وقف العازفون وحدهم، يشدون بما تبقى لديهم من ألحان جميلة, تبعث الأمل في أرواح ملأها اليأس والخوف من مصير مظلم, تتراقص أياديهم على آلات صماء لتخرج أعذب الأصوات, ذلك هو المشهد الأجمل في الفيلم الرائع "تيتانك" بل من أجمل المشاهد التي رأيتها في حياتي. هكذا عازفو الدستور، الذين يعزفون الآن أجمل ألحان النضال على أوتار ما تبقى لديهم من آمال كبيرة ، فتدب الروح من جديد في جسد حرية الصحافة التي يشوهها النظام , في أجمل مشهد يحدث في تاريخ الصحافة المصرية وقف عازفو السفينة الغارقة يحاولون بعزفهم الجميل لألحان بيتهوفن الخالدة ان يخففوا من حدة يأس وخوف ركاب السفينة العظيمة بعد تأكدهم من أن مصيرهم المحتوم هو الغرق لا محالة في مياه المحيط الباردة . وعازفو الدستور يحاولون بصمودهم البطولي أمام سطوة رأس المال أن يخففوا من حدة يأس زملائهم في المهنة الذين ظنوا يوما ما أن مهنة الصحافة لن تجود ثانية بأناس تدافع بكل ما أوتيت من قوة عن شرف مهنتهم وحرية وطنهم . كان عازفو السفينة الغارقة مؤمنين بصنيعهم رغم الضجيج والصراخ والصراع من أجل البقاء, يبتسمون ابتسامة رقيقة وهم يحملون آلاتهم رغم تأكدهم من الموت الذي يطوف بهم ومازالوا يعزفون نشيد الفرح لبيتهوفن , لم يجزعوا من ذلك الخوف المستشري بين الناس , وحدهم كانوا الأكثر إطمئنانا والأكثر حبا للحياة رغم أنهم لم يلحقوا بعد بقارب نجاة ... و صحفيو الدستور العظام يؤمنون بما يفعلون , ورغم الضجيج والصراخ من حولهم وتسفيه البعض لقضيتهم في محاولة بائسة لإنتزاع إيمانهم بالحرية من صدورهم , مازالوا معتصمين ومصرين على مطالبهم العادلة وأهمها الحفاظ على السياسة التحريرية لجريدتهم التي تميزت بها عن كافة الجرائد . وقف عازفو السفينة الغارقة ينشدون ألحانهم وكأنها تراتيل في السماء تتراقص من حولها الملائكة , جميع الركاب من حولهم يصطدمون بأجسادهم وهم يهرولون للحاق بقوارب النجاة ينظروا إليهم باستغراب شديد متسائلين ما الذي يفعله هؤلاء ولكنهم مستمرين في عزفهم , حتى بعد غرق نصف السفينة في مياة المحيط إلا أن الأرض لم تهتز من تحت أقدامهم متحدين المحيط الذي يبتلع كل ما يقابله . وهكذا عازفو الدستور رغم ما تعرضوا له بعد سرقة جريدتهم إلا أنهم أصروا على عزف سيمفونية تحدي رجال أعمال ظنوا وظنهم سوء أنهم يستطيعون شراء أقلام الدستوريين بأموالهم , نظروا إليهم باستغراب شديد وتساءلو كيف لهؤلاء رغم الظروف الصعبة لكثير منهم أن يرفضوا تلك الاغراءات المادية ويعتصموا لتحقيق مطالب مهنية , في نظر هؤلاء الملاك مطالب غريبة لا تسمن ولا تغني من جوع لانهم لم يقدسوا معنى الحرية التي قدسها صحفيو الدستور , رفضوا كل الإغراءات واختاروا شرف المهنة وحرية جريدتهم, رفضوها لأنهم ليسوا مأجورين أو عمالًا في مصنع, إنهم أصحاب فكر ورأي وقلم ينبض بالحرية. مشهد عازفي السفينة الغارقة علم الناس كيف يظل الانسان على مبدئه لاخر نفس في الحياة لديه , بعزفهم الجميل بثوا الطمأنينة في نفوس البعض فتوقفوا عن الصراخ والركض وآمنوا بتلك الآلحان الجميلة . وصحفيو الدستور يعلمون زملائهم في مهنة الصحافة درسا في المبادئ والشرف الصحفي, هم ليسوا مجرد صحفيين في بلاط صاحبة الجلالة، وإنما جزء من قدرات ومواهب ذلك البلد الذي يستشري به الجهل والمرض والفقر, مازال لديهم أمل ومازالوا يؤمنون بأن "لسه الأغاني ممكنة". صحفيو الدستور وحدهم، يؤكدون للجميع أنهم أصحاب موقف ومبدأ, يجسدون معنى رسالة الصحافة, يبثون إيمانهم في الجميع، فيدفعونهم للإيمان بما يفعلون, يصرون على الاستمرار في عزف ألحانهم, رغم كل الأمراض التي تنهش في مجتمعنا, ورغم الفساد الذي يملأ جميع مؤسسات المحروسة، الذي أصاب الجميع بالخوف والاضطراب والذعر. ترى في أعينهم ثورة، وإن استولت بعض مظاهر اليأس على ملامحهم فإنه يأس سرعان ما يخبو لتنمو مكانه الثورة من جديد, ثورة على الظلم وسيطرة رأس المال وعلى مجرد التفكير في شراء ضمائرهم وأقلامهم .. فهي أشياء لا تشترى , انهم يعتصمون من أجل الحفاظ على سياسة جريدتهم التحريرية والحفاظ على هامش الحرية المتاح في مصر في سابقة نادرة في تاريخ الصحافة إن صحفيي الدستور بما يفعلونه الآن هم أولئك العازفون المتفانون في عملهم، وفي إخلاصهم لعدالة قضيتهم، ومازالت الابتسامة تعلو وجوههم رغم مآسي الحياة ونكباتها المتلاحقة, ليجسدوا كلمات شاعر المقاومة الكبير محمود درويش في قصيدة "أجمل الأمهات" التي يقول فيها: صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم وفي يدنا يلمع الرعب في يدنا في القلب غصن الوفاء النظيف صامدون هنا اتجاه الجدار الأخير وفي يدنا يلمع الرعب في يدنا في القلب غصن الوفاء النظيف صامدون هنا ... صامدون هنا وتستمر الحكاية إلى زملائي , صحفيي الدستور الأبطال ,,, لكم مني ألف سلام