ليس مجبرا علي الاستعانة به وأنه يملك الخبرات الكافية لإدارة المحافظة دون الرجوع لأحد أيا كانت قدرته أو أهميته لكن الأنبا كيرلس رجل يعيش في نجع حمادي منذ 33 عاما وبالتالي فهو ليس موظفا أو يمكن أن يرحل أو يتقاعد وفي الوقت نفسه هو سياسي بارع يدرك قيمة عادل لبيب محافظ قنا السابق ومازال يعلق صورته علي جدران المطرانية بينما لديه تحفظات علي اللواء مجدي أيوب المحافظ الحالي ويري أنه «غلبان» في محافظة مثل قنا تجمع كل المتناقضات والعصبيات والقبليات وذلك علي حد تعبيره في المؤتمر الصحفي الذي عقده بالمطرانية بعد الحادث. مجدي أيوب محافظ لا يزال يبحث عن نفسه فعندما صعد من منصب مساعد وزير الداخلية إلي كرسي محافظ قنا كان هذا الصعود بمثابة عيد للأقباط لكن للأسف «يا فرحة ما تمت ففي عهده عاش الأقباط أسوأ أيام حياتهم فالاعتداءات علي الكنائس لا تنتهي ومشاكل الأقباط بلا حلول لدرجة جعلتهم يترحمون علي أيام المحافظ السابق اللواء عادل لبيب الذي كان أيامه لا يجرؤ أحد علي مخالفة تعليمات المرور وليس الاعتداء علي الكنائس في أيام الأعياد، هذا بجانب أن الأقباط يعتقدون أن المحافظ يسعي لكسب ود المسلمين علي حسابهم عن طريق وقف بناء الكنائس وإنشاء مساجد جديدة بل الأغرب من ذلك أن المحافظة قبل مجدي أيوب كانت تسير كالساعة لكن المسألة اختلفت والأحوال تبدلت فاحتفالات الأقباط كانت احتفالات عامة يحضرها المحافظ كل القيادات ويجوبون الكنائس للتهنئة أما الآن فالمحافظ يذهب لكنيسة واحدة - إن ذهب- فهو لم يذهب مرة واحدة إلي مطرانية نجع حمادي إلا بعد الأحداث الأخيرة وتحديدا بعد ما نشرته «الدستور» علي لسان الأنبا كيرلس عندما قال «أتمني المحافظ يجيي يزرني وكل شيء هينتهي» وبالفعل كل الجفاء الذي كان بينهما - يقال إنه - انتهي بهذه الزيارة. لكن الأزمة الحقيقية بين الأنبا والمحافظ سببها أن اللواء مجدي أيوب لا يدرك قدرات الأنبا كيرلس الذي يعد الرمز القبطي الأول في مركز نجع حمادي باعتباره أسقف المطرانية ومن هنا تكمن قدراته وبالتالي ليس غريبا أن يكون هو الشاهد الأول في حادث مقتل سبعة من الأقباط أمام الكنيسة عقب احتفالاتهم بعيد الميلاد المجيد فقد شاهد المتهمين وأرشد عنهم ولم يكتف بذلك بل حدد المواقع التي لجأوا إليها في الزراعات لذلك فهو ليس مجرد رجل دين لكنه رجل سياسي بالدرجة الأولي لدرجة جعلته يبلغ عن حادث الاعتداء علي الأقباط قبل حدوثه بأيام وعندما سألته عن مصدر معلوماته في هذه الواقعة قال «واحد من إخواتنا » والغريب أنه بعد ساعات من تصريحاته التي قالها في مؤتمر صحفي حضره عدد كبير من الصحفيين في الصحف المصرية والعالمية عاد مرة أخري ونفي أنه قال هذا الكلام وهذا يؤكد أنه سياسي قبل أن يكون رجل دين لذلك فلا يمكن أن يسير المحافظ دون مشاوراته، وهذا ما كان يفعله المحافظ السابق الذي كان يذهب إليه دائما ويلبي طلباته دون تردد ويجلس معه لمعرفة مطالب الأقباط التي لا يمكن أن تعرفها دون أن تجلس معه فهو يحفظها عن ظهر قلب بل إنه يعرف أيضا حدودها فتجده عند المظاهرات يقف أمام الشباب المندفع ويحذرهم من تهورهم أمام وسائل الإعلام لكن في الوقت نفسه بعد ساعات قليلة من حدوث جريمة نجع حمادي يسارع بإعلان أنه هو نفسه الذي كان مستهدفا من هذه الحادثة من قبل المجرمين وهو يعلم ثقله الذي يجعل كل الأقباط يخرجون من أجل الثأر من الجناة أو إحداث أعمال تخريب وشغب للرد علي ما حدث. ربما يتمني الأنبا كيرلس أن تنجح تجربة مجدي أيوب في قنا باعتباره المحافظ القبطي الوحيد في مصر لكنه أيضا لا يتصور أن يتم هذا النجاح دون أن يضع بصمته عليه بل دون أن يكون شريكا فيه خاصة أن الأنبا كان شريكا دائما في مؤتمرات الحزب الوطني بل كان صاحب الدعوة لمؤتمر تأييد الرئيس حسني مبارك في الانتخابات الرئاسية السابقة في نجع حمادي، وبالتالي لن تعرف نجع حمادي الهدوء إذا ظلت العلاقة بينها بين شد وجذب لأن هذا ليس في مصلحة الاثنين والأهم أنه ليس في مصلحة المسلمين والأقباط الذين مازالوا يترقبون ما ستسفر عنه الأيام المقبلة لأن النار مازالت تحت الرماد.